كون هالينان* ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الطائرات من دون طيار ليست رخيصة، أو دقيقة الاستهداف، أو غير دموية كما هو معلن. وقد حان الوقت لسيطرة دولية على هذا السلاح.
في أعقاب الحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ، أصبحت حرب الطائرات من دون طيار توصف بأنها أحدث اختراق في التكنولوجيا العسكرية؛ “رصاصة سحرية” تجعل من المركبات المدرعة شيئاً عفا عليه الزمن، وتهزم الأنظمة المتطورة المضادة للطائرات، وتتغلب على المشاة المتخندقين.
في حين أن هذا الضجيج ينطوي بعض الحقيقة، فإن المرء يحتاج إلى توخي الحذر بشكل خاص إزاء “مغيرات قواعد اللعبة” العسكرية هذه، خاصة وأن هناك دائماً بائعاً في النهاية الأخرى للملعب.
في تقديره لكتابين رئيسيين عن الطائرات من دون طيار -كتاب كريستيان بروز “سلسلة القتل: الدفاع عن أميركا في الحرب المستقبلية عالية التقنية”، وكتاب مايكل بويل “عصر المسيّرات”- يشير المحلل أندرو كوكبيرن إلى أن ضحايا الطائرات من دون طيار هم في الغالب من المدنيين، وليسوا الجنود.
بينما تستطيع الطائرات من دون طيار أن تحيِّد أهدافاً عسكرية بالتأكيد، فإن استخدامها الأكثر شيوعاً هو اغتيال أشخاص لا يوافق عليهم المرء ويريد تصفيتهم. ومن الأمثلة على ذلك الضربة التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بطائرة من دون طيار وقتلت قاسم سليماني، الجنرال الإيراني الكبير، في حين أن إيران دولة لسنا في حالة حرب معها.
في العام الأول فقط من إدارته فقط، قتل ترامب عددًا من الأشخاص -بما في ذلك 250 طفلاً- بالطائرات من دون طيار في اليمن وباكستان أكبر من عدد أولئك الذين قتلهم الرئيس باراك أوباما في ثماني سنوات. ولم يكن أوباما متهاونًا في هذا الأمر، حيث رفع معدل استخدام هجمات الطائرات من دون طيار إلى عشرة أضعاف ما كان عليه في فترة إدارة جورج دبليو بوش.
بالإجمال، ينبغي أن تكون معالجة الطائرات من دون طيار -إيجابياتها وسلبياتها والقضايا الأخلاقية التي تثيرها مثل هذه الأسلحة للحرب- مهمة ضرورية وملحة إذا كان العالم يريد إيقاف جولة أخرى من الإنفاق العسكري الهائل، والتوترات وعدم الاستقرار التي ستنشأ عن سلوك مثل هذا المسار.
ليست هناك حروب غير دموية
أصبحت حقيقة امتلاك الطائرات من دون طيار القدرة على تغيير التوازنات في ساحة المعركة من المسلمات، لكنها قد لا تكون كل ما يتم الإعلان عنه بالضبط. وقد تمكنت المسيّرات الأذربيجانية -معظمها تركية من طراز “بيرقدار تي. بي-2” وإسرائيلية من طرازات “هاربي” و”أوربيتر–كيه” و”هاروب”- بالفعل من إلحاق الضرر بالدبابات والعربات المدرعة والأنظمة المضادة للطائرات الأرمينية التي تم إسكاتها إلى حد كبير. كما أنها ساعدت المدفعية الأذرية على استهداف مواقع الأرمن. لكن الأذربيجانيين انتصروا في الحرب الأخيرة بحسمها على الأرض، مع خسائر فادحة في كلا الجانبين.
ولكن، كما يشير المؤرخ العسكري ومحرر “مجلة الحروب الصغيرة”، المقدم روبرت باتمان (متقاعد)، كانت المسيرات الأذربيجانية فعالة بسبب عدم الكفاءة المذهل للأرمن في استخدامهم للدروع، حيث لم يبذلوا أي جهد لنشر وتفريق دباباتهم أو تمويهها. بدلاً من ذلك، أخرجوها متقاربة في مجموعات إلى العراء، ما جعلها أشبه ببطّات جالسة أمام المسيّرات التركية التي تطلق الصواريخ، والمسيّرات الإسرائيلية “الانتحارية”. وكتب باتمان: “بينما ستتم الإشادة بالطائرات من دون طيار باعتبارها القشة التي قصمت ظهر البعير في هذه الحرب، فإن النجاح الأذربيجاني يُعزى أيضًا إلى عمليات المشاة الآلية الماهرة التي استولت على الأرض، كيلومتراً مربعاً في كل مرة”.
استخدمت تركيا الطائرات من دون طيار على نطاق واسع في سورية والعراق وليبيا، ولعبت هذه الطائرات مرة أخرى دورًا في ساحة المعركة. لكن الطائرات التركية من دون طيار استُخدمت بشكل أساسي لاغتيال القادة الأكراد في العراق وسورية. وقتلت طائرة تركية مسيرة ضابطين عراقيين في نيسان (أبريل) الماضي في منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق.
