رائد جبر / سعيد عبد الرازق / فراس كرم
رحبت أنقرة وموسكو بالتصويت في مجلس الأمن أول من أمس، على قرار تمديد التفويض الأممي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، مقابل انتقاد سوري للقرار واعتباره «انتهاكاً للسيادة».
ووصف مندوب روسيا لدى المجلس فاسيلي نيبينزيا التطور بأنه «لحظة تاريخية»، وبدا أن موسكو تستعجل البناء على التسوية التي قادت إلى إنجاح القرار الدولي المشترك من خلال توسيع النقاش مع واشنطن حول ملف العقوبات المفروضة على سوريا.
ولم تصدر موسكو بياناً رسمياً يحدد موقفها من القرار الدولي، وملابسات الاتفاق على الصياغة النهائية له مع البلدان الغربية، كما أن الكرملين اكتفى بإشارة عابرة إلى أن هذا الموضوع كان محور محادثات مع بين الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن، من دون أن يعطي تفاصيل إضافية عن المناقشات، لكن تعليقات نيبينزيا التي نقلتها وسائل الإعلام الحكومية أبرزت درجة ارتياح واسعة لهذه النتيجة. وكان مجلس الأمن الدولي وافق بالإجماع، أول من أمس، على القرار 2585 الخاص بتوصيل المساعدات إلى سوريا بعد مناقشات ساخنة استمرت أياماً. وبدا أن الأطراف توصلت إلى تسوية مرضية بعد تراجع الولايات المتحدة وآيرلندا والنرويج عن الإصرار على إعادة فتح معبر اليعربية، والاكتفاء بتمديد عمل معبر باب الهوى، في حين تراجعت موسكو بدورها عن موقفها الرافض أصلاً لفكرة التمديد لأي معبر ما لم يتم إدخال المساعدات وتوزيعها عبر حكومة دمشق. كما أن موسكو وافقت في المحصلة على صياغة ملتبسة تمدد التفويض الدولي لمدة عام، على أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً «شافياً ومفصلاً» عن عمل المعبر بعد مرور ستة أشهر ليصار إلى التمديد التلقائي لستة أشهر أخرى في حال لم تبرز اعتراضات على التقرير الأممي.
ورأى نيبينزيا، أن تجديد آلية دخول المساعدات لسوريا كان قراراً مشتركاً روسياً أميركياً. ووصف تبني القرار بشكل جماعي بأنه «لحظة تاريخية».
وأوضح أن العالم شهد «لحظة تاريخية حيث تمكنت روسيا والولايات المتحدة لأول مرة من التوصل إلى اتفاق بل عرض نص مشترك دعمه جميع زملائنا في مجلس الأمن». وأضاف نيبينزيا: «نأمل في أن يصبح هذا السيناريو منعطفاً تستفيد منه سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بل العالم بأسره».
وأشار المندوب الروسي إلى أن هذا القرار يشدد لأول مرة على تطوير عمليات إيصال المساعدات الإنسانية عبر حدود التماس، موضحاً: «أعطى أعضاء مجلس الأمن بالتالي الضوء الأخضر لاستكمال الآلية العابرة للحدود بشكل تدريجي ومن ثم استبدالها من خلال استخدام خطوط التماس».
وبدا أن موسكو استعجلت البناء على التوافق داخل مجلس الأمن، إذ قال نيبينزيا إن بلاده تخوض محادثات مع الولايات المتحدة حول تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.
لكنه امتنع عن الرد على سؤال حول توقعاته بمدى تجاوب واشنطن مع هذا الجهد واكتفى بالقول إن موسكو «سترى ما يمكن تحقيقه».
وفي مقابل إعلان البيت الأبيض أن بايدن، أجرى الجمعة اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي، وأن الطرفين أشادا بـ«العمل المشترك الذي أدى إلى الاتفاق حول نقل المساعدات إلى سوريا».
كان لافتاً أن الناطق باسم الكرملين أكد للصحافيين أن المكالمة تمت من دون أن يكشف عن فحواها. ودفع هذا الموقف مع عدم صدور بيان رسمي عن الخارجية المعلقين إلى توقع أن موسكو ما زالت تدرس تداعيات التطور الذي وقع في مجلس الأمن، ومدى قدرته على توفير فرصة لتفاهمات أخرى حول سوريا، خصوصاً أن هذه الخطوة قوبلت باستياء من جانب دمشق التي أعلن مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة بسام صباغ عن «رفض تمديد الآلية»، التي وصفها بأنها «مسيسة وتنتهك السيادة السورية». وقال بعد صدور القرار إن «سوريا ترفض هذه الآلية المسيسة لما تمثله من انتهاك لسيادتها ووحدة أراضيها وللعيوب الجسيمة التي شابت عملها والفشل في ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها وليس إلى الإرهابيين».
