د- زكريا ملاحفجي
تلك المنطقة من العالم التي لا تخلو نشرة أخبار في أي محطة تلفزيونية عالمية من ذكر خبر يتعلق بالشرق الأوسط، ولا تخلو جريدة ولا راديو والمركز السياسي والاستراتيجي يعتبر متميز إن كان له نصيب مما يتعلق بالشرق الأوسط.
فهذه المنطقة الحساسة للغاية وهي منطقة الشرق الأوسط تقع في منطقة مهمة حضارياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً، والتي بموجبها أصبحت ذات أهمية جيو-إستراتيجية نظراً لدور هذه المنطقة في حركة السياسة العالمية تأثيراً وتأثراً بحكم ما يميزها من خصائص، فالأهمية الجيو-استراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط والتي تنبع من الأهمية الجغرافية والحضارية للمنطقة وخاصة الأهمية الاقتصادية، وهذا ما جعل السياسة الخارجية للدول الكبرى نشيطة اتجاهها نظراً لكونها رهاناً أساسياً بالنسبة لمستقبل تحقيقها لمصالحها وزيادة قوتها.
بدأ ذلك فور سقوط الدولة العثمانية حيث سارعت الدول الأوربية لاقتسام المناطق الجغرافية التي تعرف اليوم بالشرق الأوسط، سواء من خلال الاحتلال أو الانتداب، وبعد اكتشاف النفط في منطقة الشرق الأوسط ازدادت الأهمية الجيوسياسية لها خاصة كونها ذات أهمية ليس فقط نتيجة موقعها وممرات عبور التجارة الدولية، ولكن أيضاً للمورد الاستراتيجي الذي تحتويه بكميات كبيرة جداً إذ يصل احتياطي النفط في منطقة الشرق الأوسط إلى ثلثي احتياطي النفط العالمي.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، كتب الباحث والأكاديمي (لويس فرتشلنغ) بحثاً عن إستراتيجية الحلفاء في الشرق الأدنى أكد فيه على الأهمية الإستراتيجية للشرق الأدنى فقال: (إن منطقة الشرق الأدنى التي تقع جنوبي الجبهة الروسية الطويلة، وشرقي ساحات المعارك الصحراوية في ليبيا، وغربي منطقة الصراع الشاسعة في القسم الجنوبي الشرقي من آسيا تحتل اليوم مركزاً رئيسياً في استراتيجية العالمية، فإن طرق النقل تخترقها براً وبحراً. مما يوفر نقل الجيوش أيضًا والمعدات من جبهة إلى أخرى، فما تخترقها أيضاً طرق المواصلات التي تضمن تنسيق العمليات المختلفة لجيوش الحلفاء، ولذا فان منطقة الشرق الأدنى تعتبر حجر الزاوية في خطط الحلفاء الدفاعية)
وإن مجرى الحرب قد أظهر لنا بوضوح أهمية الشرق الأوسط بالنسبة إلى المصالح البريطانية، وفضلاً عن هذا فإننا قد تعلمنا أن بلدان المشرق ، ولا سيما لبنان من أعظم المناطق الحيوية، فان أهميتها بالنسبة إلينا لا تقتصر على كونها مناطق تقع على خطوط مواصلاتنا إلى الشرق، ولكن أصبح من الواضح جداً أنه لو تمركزت قوة جوية كبيرة جوية كبيرة لأعدائنا من قاذفات قنابل في الجبال المنيعة الواقعة في سلسلتي جبال لبنان الغربية منهما والشرقية (ومع جميع إمكانات تحصينها القوية، تستطيع السيطرة فوراً على قناة السويس، وعلى حقول البترول في كركوك وخطوط الأنابيب)
هذا ما أكد عليه أحد السياسيين البريطانيين سنة 1976 حينما قال: ميزان الخطر بدأ يرفع رأسه مدداً في لبنان لأن لبنان هو المفتاح الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط) وهذا ما أكد عليه قائد إحدى حاملات الطائرات الأميركية” الاستقلال” لدى زيارة حاملته إلى بيروت في 1982. بقوله: (من هذا المكان نستطيع أن نراقب تحركات الجيوش حتى الحدود المصرية. ويتحدث هنري كسينجر عن الشرق الأوسط فيقول: الشرق الأوسط مهد ثلاثة من أديان العالم الكبرى، من رحم جغرافيته المتجهمة خرج الأنبياء رافعين عالياً رايات طموحات كونية شاملة، عبر آفاقها البادية بلا حدود، شُيدت امبراطوريات وسقطت. وما من صيغة من صيغ النظام الداخلي (الوطني-القومي) والدولي إلا وقد كان موجوداً هنا ثم ما لبث أن جرى رفضه في وقت آخر. ثم يقول: سيبقى الإقليم مشدوداً بالتناوب نحو الالتحاق بركب الأسرة العالمية والكفاح ضدها.
يقول الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، إنهم لا يذهبون إلى خارج الولايات المتحدة دفاعاً عن الديمقراطية أو الشرعية الدولية أو لمحاربة الدكتاتورية، بل “نذهب إلى هناك لأننا لن نسمح بأن تمس مصالحنا الحيوية”. فتتمثل المصالح الاستراتيجية الشرق أوسطية في حماية النفط، والحفاظ على “إسرائيل” وحماية نفوذها في المنطقة،
والناظر اليوم إلى الشرق الأوسط لاسيما مع انطلاقة ثورات الربيع العربي، وكل العالم يتابع ما يجري في الشرق الأوسط، وليس يهتم به سياسياً أو إعلامياً فقط، بل تمركز جيوش دول مجلس الأمن الخمسة في الشرق الأوسط وفي سورية، فضلاً عن قوى أخرى تخوض صراعاً يتعلق بأمنها القومي كتركيا والمملكة العربية السعودية في اليمن، ودول تسعى للتدخل ومد النفوذ كإيران، فأهمية الشرق الأوسط الجيو استراتيجية وثرواته هي سبب رئيسي في هذا التركيز والتدافع والاختطاف للجغرافية والسلطة ومحاولة التأثير على الديمغرافية السكانية، وإذا كانت شعوب العالم تحتاج إلى جهد بقدرٍ ما للنهوض والتحرر، ففي الشرق الأوسط تحتاج أن يكون الجهد مركبًا ومضاعفًا لتحقيق ذلك.
المصدر: اشراق