في تموز (يوليو) 2020، نشرت تركيا طائرات من دون طيار في سورية لصد هجوم شنته حكومة الاسد ضد الثوار في محافظة إدلب، لكنها فشلت في منع قوات الرئيس بشار الأسد من استعادة أجزاء كبيرة من الأراضي. إن المسيّرات، باختصار، ليست دائمًا “مغيرات لقواعد اللعبة”.
تتمثل نقطة البيع للطائرات من دون طيار في أنها دقيقة ورخيصة -أو أنها كذلك نسبيًا- كما لن يكون لديك دفق من أكياس الجثث التي تعود إلى المنزل بسببها. لكن الطائرات من دون طيار لا ترى كل شيء، إلا إذا كانت تحلق على ارتفاعات منخفضة بحيث يسهل بذلك إسقاطها. كما يجب أن يكون الطقس صافياً والمنطقة خالية من الدخان.
وبخلاف ذلك، فإن ما تراه الطائرات من دون طيار هو صور غامضة. في العام 2010، قامت طائرة أميركية من دون طيار بقصف وتدمير ما اعتقد مشغلوها أنها قافلة لشاحنات طالبان تحمل أسلحة. لكن الشاحنات كانت مليئة في الحقيقة بالفلاحين المحليين، وكانت “الأسلحة” التي معهم هي الديوك الرومية. وأحرقت الطائرات المسيرة في تلك الحادثة 23 مدنياً.
كما أن المسيّرات لا ترقى دائمًا إلى مستوى سمعتها عندما يتعلق الأمر بالدقة. في اختبار أجري في العام 2012، قارن سلاح الجو بين صورة لقاعدة التقطتها كاميرات “غورغون ستير” المشهورة والمثبتة على طائرة من دون طيار من طراز “بريديتور”، وبين الصورة الموجودة على “غوغل إيرث”. وكانت الصور متطابقة بشكل أساسي، سوى أن تكلفة “غورغون ستير” تبلغ نصف تريليون دولار بينما “غوغل إيرث” مجاني. ويقول كوكبيرن: “لم يكن يمكن، في أي من الصورتين، تمييز البشر عن الشجيرات”.
قتلت الطائرات من دون طيار قادة المتمردين في سورية والصومال والعراق وأفغانستان -من دون أي تأثير عمليًا على تلك الحروب. وفي الواقع، في حالة أفغانستان، أدى اغتيال قادة طالبان من الطبقة الأولى إلى استبدالهم بعناصر أكثر راديكالية. وكان الاستخدام واسع النطاق للطائرات من دون طيار في الحرب الأميركية على المخدرات فشلاً إلى حد كبير أيضاً. وأصبحت عصابات المخدرات أكبر وأكثر خطورة من أي وقت مضى، ولم يحدث انخفاض في تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة. وتبقي المسيّرات عدد أكياس الجثث منخفضاً حقاً، لكن هذا يثير معضلة أخلاقية غير مريحة: إذا لم تكن تسفر الحروب عن خسائر، إلا بين المستهدفين، أفلا يكون خوضها أكثر إغراء؟
لن يسقط طيارو الطائرات من دون طيار في مقطوراتهم مكيفة الهواء في جنوب نيفادا أبدًا بطائراتهم، لكن الناس في الطرف الآخر المستقبِل سيجدون في النهاية طريقة للرد. وكما يُظهر الهجوم على برجي التجارة العالمية والهجمات الإرهابية الأخيرة في فرنسا، فإن هذا ليس بالأمر الصعب -ومن الحتمي تقريبًا أن تكون الأهداف من المدنيين. إن الحرب غير الدموية ليست سوى وهم خطير فحسب.
سباق التسلح العالمي الخاص بالمسيّرات
تشكل الطائرات من دون طيار بالتأكيد مشاكل لأي جيش. فهي من حيث المبدأ صعبة الاكتشاف. ويتكون معظمها من مواد غير معدنية، مثل الكيفلار، ولها توقيعات حرارة منخفضة لأن محركاتها الصغيرة تعمل بالبطاريات. ولا يلتقطها الرادار ولا أجهزة الكشف بالأشعة تحت الحمراء. وقد انسلت طائرات الحوثيين من دون طيار المتمركزة في اليمن والتي ضربت منشآت نفطية سعودية في بقيق وخريص في العام 2019 من خلال أنظمة الرادار لثلاث شبكات مضادة للطائرات: نظام باتريوت الأميركي؛ ونظام صواريخ شاشين أرض-جو الذي قدمته فرنسا؛ ومدافع “أويرليكون” 35 ملم السويسرية الموجهة بالرادار. وكانت هذه المسيّرات قد أنتِجت باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد قدمتها إيران للحوثيين.
كما أوقعت الطائرات من دون طيار الاضطراب والفوضى بنظام الدفاع الجوي الأرميني روسي الصنع “إس-300” الأكثر قدرة، إضافة إلى العديد من الأنظمة الأخرى قصيرة ومتوسطة المدى. وعلى ما يبدو، لم يتم اكتشاف الطائرات من دون طيار إلا بعد أن نفذت ضربتها، الأمر الذي أدى بشكل أساسي إلى إعاقة نظام أرمينيا المضاد للطائرات.
