عبد الرحيم خليفة
شاءت الصدف والأقدار أن أكون في يوم وفاة المقبور حافظ الأسد، 10_ 06_ 2000، في زيارة الى سورية/ حلب، وهي المرة الاولى التي أزورها مع زوجتي وابنتي البكر، هبة، الوحيدة حينها.
كنت نائما حين أيقظني أحد أشقائي، عبر اتصال هاتفي، ليبلغني بوفاة الطاغية الأكبر، وبالطبع كان الاتصال مجرد إبلاغ فقط، حيث لا يسمح وضع مراقبة الهواتف والتنصت على المكالمات بالدخول في أي نقاش سياسي، أو التعبير عن المشاعر الحقيقية لأي كان…
لم أعلق سوى بالقول لا علم لي فأنا في قيلولة بعد الغذاء، سأنهض من سريري لأرى ما (الخطب).!!!
المساجد تتلو القرآن، وأصواتها تملأ أرجاء المدينة التي روعها، قبل ذلك، سنوات طوال، ولا تخلو أسرة من شهيد أو قتيل، أو من عذابات معتقل لديها، أو مهجر هارب من الملاحقة، أو الخوف من الاستدعاء على قناعات مغايرة قد تودي الى الجحيم…
غادرت البيت، وكانت الساعة حوالي السادسة مساءً…
تجولت في المدينة في سيارتي، ذات اللوحات الأجنبية، وأنا أستمع لصوت كاظم الساهر وبشكل مرتفع ونوافذ السيارة مفتوحة، وحتى الفتحة السقفية، محاولا قراءة مشاعر الناس في تحركاتها ووجوهها، التي بدت لي مضطربة وقلقة من القادم وما تخبىء الأيام، وراصدا الوضع الأمني الذي لم يوحي لي بأي استثناء، أو استنفار، لافت للنظر…
كان البعض من المارة، خصوصا عند التوقف بسبب الإشارات والازدحام ينظر لي مستغربا جنوني أو حماقتي أو غبائي.!!
في شارع القوتلي، وسط المدينة، قبل فندق السياحي، بعشرات الأمتار كان أحد المنافقين، الكثر، يقدم القهوة المرة، للمارة والعابرين، فاقترب مني مقدما ضيافته، في فنجان عربي، من نافذة السيارة، طالبا مني قراءة الفاتحة، فاعتذرت معللا ذلك بارتفاع ضغط الدم لدي، وامتناعي عن شرب القهوة وما شابهها.
في الطرق العامة، كان هؤلاء كثيرون جدا، يعبرون عن حزنهم الشديد، بل عن حالة رياء وكذب لا مثيل لها، بل وبعضهم يتصنع البكاء والنحيب…!!
بعد يومين فقط غادرت سورية ليلا عبر حدود باب الهوى (نقطة الحدود السورية_ التركية) عائدا لرومانيا.
عند وصولي لأول حاجز أمني (الأمن العسكري على ما أتذكر) كان صوت أم كلثوم يصدح بأغنية (ذكريات)…
تقدم أحد العناصر شاهرا سلاحه بوجهي، قائلا: ماهذا الذي تسمعه ولماذا الصوت مرتفعا، ألا تعلم أن الوطن كله في حالة حداد رسمي…؟؟!!
أجبته: أنا على طريق سفر طويل ويجب أن أبقى يقظا خصوصا أن الوقت ليلا…قال بغضب وعصبية: أغلق صوت المسجل وانزلوا من السيارة للتفتيش.
كان يرافقني بسيارته أخ وصديق من مدينة سرمدا، رحل عن دنيانا قبل سنوات، صادف أنه يعرف أحد عناصر الحاجز كونه من مدينته.
بعد أن تبادلا السلام والترحاب، وأعلمه أننا معا، مترافقين في رحلتنا، لتسهيل أمورنا، قال لصديقي ناصحا: ليحترس صديقك من الحواجز القادمة ففعلته هذه يمكن أن تتسبب له بالمتاعب والازعاج …
نحن نتفهم وضعكم كمسافرين، ومرافقة زوجته الأجنبية له، لكن غيرنا قد لا يتفهم الأمر…
بذلك عبرت عن موقفي ومشاعري بطريقتي الخاصة.
هل سيكتب لي أن أعيش لحظة إعدام الطاغية الكوني، أو مشاهدته في قفص العدالة في محكمة العدل الدولية…
هل سنرى نهاية قريبة لهذا المجرم…
هل …هل…؟؟؟!!!
عاهدت نفسي قبل سنوات زيارة أضرحة بعض الأخوة، عند تلك اللحظة، لابلاغهم بأن ماقضوا لأجله ربما بات أمرا قابلا للتحقق…
حتما أحد هؤلاء سيكون الحبيب أبا خالد/ محمد خليفة الذي رحل عن دنيانا قبل 50 يومًا فقط.!!
المصدر: موقع ملتقى العروبيين