عالية منصور
إيران التي تتاجر بقضية فلسطين وبالمقاومة هي التي تقتل كل دقيقة عربياً، وبشار لا يعرف من فلسطين سوى فرع الأمن سيئ الصيت المسمى «فرع فلسطين» والذي قضى فيه آلاف الشهداء الفلسطينيين والسوريين تحت التعذيب.
لقاء عقد في شهر ديسمبر (كانون الأول) الفائت في قاعدة حميميم العسكرية يجمع قادة عسكريين من النظام السوري بمسؤولين أمنيين إسرائيليين وبحضور عسكري واستخباراتي روسي. خبر انتشر على أكثر من موقع إخباري ولم يأخذ صداه إلى أن نشره مركز أبحاث سوري في تركيا، وأضاف عليه ما قال إنها معلومات حول ما دار في اللقاء، فانتشر الخبر وبات كل موقع ينقله، وكل محلل يتحدث عنه يضيف إليه ما يقول إنها معلومات إضافية حصل عليها، حتى وصل الأمر إلى أن ذكر أحد المواقع الإخبارية اللبنانية أن رئيس النظام السوري شخصيا حضر الاجتماع.
وإذا كان موضوع لقاءات نظام الأسد بمسؤولين إسرائيليين ليس مستبعدا ولا جديدا، حيث سبق وكان بين الطرفين مفاوضات علنية مباشرة أو عبر وسيط، وأخرى بعيدة عن الأضواء كشف عنها لاحقا، ولكن الجديد في خبر مركز جسور هو فحوى اللقاء، والذي يطرح الكثير من علامات الاستفهام.
يقول موقع الدراسات الذي حصل على «سكوب»إعلامي حصري إن أبرز مطالب النظام السوري من الإسرائيلي هي «عودته لجامعة الدول العربية، والحصول على مساعدات مالية لسداد الدين الإيراني، وبالتالي فتح المجال لنظامه لإخراج إيران من سوريا، ودعمه لتثبيت حكمه، وإعادة العلاقات مع المحور السني العربي، ودعم سوريا اقتصادياً، ووقف العمل بالعقوبات المفروضة على سوريا وإيقاف قانون العقوبات سيزر».
وما عدا موضوع قانون قيصر والعقوبات، يظهر هذا الكلام وكأن إسرائيل ليست فقط وسيطا بين الدول العربية والأسد، لا بل يوحي بأن إسرائيل هي صاحبة القرار في هذه الدول وهي من تقرر نيابة عن الدول العربية مجتمعة.
يتابع مركز جسور بمعلوماته لينتقل إلى مطالب الطرف الإسرائيلي من الأسد، وتتضمن وفقا لما نشره جسور، «تفكيك ما يُسمى (محور المقاومة والممانعة)، وإخراج إيران من سوريا بشكل كامل، وإخراج قوات حزب الله اللبناني وكامل الميليشيات الأجنبية من سوريا، وتشكيل حكومة بالمناصفة مع المعارضة السورية، وإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية السورية بشكل كامل، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية بشكل كامل، وإعادة الضباط المنشقين بضمانة روسية أميركية إسرائيلية». وهنا تظهر إسرائيل وكأنها تفاوض نيابة عن المعارضة السورية، حتى إنها، أي إسرائيل، لم تنس المنشقين عن نظام الأسد، ولكن يبدو أنه راح عن بالها المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، كما غاب عن اللقاء أي كلام عن الجولان بين الطرفين.
ونفت خارجية النظام السوري الأمر نفيا مقتضبا، ولم يصدر أي تعليق عن الجانب الإسرائيلي، بينما أكدت مصادر صحافية أن الجانب الروسي بدوره نفى الأمر جملة وتفصيلا، وهنا لا بد من أن يطرح المرء تساؤلا إن كان هذا اللقاء قد حصل فعلا وعلى هذا المستوى، فهل يعقل أن يحصل في سوريا وتحت أعين إيران وميليشياتها؟
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وفي مؤتمر صحافي عقد في موسكو لاحقا، قال: «إذا كانت إسرائيل مضطرة، كما يقولون، للرد على تهديدات لأمنها تصدر من الأراضي السورية، فقد قلنا لزملائنا الإسرائيليين عدة مرات: إذا رصدتم مثل هذه التهديدات، فيرجى تزويدنا بالمعلومات المعنية». ولكن وللتذكير في شهر مايو (أيار) من العام 2018 أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أن روسيا وإسرائيل، وبعد أشهر من الدبلوماسية، توصلتا إلى تفاهم يقضي بضرورة إبقاء إيران وحزب الله بعيدين عن الحدود الشمالية لإسرائيل مع سوريا. بعد عامين ونصف العام من هذا الإعلان، لم تنجح موسكو بتنفيذ تعهداتها، إما لأنها لا ترغب وإما لأنها فعلا أضعف بكثير مما يظن البعض. فعلى العكس، إيران اليوم ومن خلال ميليشياتها والعناصر الموالين لها في الفرقة الرابعة، موجودة وبقوة في تلك المنطقة.