يزعم الروس أنهم تصدوا لهجمات الطائرات من دون طيار على قاعدتيهم في سورية، قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية في طرطوس، باستخدام نظام الدفاع الجوي من طراز “بانتسير”. لكن تلك الطائرات كانت بدائية إلى حد ما؛ حتى أن بعضها كان مصنوعاً من رقائق الخشب. لكن أنظمة “بانتسير” دُمرت في ناغورنو كاراباخ، ويبدو أن الطائرات التركية من دون طيار دمرت أنظمة “بانتسير” في ليبيا أيضاً.
تكمن المشكلة في أنه حتى لو تم اكتشافها، فإن إطلاق عدد كبير من الطائرات من دون طيار معاً في أسراب -ما يسمى بـ”هجوم الحشود” بشكل مشابه للهجوم الذي ضرب السعوديين– سوف يؤدي في النهاية إلى استنفاد مخزونك من الذخيرة، ما يجعلك عرضة للخطر أثناء إعادة التذخير.
الآن، تعمل الولايات المتحدة على إيجاد طريقة لمواجهة الطائرات من دون طيار بأسلحة طاقة موجهة، بما في ذلك “نظام أسلحة الليزر عالية الطاقة 2″، ونظام بتقنية الميكروويف. وتقوم شركة “بيثيون” ببناء نماذج أولية لكليهما بتكلفة 30 مليون دولار. وكان وزير دفاع الرئيس بايدن، الجنرال لويد أوستن (متقاعد)، قد عمل سابقًا في مجلس إدارة هذه الشركة.
إذا كانت الطائرات من دون طيار تعتمد على أنظمة تحديد الموقع الجغرافي للتنقل، فيمكن التشويش عليها أو قرصنة نظام تشغيلها واختطافها، كما فعل الإيرانيون بنجاح مع طائرة استطلاع أميركية من دون طيار في العام 2010. وتعتمد بعض الطائرات من دون طيار على الخرائط الداخلية، مثل تلك المستخدمة في صاروخ كروز “توماهوك” الأميركي. ويبدو أن الطائرات من دون طيار وصواريخ كروز التي ضربت المملكة العربية السعودية كانت تعمل بنظام توجيه مشابه لنظام توماهوك. وهذا بالطبع يجعل طائرتك من دون طيار أو صاروخ كروز الخاص بك مستقلة، وهو شيء يثير معضلاته الأخلاقية الخاصة أيضاً. وتعمل الولايات المتحدة حاليًا على أسلحة تستخدم الذكاء الاصطناعي وتكون قادرة بشكل أساسي على “اتخاذ قرار” بنفسها بشأن ما ستهاجمه. ربما ليست “ترميناتور” بالضبط، لكنها ذاهبة في هذا الاتجاه.
نحن بحاجة إلى اتفاقية دولية
تظل الطائرات من دون طيار مفيدة للغاية في أداء مجموعة من المهام، من مراقبة حرائق الغابات إلى العثور على المتجولين المفقودون. وهي رخيصة التشغيل وأسعارها التجارية آخذة في الانخفاض. ومع ذلك، فإن تحويلها إلى أسلحة لا يزعزع الاستقرار فحسب، وإنما يعرض المدنيين للخطر، ويثير قضايا أخلاقية خطيرة حول من يتحمل تكلفة الحرب، وسوف تكون مكلفة للغاية على المدى الطويل. وقد تكون الطائرات من دون طيار رخيصة، لكن الأنظمة المضادة للطائرات ليست كذلك.
الآن، تشتبك الهند وباكستان في سباق في مجال الطائرات من دون طيار. وتناقش ألمانيا ما إذا كان ينبغي عليها تسليح طائراتها من دون طيار. وتشن كارتيلات المخدرات المكسيكية حربًا ضد بعضها بعضا باستخدام الطائرات من دون طيار.
لذلك كله، يجب وضع اتفاقية دولية بشأن استخدام الطائرات من دون طيار على أي جدول أعمال مستقبلي للحد من التسلح.
*Conn M. Hallinan: كاتب عمود في “فورين بوليسي إن فوكس”، وهي “مؤسسة فكرية بلا جدران”، وصحفي مستقل. وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة كاليفورنيا، بيركلي. أشرف على برنامج الصحافة في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز لمدة 23 عامًا، وفاز بجائزة التدريس المتميز من اتحاد خريجي جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، إضافة إلى جائزة الابتكارات في التدريس من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وجائزة التميز في التدريس. كان أيضًا عميدًا في جامعة كاليفورنيا، وتقاعد في العام 2004. وهو حائز على “جائزة الأخبار الحقيقية”، ويعيش في بيركلي، كاليفورنيا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Day Of The Drone: We Need An International Convention On Drones
المصدر: الغد الأردنية/(فورين بوليسي إن فوكَس)