فايز هاشم حلاق
لَحْنٌ مِنَ العَلْياءِ مَرْسولُ،
الصَّوتُ سِحْرٌ والغِنىٰ تَرتيلُ
تَخالُهُ مِزْمارَ داوُوْدٍ،
وَقَدْ تَولَّىٰ العَزْفَ جِبْريلُ
بين الحِسانِ من ملائكةٍ
تُداعِبُ الأنْسامَ وهي تميلُ
أَو جَوْقَةً تَرَنَّمَتْ بِأَنْغامٍ
لَكِنَّما حُضورُهم مَجْهولُ
وزائرٍ يَرْنو لإِنْشادٍ؛
حيثُ الصَّدَىٰ علىٰ المَدىٰ تَهْليلُ
فَالسَّمْعُ بالإِصْغاءِ مَأخوذٌ
والقَلْبُ فَوقَ الرِّيشِ مَحمولُ
إِليكَ رَبِّي تَوْبَتي، أنا لا
أَقولُ: بَعْدَ الذِّكرِ تَنزيلُ
فالعقلُ بالحقيقَةِ تائِهٌ
قَدْ يَخْدَعُ العينينَ مَدْلولُ
فلا تَرىٰ إلَّا رياضٌ طُرِبَتْ
والطَّيرُ بالتّسبيحِ مَشْغولُ
من رتَّبَ الأَكوانَ في ما نرىٰ
هل صُدْفَةٌ فالحُسنُ مَفْعولُ
أَوْ أَنَّ سِرًّا فوقَ إدراكٍ
في كلِّ خلقٍ للعُقولِ يَجولُ
إِعجازُ ربٍّ خالقٍ؛ تَزولُ
الدُّنيا بنورِها ولا يَزولُ
* * *
أَيْكٌ وماءٌ، والنَّسيمُ عَليلُ
والطَّيْرُ شَتَّا، والعُيوبُ قَليلُ
وَجَدْوَلٌ من شاهِقٍ يَهْوي
وآخَرٌ كَأَنَّهُ مَسلولُ
وبلبلٍ غَنىٰ لِعُشاقٍ،
كَأَنَّهُ عَنْ ذاكَ مَسْؤولُ
سِرْبُ الفَراشِ هَبَّ مُحْتَفِلاً
ولاحَ بالأغْصانِ تَقْبيلُ
خَريرُ ماءٍ، وابتِهالُ طَيرٍ،
والحَوْرُ إنْ هَبَّ العَليلُ يَميلُ
وادٍ بِهِ الأَنْسامُ مُنْعِشَةً؛
مِنْها الصَّبا، عِنْدَ الغُروبِ تَجولُ
لا البازُ يَدْنو الفَرْخَ مُقْتَنِصاً
أَوْ ذو جَناحٍ خائفٌ وعَليلُ
والنَّهْرُ مِعْناقٌ بلا حَرَجٍ
لَيتَ العِناقَ بالغرامِ يَطولُ
مَنْ عَلَّمَ الصَّفْصافَ طَعْمَ الهوىٰ؟
فَيَسْتَحي، وثَوْبُهُ مَبْلولُ
فاضَ الحَنانُ فانْحَنىٰ وَلَهاً
قَدْ ظَنَّ بالمرآةِ مَفْعولُ
لَكِنَّها فَوقَ الحَصىٰ كُسِرَتْ
إِنَّ الحَصىٰ تَحْتَ الزُّلالِ عَزولُ
والحَورُ حاسِدٌ، بَكىٰ حَظَّهُ
فلا حَبيبٌ منهُ مَخْجولُ
صَلباً يَنامُ واقِفاً أَبَداً،
لا يَنْحني مَهْما الزَّمانُ يَطولُ
كَشمعةٍ قدْ أَسْعَدَتْ غيرَها
بِنورها والجِسمُ مَهزولُ
العاشِقون ضُيوفها أَبداً
والعُمْرُ قَدْ آذَنَهُ الرَّحيلُ
حَتَّىٰ العَصافيرُ الَّتي آواها
هَبَّتْ تُغَني وهوَ مَذهُولُ
تَعودُ في دُلٍّ إلىٰ الثَّنايا
مِنْ ثَوْبِهِ، والحَوْرُ مَشْغولُ
والضَّوءُ آتٍ وهوَ في خَجَلٍ
