أمين العاصي
بدأت الولايات المتحدة الأميركية تحركات دبلوماسية من أجل تمديد العمل بآليات دولية لإدخال مساعدات إلى الشمال الغربي من سورية، حيث تضم محافظة إدلب ومحيطها نحو 4 ملايين مهددين بكارثة في حال انقطاع هذه المساعدات، في حال اعتراض الجانب الروسي على استمرار دخول المساعدات عبر معبر حدودي مع تركيا.
وبحثت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، في أنقرة الأربعاء الماضي، مع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إزالة العوائق التي تحول دون إيصال المساعدات الإنسانية الأممية عبر تركيا، قبل أن تتوجه إلى الحدود السورية لإجراء زيارات ولقاءات مع ناشطين في الحقل الإنساني والإغاثي. وتأتي هذه الزيارة قبل أيام من نقاش سيجريه مجلس الأمن لتمديد السماح بدخول المساعدات الأممية إلى سورية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، والذي ينتهي سريان صلاحية إدخال المساعدات عبره قريباً.
وتقلص عدد المعابر الإنسانية التي كانت تنقل الأمم المتحدة عبرها مساعداتها إلى سورية منذ العام 2014 من أربعة منافذ إلى ثلاثة، هي باب السلامة، وباب الهوى مع تركيا، ومعبر اليعربية مع العراق، ثم إلى معبر واحد العام الماضي (باب الهوى) الواقع ضمن محافظة إدلب شمال غربي البلاد، حيث تهدد روسيا والصين باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار المقبل الذي سيطرح في مجلس الأمن لتمديد دخول المساعدات.
واعتبر فريق “منسقو استجابة سورية” معبر باب الهوى “الشريان الوحيد للشمال السوري”، مشيراً، في بيان أمس الخميس، إلى أنه “في حال عدم تجديد آلية التفويض بدخول المساعدات الإنسانية، ستشهد المنطقة انهياراً كاملاً في النواحي الإنسانية والاقتصادية”. وأوضح أن عدم التجديد يعني “حرمان أكثر من 1.8 مليون نسمة من المساعدات الغذائية، وأكثر من 2.3 مليون نسمة من الحصول على المياه النظيفة والصالحة للشرب، وانقطاع دعم مادة الخبز في مئات المخيمات، وحرمان أكثر من مليون نسمة من الحصول على الخبز بشكل يومي”. وبيّن الفريق أن عدم التجديد سوف “يقلص عدد المستشفيات والنقاط الطبية الفعالة في الوقت الحالي إلى أقل من النصف في المرحلة الأولى، وأكثر من 80 في المائة ستغلق في المرحلة الثانية”، و”انخفاض دعم المخيمات إلى أقل من 25 في المائة، وعجز المنظمات الإنسانية عن تقديم الدعم لإصلاح الأضرار ضمن المخيمات”، و”ازدياد أعداد الإصابات بفيروس كورونا إلى مستويات قياسية، بسبب حرمان المراكز الطبية من تقديم خدماتها الطبية، إضافة إلى توقف دعم مشاريع النظافة، وتحديداً ضمن المخيمات”.
ومن النواحي الاقتصادية، بحسب الفريق، فإن عدم التجديد يؤدي إلى “ارتفاع معدلات البطالة خلال المرحلة الأولى بنسبة 40 في المائة، والمرحلة الثانية بنسبة 20 في المائة”، و”ارتفاع أسعار المواد والسلع الأساسية بنسب متفاوتة، أبرزها المواد الغذائية بنسبة 300 في المائة، والمواد غير الغذائية بنسبة 200 في المائة. أما مادة الخبز فستسجل ارتفاعاً بنسبة 400 في المائة”. وأوضح، في بيان، أن لعدم التجديد آثاراً أخرى، منها “انخفاض ملحوظ بالموارد المتاحة ضمن الشمال السوري وعدم قدرة الموارد الحالية على تلبية احتياجات المنطقة، حيث لن تستطيع الحركة التجارية تأمين النقص الحاصل، خاصةً مع عدم قدرة عشرات الآلاف من المدنيين على تأمين احتياجاتهم اليومية”.
وفي حديث مع “العربي الجديد” بيّن مدير فريق “منسقو الاستجابة” محمد حلاج أن المساعدات الدولية عبر آلية التفويض “تشكل 60 في المائة من مقومات الحياة للمدنيين في شمال غربي سورية”. وأوضح أنه في حال عدم تجديد الآلية بسبب فيتو روسي ستكون هناك كارثة إنسانية. ولفت إلى أن هناك خيارات في حال لم ينجح مجلس الأمن بتجديد آلية إدخال المساعدات، منها “عودة المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة إلى ما قبل القرار 2165 في العام 2014 من خلال العمل بشكل خارج نطاق آلية التفويض، وتحويل التمويل الخاص بوكالات الأمم المتحدة، إلى منظمات دولية غير حكومية، تقوم بتوزيع الدعم المقدم إلى الجهات المحلية”. ومن الخيارات الأخرى، بحسب الحلاج، “إنشاء صندوق للتمويل الإنساني خاص بسورية، بدلاً من صندوق التمويل الإنساني الخاص بالأمم المتحدة، وإنشاء كتل تنسيق رئيسية موزعة على مناطق سورية الخارجة عن سيطرة النظام”.
