أمين العاصي
تشير المعطيات الميدانية في الشمال الغربي من سورية إلى أن محافظة إدلب قد تشهد تصعيداً عسكرياً من قبل قوات النظام السوري والجانب الروسي خلال الأيام المقبلة، قبيل بدء مجلس الأمن الدولي مداولاته من أجل تجديد آلية التفويض بدخول المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى الواقع تحت سيطرة المعارضة، وهو ما ترفضه روسيا. وكان لافتاً قيام مدفعية الجيش التركي المتمركزة في محافظة إدلب بالرد فجر أمس الإثنين على مصدر قذائف سقطت على قرى في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، من معسكر جورين التابع لقوات النظام، والذي يُوصف بـ”نبع الموت” لكونه المصدر الرئيسي لأغلب القذائف الصاروخية التي تقتل مدنيين في ريف إدلب الغربي.
وشهد الشمال الغربي من سورية أمس الاثنين تصعيداً محدوداً من قبل قوات النظام التي قصفت بالمدفعية بلدتي معراتا وبليون في جبل الزاوية الواقع في ريف إدلب الجنوبي، وهو ما أدى إلى مقتل مدني وإصابة آخرين. وبيّن ناشطون محليون أن قوات النظام صعّدت من قصفها الصاروخي والمدفعي خلال اليومين الأخيرين على قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي، مشيرين إلى أن الشمال الغربي من سورية يشهد حركة كثيفة لطائرات الاستطلاع الروسية والإيرانية بهدف رصد أهداف. كما بيّنت مصادر في فصائل المعارضة أن القوات الروسية والتابعة للنظام استهدفت الأحد منطقة جبل الزاوية، خصوصاً القرى القريبة من خط الاشتباك مع فصائل المعارضة.
وحول دلالات القصف التركي لأكبر معسكرات قوات النظام في المنطقة، أشار ناجي مصطفى، المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، وهي أكبر تجمّع لفصائل المعارضة في إدلب، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن هذا القصف “يأتي في سياق الرد على الخروقات اليومية لقوات النظام التي وسّعت أخيراً من خرق اتفاق وقف التصعيد”، مضيفاً: “قوات المعارضة ستقوم بالرد على الخروقات واستهداف المواقع العسكرية التي تخرج منها القذائف الصاروخية”.
وفي السياق، يبدو أن الجانب التركي يتحسب لتصعيد عسكري من قِبل قوات النظام قبيل استحقاقين مهمين هما الجولة المقبلة من اجتماعات مسار أستانة، وتصويت مجلس الأمن الدولي على التمديد لآلية إدخال المساعدات الدولية إلى الشمال الغربي من سورية. وفي هذا الصدد، ذكرت مصادر في فصائل المعارضة السورية أن الجيش التركي سحب خلال الأيام الماضية جميع الآليات العسكرية والجنود من داخل نقطته العسكرية المتمركزة في بلدة رام حمدان إلى نقطتين في بلدتي البارة وكنصفرة ضمن منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، وذلك لتدعيم نقاط القوات التركية الموجودة في المنطقة، والقريبة من خطوط التماس مع قوات النظام. ولطالما حاولت هذه القوات السيطرة على كامل ريف إدلب الواقع جنوب الطريق الدولي الذي يربط الساحل السوري غربي البلاد بمدينة حلب كبرى مدن الشمال ولكنها فشلت. ومنذ الربع الأول من العام الماضي، نشر الجيش التركي آلاف الجنود في عشرات النقاط العسكرية في عموم محافظة إدلب، في خطوة هدفها ردع قوات النظام عن التقدّم أكثر في عمق هذه المحافظة.
وجرت عادة النظام والجانب الروسي على تصعيد الوضع العسكري في الشمال الغربي قبيل كل جولة من محادثات مسار أستانة في العاصمة الكازاخية. وكانت وزارة الخارجية الكازاخية قد أعلنت أواخر الشهر الماضي أن الجولة المقبلة سوف تنعقد في العاصمة نور سلطان خلال وقت لاحق من الصيف المقبل، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف انتشار فيروس كورونا، وفق بيان لها. وكانت الجولة 15 من هذا المسار عُقدت في فبراير/شباط الماضي في مدينة سوتشي الروسية على البحر الأسود، مدد خلالها الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار (روسيا، تركيا، إيران) اتفاق وقف إطلاق النار في الشمال الغربي من سورية. لكن هذه الجولة كانت مخيّبة للآمال كونها لم تتطرق لمصير أكثر من مليون نازح نتيجة تقدّم قوات النظام بدعم روسي في بدايات عام 2020 في أرياف حلب وإدلب.
ولا يمكن عزل التصعيد في محافظة إدلب من قِبل النظام والجانب الروسي عن مجمل التطورات السياسية الخاصة بالملف السوري، ولا سيما مداولات مجلس الأمن المرتقبة من أجل تمديد العمل بآليات دولية لإدخال مساعدات إلى الشمال الغربي من سورية والتي تنتهي منتصف العام الحالي. وتعتبر روسيا هذه الآلية انتهاكاً لسيادة النظام على البلاد، مطالبة بإدخال المساعدات عبر معابر يسيطر عليها هذا النظام، بينما ترفض باقي دول مجلس الأمن التوجه الروسي. ووصفت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، ما سيجري في مجلس الأمن الدولي بـ”معركة المعابر”، في إشارة واضحة إلى أن المجلس سيشهد فيتو روسياً على قرار التمديد. ونقلت الصحيفة عن مندوب النظام لدى الأمم المتحدة بسام صباغ، رفض نظامه التمديد لآلية إدخال المساعدات إلى الشمال الغربي من سورية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، مطالباً بـ”أن تكون دمشق هي مركز العمل الإنساني”.
وتتحرك الولايات المتحدة دبلوماسياً من أجل التمديد لهذه الآلية، وزارت منذ أيام المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، الحدود التركية السورية، والتقت مع فعاليات إنسانية وإغاثية، وهو ما أثار النظام والروس معاً، وأدى إلى بدء تصعيد عسكري. وربما يبحث الجانب الروسي عن صفقة مع الجانب الأميركي مقابل تمرير قرار التمديد في مجلس الأمن، تتضمّن فتح المعابر الداخلية وزيادة كمية المحروقات التي يحصل عليها النظام من منطقة شرقي الفرات الواقعة تحت نفوذ واشنطن.
من جهته، رأى القيادي في فصائل المعارضة السورية في شمال غربي البلاد، العقيد مصطفى البكور، أن الهدف من وراء التصعيد العسكري توجيه رسائل روسية للولايات المتحدة بأن لموسكو اليد الطولى في سورية قبيل القمة المرتقبة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن والمقررة خلال الشهر الحالي. وأضاف البكور، في حديث مع “العربي الجديد”: “يريد الروس إيصال رسالة للأميركيين أن أي دور يمكن أن يلعبوه يجب أن يمر من خلالهم”. ولم يستبعد البكور أن يكون التصعيد مرتبطاً إلى حد بعيد بالحراك الدبلوماسي المتوقع في مجلس الأمن خلال هذا الشهر والشهر المقبل حول تمديد العمل بآلية إدخال المساعدات إلى الشمال الغربي من سورية، مضيفاً: “القصف المدفعي تصاعد بعد زيارة المندوبة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد الحدود التركية السورية، واطّلاعها على أوضاع المخيمات”.
المصدر: العربي الجديد