فالشَّمْسُ تَحنو للذّرىٰ وتَميلُ
إنْ قمَّةٌ عَلَتْ خبا نورٌ
ونابَ عنه في المكانِ أصيلُ
الكُلُّ مَدْعُوٌ إلىٰ فَرَحٍ
وصاحِبُ التَّرحيبِ مَجْهولُ
هَلْ جَنَّةُ الرُّضْوانِ باتَتْ هُنا؟
أَمْ أَنَّ بالفِردَوسِ تَبديلُ؟
* * *
للهِ رَبْوَةٌ حَوىٰ عُرْسُها
سَبْعاً سَواقي، ما لَهُنَّ مَثيلُ
يَجري العَقيقُ ضاحِكاً فيها،
أَوْ فِضَّةٌ علىٰ الرِّياضِ تَجولُ
قَدْ هاجَ نَهْرٌ اسْمُهُ بَرَدىٰ
نادىٰ بِمَجْدِ الدارِ وهْوَ يَسيلُ
مِنْ مائِهِ لِلدَّاءِ تِرياقٌ
فَهْوَ الّذي يَزورُهُ مَعُلولُ
يا جَنَّةً بالشَّامِ قَدْ خُلِقَتْ
فَأَيُّ شُكْرٍ لِلإِلهِ قَليلُ
لَعَلَّها بالآي قَدْ ذُكِرَتْ:
مدينَةٌ (ذاتُ العمادِ) يقولُ
لا فَخْرَ في ما أَنْتَ قائِلُهُ
الفَخْرُ في ما أَعْرَبَ التَّنْزيلُ
فَيْحانُنا للفِردَوْسِ نَدٌّ
والغوطةُ الغَنَّاءُ إِكْليلُ
في كُلِّ شِبْرٍ آهَةُ عاشِقٍ
قَيْسٌ بها وعَنْتَرٌ وجميلُ
يا صاحِ لِلعشاقِ أَعْذارٌ
والمَوتُ حُبًّا بالجمالِ جميلُ
أنا ابْنُها فَدَيْتُها نَفْسي
دَمي علىٰ أَشْجارِها مَبْذولُ
سَبَّحْتُ ربِّي عِنْدَ رُؤْيَتِها
فالقَلْبُ يَهوىٰ واللسانُ كَليلُ
أَكْرِمْ بها بِلَمِّ شَمْلِ الضَّادِ
مِنْ فَخْرٍ في القَلْبِ مَحْمولُ
* * *
لا خَيرَ في لِسانِ عَدْنانٍ،
إِنْ لَمْ يَكُنْ في عِزِّهمْ مَبْذولُ
(فالعودُ مَكْسورٌ بِمفْرَدِهِ)
لِذا تَآخَىٰ الشامُ والنيلُ
حيِّي رَبيعَ الشَّامِ مِعْطاراً
والصَّيْفُ تاجُ الكَدِّ مَحْصولُ
فَالحَبُّ أَعْطىٰ الحُبَّ تِرياقاً
شُغْلٌ بدونِ الحُبِّ تَضْليلُ
زَرْعٌ وتعليمٌ وتَحريكُ دو
لابٍ، وعِنْدَ النَّقْصِ تَكميلُ
والمُسْتَحيلُ صارَ مَهْزوماً
مَاتَتْ بها العَنقاءُ والغُولُ
* * *
باتَ الهَنا في حَوضِها أَبداً
حتَّىٰ أتىٰ لِذلِّها أَيْلولُ
يا وَيْحَ خَوانٍ لأُمَّتِهِ
نَذْلٌ علىٰ الأَزْمانِ مَذْلولُ
كَمْ ساقِطٍ في طَبْعِهِ خِسٌّ
والمُرْتَشي أَخَسُّ وهْوَ عَميلُ
صارَ الأسا لَحْناً لِموَّالٍ
في كُلِّ أَيْكٍ أَنَّةٌ وَعَويلُ
لا نَسْرَ بالعَلياءِ جَبّارٌ
أَوْ لاحَ في أُفْقِ الغُبارِ صَهيلُ
والماءُ غِيضَ وانْتَهىٰ مَنْهَلٌ
وَالنَّهْرُ بَعْدَ هَدْرِهِ مَشْلولُ
هل جَدْوَلٌ هوَ صاخِبٌ فَرِحاً
