كامل ناصر الأحوازي
ما ان انتهت مسرحية ما يسمى بالانتخابات للنظام الايراني، وذلك بعد ان حاول بشتى الطرق ان يقدم صورة طبيعية مماثلة و قريبة من كيفية المشاهد التي من العادة تعرض في معظم دول الأرض والتي تتمتع بالاستقرار السياسي، ولو كان نسبيا بشكله المتفاوت، حيث لا مكان للمحسوبية وظاهرة التنصيب، في انتخاب معين لأشخاص معينين يميلون الى السلطة الحاكمة ، و ايضا لا وجود لأي نوع من أنواع التزوير مهما كان سهوا ، و ما ان تم الإعلان عن نتائج الانتخابات المزعومة ، حتى تعالت أصوات العمال المقهورين في عشرات المدن و في العديد من كبريات القطاعات الاقتصادية و الحيوية و فروعها المتنوعة ، مطالبين بحقوقهم ، منها على سبيل المثال ، رفع مستوى سقف الأجور و صرف المستحقات المتأخرة و التقليل من ساعات العمل اليومية و إعطاء إجازات العطل عن العمل ، رفع التمييز في سلم الدرجات الوظيفية ، و مطالبات أخرى .
في الآونة الاخيرة ، إزدادت وتيرة التجمعات في شتى المفاصل الاقتصادية و المجتمعية ، كل فئة على حدى ، كالمزارعين ، الصيادين ، المتقاعدين و المغبونين الذين وقعوا في فخ عمليات النصب و الإختلاسات من جهات مقربة من النظام الحاكم ، ناهيك عن بدأ إضراب سائقو الشاحنات في عدد من المدن ، و إعلان تجار الأسواق و أصحاب المحلات التجارية عن نيتهم القيام بالإضراب العام و هناك من المحتمل ان تشهد الأيام القادمة القريبة المزيد من الإحتجاجات و التجمعات الشعبية ، اللذين وصلت بهم نتائج الأوضاع الجائرة و المأساوية في البلاد الى حالة الفقر و الحرمان و الجوع المدقع ، طالما يعيشون في ظروف صعبة لا تطاق و غير ملائمة بكل معنى الكلمة و لاسيما انعدام العدالة و عدم حصولهم على أي نوع من الردود المرضية من قبل المسؤولين الحكوميين ، تلبي حاجاتهم الضرورية و تعالج مشاكلهم في الحياة العملية و اليومية و التي عانوا منها خلال الأعوام المنصرمة و مازالوا لليوم لم يروا أي بوادر حقيقية ، تعمل بجد و لتخرجهم من الوضع الغير الطبيعي العام المتحكم بهم و تغيّر أوضاعهم الكلية .
اذا أردنا ان نشير الى الأسباب و النتائج التي أدت الى
هذا الوضع المتردي الذي أخذ يوم عن يوم يتوسع و
يأتي بظلاله على جميع الناس دون تمييز ، فإنها عديدة و لا مجال هنا للتطرق اليها و نكتفي ببعضها هنا .
لا نريد ان نأتي بموضوع النووي و الصواريخ و العقوبات الدولية و غير ذلك و نحاول ان نتطرق الى أصل العلل و الإشكاليات المخلة و من البداية ، التي بدورها تسببت بهذا الوضع القائم . أثناء رئاسة و سلطة حكومة رفسنجاني ، بدأت المراحل الأولى لمشاريع الخصحصة في كل المجالات و الميادين الاقتصادية ، و التي و بعد ان أخذت دورها العملي ، و شملت أغلبيتها العظمى في كل ما يتعلق بعجلة الاقتصاد الكلي و أثرت عليها بشكل مباشر ، حيث أخذت الأمور شيئا فشيئا بالتدهور و الخروج من سيطرة الدولة و هذا الأمر يرجع الى عدم وجود الإرادة الحقيقية من قبل النظام ككل حتى يوظف كل الطاقات البشرية و الموارد الاقتصادية لتقوية و دعم التنمية الشاملة بكل اشكالها في البلاد و بالتالي تحافظ على سيرها و لتوفر حياة كريمة لكل أبناء الشعوب .
لكن بعد تنفيذ هذه السياسة ، لنسميها هنا ” السياسة الإقطاعية أو الإحتكارية بأبشع صورها ” ، و التي ظهرت للعيان آنذاك و دون أي حدود تذكر ، و ما تم اتخاذه في العقود الماضية من سياسات الخصخصة ، كانت هي عبارة عن سلوكيات و ممارسات و تفاهمات فردية أو مجموعات معينة وازنة ، تعمل تحت مظلة النظام و باسمه ، فأغلبيتهم كانوا و مازالوا من ساسة النظام من طراز الصف الأول ، الأمر الذي فتح أمامهم كل الميادين ليعملوا ما يشاؤون و حسب أهوائهم و ليستولوا على ثروات البلاد ، بعد استغلالهم قوت الشعوب و ليتقاسموا ثرواتهم على كانتوناتهم الخاصة . بدأ الخلل يستشري في أدق و أصغر زوايا من شرايين الأعمال التجارية و الاقتصادية و الإنتاجية في داخل البلاد و خارجه ، الى ان وصلت الأمور في السنوات القليلة الماضية و اليوم ، الى ذروتها و بعد ان تزايدت الأزمات الاقتصادية ، لتخرج للعيان قضايا الإختلاسات النجومية بمبالغ هائلة و برزت قوائم بعض هؤلاء المشاركين في هذا الوسط ، نقول البعض ، لأن أصحاب الرؤوس الكبيرة ، قدموا كل واحد من هؤلاء المتهمين الصغار ، ليكون كبش الفداء أمام الرأي العام الداخلي و بالتالي يحرف الأذهان عن الحقائق الرئيسة ، هذا و بينما غالبية الناس يعلموا بأسرار القضايا .