وتعتبر روسيا هذه الآلية انتهاكاً لسيادة النظام على البلاد، مطالبة بإدخال المساعدات عبر معابر يسيطر عليها هذا النظام، بينما ترفض باقي دول مجلس الأمن التوجه الروسي، لإدراكها أنه سيمنع أي مساعدة دولية من الوصول إلى مناطق خارج سيطرته. كما يهدف الجانب الروسي من حصر إدخال المساعدات عبر معابر يسيطر عليها إلى محاصرة الشمال الغربي من سورية، في خطوة للسيطرة على المنطقة. ويسيطر النظام على معابر حدودية عدة، هي جديدة يابوس مع لبنان، ونصيب مع الأردن، والبوكمال مع الجانب العراقي. وتسيطر المعارضة على معابر باب السلامة وباب الهوى وتل أبيض مع الجانب التركي، بينما تسيطر “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي يمثل الأكراد عمودها الفقري، على معبر اليعربية مع العراق. ولكن كل هذه الأطراف استحدثت العديد من المعابر غير النظامية لأهداف عسكرية واقتصادية.
وفي يوليو/تموز الماضي، استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لتقليص عدد نقاط إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، التي لا تتطلب موافقة دمشق، من 4 إلى معبر واحد، هو باب الهوى مع تركيا. ويأتي التوجه الروسي في سياق محاولات إعادة تعويم النظام وترميم شرعيته، من خلال حصر التعامل الدولي معه بما يخص المساعدات الإنسانية. وكانت الدول المانحة جمعت، خلال اجتماعات النسخة الخامسة من “مؤتمر بروكسل من أجل سورية” التي عقدت أواخر مارس/آذار الماضي، نحو 6.6 مليارات دولار أميركي لعامي 2021 و2022، لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين في قطاعات مختلفة، في مقدمتها الصحة والتعليم والإغاثة الإنسانية. وسيكون جزء كبير من هذه المخصصات، ضمن المساعدات الإنسانية الأممية عبر الحدود، والمهددة بتعطيل آلية التجديد لها من خلال روسيا في مجلس الأمن. وتعهدت قطر بتقديم مساعدات بقيمة 100 مليون دولار للمساعدة في تخفيف وطأة الكارثة الإنسانية في سورية. كما أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن بلاده ستقدم مساعدات إنسانية جديدة بأكثر من 596 مليون دولار. واعتبر بلينكن، وقتها، أن المساعدات تهدف إلى تقديم العون للكثير من السوريين في الداخل، والذين يقدر عددهم بنحو 13.4 مليون نسمة، وكذلك مساعدة 5.6 ملايين لاجئ سوري في تركيا، ولبنان، والأردن، والعراق ومصر. أما ألمانيا، فتعهدت بتقديم أكثر من 1.7 مليار يورو. وكانت الأمم المتحدة دعت إلى تقديم تبرعات لا تقل عن 10 مليارات دولار لهذا الغرض.
ومن المتوقع أن يحاول الجانب الروسي فرض شروط معينة على أميركا وتركيا من أجل تمرير قرار تمديد السماح بدخول المساعدات الأممية إلى سورية عبر معبر باب الهوى. ومن المرجح أن تطالب موسكو بزيادة حصة النظام السوري من بترول منطقة شرقي نهر الفرات، التي تقع تحت سيطرة “قسد” وتضم أكبر حقول وآبار النفط والغاز. كما تضغط موسكو على أنقرة لفتح معابر داخلية بين مناطق النظام والمعارضة في الشمال لتنشيط اقتصاد النظام المتهالك. وتطالب بفتح ثلاثة معابر في شمال سورية، اثنان في محافظة إدلب وواحد في ريف حلب الشمالي. وحاولت في مارس الماضي فتحها، إلا أنها لم تجد تجاوباً من الجانب التركي المتحكم بالمنطقة بشكل كامل. وكان عقد في الدوحة في مارس اجتماع ضم وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ونظيريه الروسي سيرغي لافروف، والتركي مولود جاووش أوغلو، لبحث ملفات في القضية السورية منها الملف الإنساني. وكانت مصادر مطلعة ذكرت أن الجانب الروسي طرح في الاجتماع مسألة حصر المساعدات الدولية بالنظام السوري، وهو ما رفضه الجانبان التركي والقطري.
المصدر: العربي الجديد