وزاد أن «الوفدين الروسي والصيني ووفوداً أخرى بذلت جهوداً لتسليط الضوء على جوانب تخدم هدف تحسين الوضع الإنساني وإيصال المساعدات إلى محتاجيها من داخل سوريا، في حين أن الدول الغربية أصرت على تجاهل تلك الجوانب وركزت جهودها فقط على تمديد آلية إدخال المساعدات التي تخدم أجنداتها».
من جهتها، قالت وزارة الخارجية التركية، في بيان أمس، إن القرار الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي أول من أمس لمدة 12 شهراً سينفذ لمدة 6 أشهر إضافية على أساس تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بعد الأشهر الستة الأولى. وأضاف البيان: «تعد مساعدات الأمم المتحدة المرسلة عبر معبرنا الحدودي (جيلفا جوزو) ضرورية لاستمرار الاستجابة الفعالة للأزمة الإنسانية في سوريا ومن أجل الاستقرار والأمن الإقليميين».
وتابع: «لذلك فإننا نرحب باستمرار آلية إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود التابعة للأمم المتحدة الفاعلة من أجل تلبية احتياجات الشعب السوري عبر تركيا».
ولفت البيان إلى أن تركيا تنتظر من مجلس الأمن والجهات الدولية الفاعلة، اتخاذ خطوات بناءة ومواقف توافقية لإيجاد حل دائم للأزمة السورية، مشدداً على أنها ستواصل دعمها القوي للجهود الرامية لحل الأزمة الإنسانية في سوريا، وستستمر في المساهمة الفعالة في الحفاظ على وقف إطلاق النار ودفع العملية السياسية.
على صعيد آخر، تجددت الاشتباكات بعد منتصف ليل الجمعة/ السبت على محاور في ريف مدينة منبج شمال شرقي حلب، بين الفصائل السورية المسلحة الموالية لتركيا وقوات مجلس منبج العسكري بالتزامن مع قصف واستهدافات متبادلة بين الجانبين، حيث استمرت الاشتباكات حتى فجر أمس. كانت القوات التركية والفصائل الموالية لها نفذت قصفاً مدفعياً أول من أمس على قرية الجات شمال شرقي منبج. كما وقعت اشتباكات بين مجلس منبج العسكري من جهة، والفصائل الموالية لتركيا من جهة أخرى، على محاور توخار وعرب حسن في ريف منبج.
في الوقت ذاته، سقطت قذائف على قرية أطمة التابعة لعفرين بريف حلب الشمالي الغربي، والخاضعة لنفوذ القوات التركية والفصائل الموالية لها، اسم المنطقة المعروفة بـ«غصن الزيتون»، من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وتحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مما أدى إلى إصابة أحد الأشخاص.
وردت القوات التركية والفصائل الموالية لها بقصف بالأسلحة الثقيلة، على قرى ضمن مناطق انتشار «قسد»، حيث سقطت قذائف في سموقة والسد وسروج والحصية وتل مضيق بريف حلب الشمالي.
من ناحية أخرى، قصفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة، محيط النقطة التركية في قرية البارة بجبل الزاوية جنوب إدلب، واستهدفت بقذيفتين مدفعيتين محيط الأتارب من الطرف الشرقي، مما تسبب في إصابة مدني بجروح.
من جهته، قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن طائرات روسية شنت غارات على منطقة حرش جوزف في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي.
وأشار إلى أن «المنطقة توجد فيها مقرات عسكرية تابعة لهيئة تحرير الشام» وأن «الضربات الجوية هي الثانية خلال 24 ساعة»، حيث كان أشار أول من أمس، إلى أن الطائرات الحربية الروسية شنت غارات استهدفت خلالها محاور كبانة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، وحرش جوزف بجبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.
وأشار «المرصد» قبل ثلاثة أيام إلى أن الطيران الروسي استهدف بغارتين جويتين محطة الروج الشمالي والتي تحتوي على عشر مضخات ومجهزة بشكل كامل للعمل، حيث تروي المحطة نحو 3500 هكتار من الأراضي الزراعية، كما طالت إحدى الغارات الجوية بثلاثة صواريخ مركزاً للدفاع المدني في منطقة الشيخ يوسف، مما أدى إلى الخروج المركز عن الخدمة، دون تسجيل أي إصابات.
ورصد نشطاء 4 غارات جوية نفذتها مقاتلة روسية على منطقة الشيخ يوسف على الأطراف الغربية لمدينة إدلب، تزامن ذلك مع تحليق طائرة حربية روسية ثانية في أجواء منطقة «خفض التصعيد».
المصدر: الشرق الأوسط