أم هل علىٰ وَعْدِ السَّماءِ دَليلُ
والقَهْرُ بالصَّفْصافِ أَهْلَكَهُ
في ضِفَّةِ النَّهرِ الحَزينِ ذُبولُ
أين الّذي بالدوحِ يَشدو غَرِداً
أَوْ فَرعُ حَوْرٍ بالنَّسيمِ يَميلُ
والعُشْبُ أَحْوىٰ تَزروهُ ريحٌ
كُلُّ الجَنَىٰ (كالعَصْفِ مَأكولُ)
وَالحُزنُ في مَدارِجِ الرَّيحانِ
طَغىٰ بها الغِربانُ والغُولُ
* * *
يا دارُ لا اغْرَوْرَقَتْ بالدَّمعِ
عيْناكِ، ما لِلْخَدِّ مَبْلولُ؟
قالَتْ: عُقوقُ الابْنِ ذَباحٌ
بِمِثْلِهِ يَنْتَصِرُ انْفِصالُ
مَنْ يَجْمَعُ الخِلَّانَ يَسْمو، ولا
يُفَرِّقُ الأحْبابَ إلَّا عَميلُ
سَيَأكُلُ لَحْمَ العُرْبِ كَلْبٌ
وَتَهْرُسُ الأَشْرافَ منْكُمْ نِعالُ
فَراشَةٌ تُديرُ ناعورَةً
ورَقْصَةُ (البالِيهْ) لها بَغالُ!
لو أنَّ الوِحْدَةَ باقِيَةٌ
ما كان نَغْلٌ بالفراتِ يَبُولُ
جُرْحُ الذِّراعِ بالعِقارِ يُشْفىٰ
ولا بغيرِ البَتْرِ يُرْوىٰ غليلُ
* * *
جاءَ الرِّفاقُ للطَّبيبِ يَدٌ
يَحنو بِها أَوْ مِنْهُ تَعليلُ
قَدْ شَيَّدوا قَصْرَ النُّجومِ يَعْلو
بَيْنَ الغُيومِ الهائِماتِ يَجولُ
وَكَهْفُ شيحا شاهِدٌ يَرْنو
لكِنَّهُ رَسْمٌ وأَطلالُ
حَسْناءُ نامَتْ غيرُ راضيّةٍ
أَحْلامُها ذُعْرٌ لها وطُبولُ
نَهدانِ مِنْ بَذَخٍ علىٰ ذُراها
حُسْنٌ وفنٌّ، والشَّبيهُ قَليلُ
فالحُلمَةُ الشَّماءُ قَصْرٌ، بِهِ
بَينَ النُّجومِ الصُّفْرِ مَسْؤُولُ
وَصَخْرةُ الذِّكْرىٰ أَرْجوحَةٌ
ما بينَ أنْهارِ الحليبِ تَجولُ
ما حَرَّكَ الأَعْطافَ مِعمارٌ
ولا سَحابٌ مَرَّ ليسَ يَسيلُ
غُيومُها كأَنَّها غَضَبٌ
علىٰ حُماةِ الشَّؤْمِ مَرْزولُ
ماتَتْ بها أنوارُ تَوْحيدٍ
ولا يُنيرُ اللَّيْلَ قِنْديلُ
إنْ أزْهَرَتْ ساحاتُها بَطَلاً
علىٰ يَدِ الفُجَّارِ مَقْتولُ
لا يُبْرِئُ الحاديْ الكبيرَ عُذْرٌ
لِأَنَّهُ علىٰ الأنا مَجْبولُ
* * *
حارَ الرِّفاقُ في جَفافِ قَطْرٍ
والدارُ ناحَتْ والغُصْنُ مَشْلولُ
فاسْتَمْطَروا غَيْثاً حَروناً أبىٰ
هَطّلاً، وفيهِ المُزْنُ مَدْلولُ
نادَتْ سَماءُ الشَّامِ، عادَ الصَّدىٰ
قولاً مِنْ العَلياءِ مَنْقولُ:
إذا أرَدْتُمْ أَنْ تَرْوا بَردَىٰ
وماءُهُ فَيْضٌ سَلْسَبيلُ
هاتُوا لِأَهْلِ الضَّادِ وَحْدَتَهُمْ
أَو طَبِّبوا، والدَّاءُ أيْلولُ
* * *