هذه السياسة الاقتصادية المجحفة و المدمرة لكل المفاصل الاقتصادية ، العامة و الخاصة ، التي كانت و مازالت تطعن بحقوق الطبقة العاملة أولا و من ثم كل الموظفين في كل الدوائر و الشركات و المصانع و الورش الانتاجية الحكومية ، و التي هي بدورها المعلوم مسبقا ، قلبت كفة العلاقات بين العمال و المدراء القدامى و الجدد ، بصورة غير متكافئة و بشكلها البشع أو الى ما يشبه الصراع بين القوي المتمكن المدعوم بشكل مباشر من قبل الطغمة الحاكمة ، و بين العامل الضعيف الذي لا حول له الا زملائه في العمل ، الذين وضعهم العام يشابه وضعه المزري نفسه ، يشاركونه انتقاداته و اعتراضاته و إضرابه عن العمل ، على ما يعيشونه من قهر و ظلم و طبعا ايضا يشاركونه الفصل من العمل و من ثم المساءلة اللاقانونية و التعرض الى الاعتقال التعسفي و السجن و حتى الإعدامات .
فأحدى النتائج الظالمة و الغير انسانية ، في التعامل مع العامل المعترض على ما يجري في محيط عمله ، على سبيل المثال ، هو التهديد و الوعيد ، تعليقه عن العمل ، أو فصله من العمل ، بدون أي مبرر قانوني .
من ناحية أخرى ، اتخاذ قرارات خاطئة ما تخص الأمور الاقتصادية ، من قبل مسؤولين النظام ، التي لم تصب يوما في مصلحة البلاد ، لا من قريب و لا من بعيد و دون تمييز و التي بدورها زادت من عمق الهوة بين الطبقة المسيطرة على الحكم و بين كل الطبقات المجتمعية و خاصة الطبقة الأكثر ضعفا و هي طبقة الكادحين و التي وجهت اليها و بعد انتصار ثورة الشعوب ، مباشرة ، سيل الاتهامات و الإفتراءات بكل عناوينها ، للنيل منهم بإسكات أصواتهم و كسر إرادتهم و حشرهم في زاوية و وضعهم تحت مجاهر المخبرين و العملاء التابعين للأجهزة الأمنية .
من يشاركون في الإضرابات العمالية ، لديهم الخبرة المطلوبة و الرؤية الكافية التي تساعدهم في الأيام القادمة على تجاوز كل العراقيل و باستطاعتهم الوقوف و مواجهة كل أنواع التحديات بشتى الطرق المتاحة ، تتوافر أمامهم الآن الفرصة التاريخية الذهبية و هي ان يردوا على كل تلك السياسات اللاإنسانية بحقهم و هي ( لوي الأذرع للفئة أو الطبقة الأكثر ضعفا في سلم القطاعات الاقتصادية ) ، بالأساليب التي هم يرونها قابلة للتنفيذ و بنفس الوقت تكون مناسبة ، حتى ان يصلوا الى أهدافهم النبيلة و يحققوا ما يصبوا اليه و استرداد حقوقهم المسلوبة . فهذا يتطلب توحيد المواقف و الإصرار و الثبات على مواقفهم المبدئية و عدم التراجع عن كل المطالبات ، دون أي استثناء .
المراقب و المتابع يتسائلون ، يا ترى رغم كل هذه التضحيات عبر عشرات السنين من قبل العمال و زملائهم في مختلف المجالات و تحملهم ظروف العمل و الحياة اليومية القاسية و النقص و الحرمان خلال مسيرة عملهم الدؤوب و صرف طاقاتهم الجسدية و الفكرية و الخ ، و بوجود هذا الكم الكبير من الثروات الهائلة في البلاد ، فما هو السر الكامن خلف الستار ، حتى يتم التعامل مع هذه الفئة المضحّية و مثلهم المعلمين و الكوادر الطبية و المتقاعدين و الفلاحين و الحرفيين و عمال البلدية و الكادحين في المجالات الأخرى ، بهذا الشكل الغير لائق و التعامل الغير أخلاقي و غير إنساني معهم و كأنهم قد تم شراءهم من أحد أسواق الرقيق من زمن العبودية ، مقابل ثمن زهيد .
٧/٧/٢٠٢١
ردإعادة توجيه |