محمد حسان
تكررت هجمات تنظيم “داعش”، على قوات النظام السوري وحلفائه، منذ مطلع العام 2021، وتركزت هذه الهجمات على الطرق الرئيسية العابرة للبادية، والتي تصل محافظات الشمال والشرق السوري مع محافظات الوسط والعاصمة دمشق، خاصة طريقي ديرالزور-دمشق وطريق أثريا.
الهجمات تؤكد أن التنظيم يعتبر استهداف طرق الإمداد خياراً مفضلاً ومتاحاً لمقاتليه، لأسباب تتعلق بإمكانية تنفيذ تلك الهجمات، وأخرى تتعلق بمقتضيات الحاجة العسكرية لتعزيز قدرات عناصره القتالية.
لماذا طرق الإمداد؟
يُفضل تنظيم “داعش” تركيز هجماته التي تستهدف قوات النظام وحلفائها، على الطرق العابرة للبادية السورية، أولاً لأن التحركات العسكرية لقوات النظام وحلفائها هناك، غالباً ما تكون عبارة عن مجموعات عسكرية صغيرة بتسليح خفيف ومتوسط، ما يسمح لمجموعات التنظيم القتالية من التعامل معها ضمن إمكانياته المتواضعة. فالتنظيم تقتصر تجهيزاته على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، والثقيل المتوفر لا يتم الزجّ به في مثل هذه العمليات.
والسبب الثاني الأساسي يعود إلى وجود طرق الإمداد في مساحات جغرافية بعيدة عن نقاط تمركز قوات النظام في المدن والبلدات الرئيسية، ما يُصعّب من عمليات التعزيز والإسناد للقوى المُهاجَمة على تلك الطرق، ويُعطي التنظيم القدرة على التعامل مع محدودية الهدف. فخلال هجمات التنظيم الأخيرة قرب منطقة كباجب وطريق أثريا، لم تصل تعزيزات النظام إلا بعد مضي وقت من انتهاء الهجمات.
كما أن طبيعة الأهداف المتحركة على الطرق، لا تفرض على التنظيم ضرورة الهجمات العسكرية المباشرة عبر العنصر البشري، فالكثير من الهجمات تكون عبر زرع العبوات الناسفة والألغام، وهذا يمنح التنظيم ميزات الحفاظ على عناصره البشرية وعدم تعريضها للخطر، خاصة وأن عمليات التجنيد تراجعت منذ هزيمته في سوريا والعراق.
تعزيز القدرات القتالية
لا يضع “داعش” من خلال هجماته، في حساباته أهدافاً استراتيجية، مثل قطع طرق الإمداد، لآن الأمر غير قابل للتطبيق حالياً، بسبب قدرات النظام وحلفائه العسكرية وأهمية تلك الطرق بالنسبة لهم، وأيضاً لعدم وجود مقومات عسكرية وبشرية كافية.
ويقول المحلل العسكري والاستراتيجي عبد الناصر العايد ل”المدن”، إن “هجمات التنظيم في البادية وعلى طرق الإمداد، هدفها الأول هو تعزيز القدرات العسكرية لمقاتليه، خاصة المنتسبين الجدد الذين يتوافدون إلى صفوف التنظيم بمعاقله في البادية، والذين يحتاجون لخوض المعارك وصقل تجاربهم القتالية، إضافة إلى تعزيز عوامل اللياقة البدنية لقدامى المقاتلين، وتجنب دخولهم في حالة الخمول والكسل نتيجة غياب النشاطات العسكرية”.
ويضيف العايد أن من بين أهداف التنظيم أيضاً، “تعزيز فكرة وجوده وعدم القضاء عليه، وأنه طرف يملك النفوذ الكامل على مناطق البادية السورية، وهذا يخدم التنظيم في نظريته الدعائية القائمة على البقاء”. ويتابع أن ل”داعش” أهدافاً تتعلق بمجال “الاستقطاب البشري إلى صفوفه، والدعم المعنوي لفروعه المنتشرة في العالم، عبر تأكيد وجوده القوي في سوريا والعراق المنطلق الرئيسي له وموطئ خلافته الأولى”.
ويشير العايد إلى أن “داعش” يعي أن الهجمات على طرق الأمداد غير مكلفة عسكرياً له، وبالتالي لا تستنفذ قدراته المحدودة، بل يمكنه من خلال تلك الهجمات السيطرة على المعدات والأسلحة، التي تكون عاملاً في رفد مخازنه.
هل يملك النظام الحل؟
لا يملك النظام السوري وحلفاؤه القدرة على وقف هجمات تنظيم “داعش” في البادية بشكل كامل، لكنه يمتلك بعض الآليات في حال تطبيقها يمكن أن تخفف من تلك الهجمات أو حتى الخسائر البشرية في صفوفه، سواء في عمق البادية أو على طرق الأمداد، الواصلة بين المحافظات.
إحدى تلك الآليات، تكثيف الحواجز والنقاط العسكرية الثابتة على طريقي ديرالزور-دمشق وطريق أثريا، للحد من عمليات استهداف آليات النظام وحماية الطريق من عمليات زرع الألغام والعبوات الناسفة، وأيضاً لتكون قوى متقدمة لمؤازرة القوات العابرة للطرق في حال تعرضها للهجمات.
هذا التكتيك الذي يشبه الطوق الأمني، نفذته قوات النظام في محافظتي الرقة وديرالزور خلال العامين الأخيرين، عبر نشر وحدات عسكرية على أطراف البادية المحاذية لمناطق سيطرتها في وادي الفرات. وقد حقق هذا التكتيك فاعلية كبيرة، لكن تطبيقه لحماية طرق الإمداد العابرة للبادية يحتاج لآلاف العناصر، وهو أمر غير متوفر حالياً.
كما أن الحد من تحركات النظام البرية في البادية سواء على الطرق الفرعية أو الرئيسية، والاعتماد على النقل الجوي، أو حصر عمليات التنقل بقوات عسكرية ضخمة مدعومة بإسناد جوي، يمكنه التخفيف من تعرض قواته للهجمات، فالتنظيم يختار الأهداف الضعيفة في عملياته العسكرية، ويتجنب الحشود العسكرية الضخمة.
المصدر: المدن