وسام سليم
رفعت حكومة النظام السوري سعر شراء القمح من الفلاحين هذا العام، في مسعى منها لإقناعهم بتسليم محصولهم إليها عوضا عن “الإدارة الذاتية” التابعة لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد).
وحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، قرر مجلس الوزراء رفع سعر شراء محصول القمح المسلم من الفلاحين للموسم الحالي من 550 إلى 900 ليرة للكيلو الواحد (الدولار = نحو 4000 ليرة).
وفي حين لم تعلن “الإدارة الذاتية” التي تغطي مناطق سيطرتها المساحة الأكبر من مناطق إنتاج القمح في سورية (قرابة 63%) عن أسعار هذا العام، إلا أن التنافس على المادة قد يكون شديدا بين جميع الأطراف بما فيها مناطق سيطرة المعارضة للاستحواذ على محاصيل الفلاحين، في ظل تراجع الإنتاج، وانهيار سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، وصعوبة توفير النقد الأجنبي لشراء المادة.
وفي هذا السياق، قال الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، لـ”العربي الجديد” إن الصراع على القمح في سورية هذا العام يبدو “أكثر علانية” و”شراسة” بين الأطراف، ويعود الأمر إلى جملة من العوامل الأساسية خلقتها الظروف الراهنة والأوضاع الاقتصادية.
ووفق الكريم، فإن حكومة النظام “تعاني من دفع مبالغ مالية طائلة عبر مناقصات عالمية لشراء القمح، الأمر الذي يستنزف خزينتها من القطع الأجنبي”، ولذلك فهي تسعى حاليا لمحاولة “إغراء” الفلاحين بتحسين الأسعار المحلية، وكسب ما يمكن للتخفيف من أثر العقوبات الغربية المفروضة عليها.
إلا أن رغبة حكومة النظام ستصطدم بمجموعة من العوائق، وفق ذات المصدر، أهمها “الإدارة الذاتية” التي تسيطر بشكل فعلي على مناطق زراعة القمح، وتطرح في الغالب أسعارا أعلى من تلك التي تطرحها حكومة النظام، وذلك في مسعى منها “لإظهار إدارتها الحسنة للمنطقة”، لافتا إلى أن “الإدارة الذاتية” يمكن أيضا أن تستغل حاجة النظام من القمح ضمن مفاوضات قادمة لتحصيل “مطالب سياسية” في حال اشتدت الأزمة في مناطق النظام.
ويشير الكريم إلى أن السعر الذي حددته حكومة النظام (900 ليرة سورية للكيلو) “لا يمكن اعتباره مناسبا للفلاحين”، موضحا أن ثمن الطن الواحد محليا لن يتجاوز250 دولارا، في حين أن سعر طن القمح عالميا 635 دولارا (الفارق قرابة 66 بالمائة بينهما).
ولفت الباحث الاقتصادي إلى أن استمرار انهيار سعر الصرف لليرة السورية، وارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل التي يتكبدها الفلاح، سيجعل من الصعب إقناعه ببيع محصوله لأحد الأطراف، كما أن تراجع الإنتاج هذا العام سيجعل من احتفاظ الفلاحين بأرزاقهم لبيعها بسعر أعلى مع اشتداد الأزمة أمرا مرجحا.
وتوقع الكريم في ختام حديثه لـ “العربي الجديد” أن تتجه الأمور إلى الأسوأ، لا سيما في مناطق سيطرة النظام مع اشتداد العقوبات الغربية وفرض روسيا ضرائب على صادراتها من القمح نتيجة جائحة “كورونا”، وشح القطع الأجنبي في مصارف النظام لتمويل شراء القمح من الخارج.
وكان نظام الأسد يواجه بعجوزات مستمرة طوال المواسم السابقة، ما دفعه لاستيراد القمح من روسيا. ورغم ذلك، يتكرر بشكل دوري مشهد طوابير السوريين أمام الأفران بمناطق سيطرة الأسد بسبب أزمة نقص الطحين، الأمر الذي دفع النظام إلى رفع أسعار شراء القمح من الفلاحين في محاولة لتجنب هذه الأزمة في الفترات المقبلة.
وتعتبر محافظة الحسكة، شمال شرقي البلاد، المصدر الأهم لزراعة القمح والشعير والقطن والعدس في سورية، وتنتشر فيها المطاحن الرئيسية بشكل واسع. وحسب أرقام حكومية، كانت سورية قبل عام 2011 تنتج نحو أربعة ملايين طن سنوياً من القمح، وتستهلك نحو مليونين ونصف مليون طن فقط، أي أنها تصدر كميات فائضة، فيما توضح أرقام منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، أن إنتاج سورية في عام 2018 انحدر إلى 1.2 مليون طن فقط.
خلال الأعوام السابقة، شهدت سورية عدة أزمات أدت لتراجع الإنتاج الزراعي ومنها العمليات الحربية والجفاف والحرائق وتهريب الإنتاج والنزوح بالإضافة لغلاء المواد الأساسية وارتفاع تكاليف الإنتاج.
وسبق أن حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في 13 فبراير/ شباط الماضي، من أنّ 12.4 مليون شخص في سورية يكافحون للعثور على ما يكفيهم من الطعام، في زيادة كبيرة وصفها بأنها “مقلقة”.
وقال برنامج الأغذية العالمي إن 60 بالمائة من السكان السوريين يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي، بناءً على نتائج تقييم وطني أجري في أواخر عام 2020، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الوجبة الأساسية أصبحت الآن بعيدة عن متناول غالبية العائلات.
المصدر: العربي الجديد