من يتابع مجرى الأحداث في سوريا يعرف أن هناك ارتباطا وثيقا بين الدورين الروسي والإيراني، فروسيا لا تملك العديد البشري الذي تملكه إيران داخل الأراضي السورية، ولا ننسى ما أعلنه في وقت سابق وزير الدفاع الإيراني السابق حسین دهقان أن القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني كان له دور كبير في إقناع روسيا بأهمية وجودها في سوريا، وأنه رغم رغبة الروس بقيادة المعارك إلا أن «شهرة سليماني جعلت الاتفاق مع موسكو على أن تقود إيران المعارك على الأرض، فيما تقدم روسيا الدعم الجوي والمشورة للنظام السوري». ومنذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا في شهر سبتمبر(أيلول) 2015، وفرت روسيا غطاء جويا لمعظم العمليات العسكرية للميليشيات الإيرانية. أما فيما يخص الأسد ونظامه، فتبعيته الكاملة لإيران لم تعد خافية على أحد، وإن كان قد نجح في السابق بإيحاء أن التبعية لإيران أمر قابل للمقايضة، إلا أن ذلك كان قبل أن يصبح ونظامه وشخصه تحت وصاية الإيراني بالكامل.
اليوم مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، قد تتجه روسيا إلى إعادة إحياء اتفاق كيري لافروف في العام 2016 وخصوصا أن الإدارة الأميركية الجديدة وكل ما تسرب عنها ليست بعيدة عن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وتوجهاته، وكما تسعى روسيا إلى إعادة إحياء اتفاقاتها مع الولايات المتحدة، تتطلع إيران إلى العودة للاتفاق النووي والبدء بالتفاوض مع الإدارة الجديدة على ما سيدخل على الاتفاق السابق من تعديلات. وكثيرة هي الجهات المتضررة من إعادة هذه الاتفاقات والتفاهمات.
ختاما، لا بد من القول إن المستفيد الأول من مثل هذه الأخبار الموجهة هو نظام بشار وإيران، فما ذكره مركز الدراسات «المعارض»من محتوى ومضمون محضر الاجتماع يشكل أفضل دعاية لبشار الأسد المقدم على انتخابات أحادية غير شرعية بعد أشهر، فمحضر الاجتماع المزعوم يتبنى سردية بشار الأسد عن الثورة السورية، فهي ليست ثورة شعب نهض ليطالب بحريته، بل هي مجرد مؤامرة «صهيونية إمبريالية»تهدف لتحطيم محور المقاومة، والدليل أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية بيد إسرائيل، ما يعني أن قرار تعليق عضويتها كان قرارا إسرائيليا، وليس قرار العرب الذين تعاطفوا وتضامنوا ودعموا ثورة الشعب السوري ضد نظام مجرم قتلهم وشردهم، كذلك فإن محضر الاجتماع المزعوم، يجعل من بشار الأسد مجرد مقاوم للاحتلال والهيمنة الأميركية الإسرائيلية، ولذلك عاقبته هذه الدول على مواقفه، واستعادة دوره تكون بالانصياع لمطالبهم المتمثلة بفتح مجال الحريات وإشراك المعارضة في الحكم.
لا أظن أن هناك دعاية انتخابية أفضل من هذه لبشار الذي يريد تغطية جرائمه ووحشيته تحت عباءة المقاومة والصمود والممانعة، وكذلك إيران، فهي أيضا لم تدخل إلى سوريا للمشاركة في حفلة الدم التي بدأها بشار، وهي لم تقتل أبناء الشعب السوري وتهدم مدنهم وقراهم وتشردهم من بيوتهم لأسباب طائفية ولحقد تاريخي دفين، بل هي جاءت إلى سوريا للمشاركة في الزحف إلى القدس لتحريرها، ولذلك شرط الاستقرار في سوريا هو خروجها من معركة التحرير التي تجري الآن على أبواب القدس، للأسف هذا هو مضمون محتوى الاجتماع المزعوم، وهذه خطورة الخبر الذي تم نشره، لأن وراءه جهة تريد تبرئة بشار وإيران وغسل أيديهم من دماء السوريين، إيران التي تتاجر بقضية فلسطين وبالمقاومة وهي التي تقتل في كل دقيقة عربيا، وبشار الذي لا يعرف من فلسطين سوى فرع الأمن سيئ الصيت المسمى «فرع فلسطين»والذي قضى فيه آلاف الشهداء الفلسطينيين والسوريين تحت التعذيب.
المصدر: المجلة