وجهاء حوران يحملون روسيا مسؤولية ما يحصل في الجنوب
منهل باريش
حدد النظام السوري مطالبه في درعا، بتسليم المطلوبين وتسليم السلاح وتفتيش ما يريد من المنازل والمقرات السابقة ونشر حواجز الأمن والجيش حسب ما يرغب وأين تقتضي الضرورة. هذه خلاصة اجتماعات الأسبوع المنصرم. أو الاجتياح العسكري الذي هددت به الفرقة الرابعة مرارا ولم تتوقف عن محاولة تنفيذه. وأكد توجهه ذاك مع زيارة وزير دفاع النظام، علي عبد الله أيوب إلى درعا واجتماعه بقادة الفرق والأجهزة الأمنية، والاطلاع على خطط عملية اقتحام مدينة درعا، وتوجيه رسالة إلى الضباط الروس في الجنوب، بتفضيل الحسم العسكري على إعطاء مهل جديدة. ويأتي إخفاق المفاوضات مع إصرار مسؤول الملف الأمني عن جنوب سوريا، اللواء حسام لوقا، رئيس إدارة أمن الدولة، الموضوع على لوائح العقوبات الأمريكية والأوروبية بسبب انتهاكاته حق المدنيين واتهامه بجرائم حرب وبوصفه مسؤولا عن تهجير حي الوعر في مدينة حمص في 2017 حيث كان يرأس فرع الأمن السياسي، ثم رفع في 2018 ليرأس شعبة الأمن السياسي وفي 2020 عين رئيسا لإدارة المخابرات العامة «أمن الدولة» ويعتبر الضابط الشركسي مقربا من موسكو إلى حد كبير، وينحدر من بلدة خناصر في ريف حلب الشرقي.
الناطق باسم تجمع أحرار حوران، أبو محمود الحوراني اتهم حسام لوقا رئيس اللجنة الأمنية بعرقلة المفاوضات دائما وحمله مسؤولية انفجار الوضع بالجنوب، واعتبر في اتصال مع «القدس العربي» أن لوقا هو من «يصر على انتشار الجيش وتفتيش كل البيوت بدون استثناء وتسليم المطلوبين أمنيا وتسليم كامل السلاح».
وفي سياق منفصل، نوه الشيخ فيصل أبازيد عضو اللجنة المركزية في درعا البلد، عن سياسة النظام في عملية كسب نقاط جديدة كل ما وافقت اللجنة المركزية على مطالبه، شارحا لوجهاء درعا الذين اجتمعوا، يوم الخميس، في بلدة طفس أن «اللجنة وافقت على طلبات النظام حتى لا يقال أننا رفضنا أو يأتي من يحمل اللجنة سبب فشل المفاوضات».
مضيفا «قمنا بكل ما نستطيع لدرء الحرب، طلبوا تسليم سلاح، سلمنا، طلبوا تسويات أوضاعنا، أجرينا تسويات، وأنا شخصيا سلمت نفسي وأجريت تسوية لوضعي، طلبوا مغادر بعض الأفراد، غادرواً. طلبوا ثلاثة حواجز أمنية، قبلنا، صار بدهم تسعة للجيش. حاولنا بكل الوسائل ان ندفع الحرب عن أنفسنا وبقيت لدينا محاولة أخيرة. وفعلنا كل شيء حتى لا يلومنا أحد» وختم أبازيد «الحرب صعبة ونحن نكرهها، لكن إذا فرضت علينا فالله المستعان». وكان أبازيد قد هدد في وقت سابق بتهجير وخروج أهالي درعا كلهم إلى الشمال وترك المنطقة لإيران، وهو ما وصف انه رسالة لعمان الخائفة من «الهلال الشيعي» ومن التغول الإيراني ونشاطه على حدودها مع سوريا.
وجاء كلام الشيخ فيصل أعلاه، خلال اجتماع وجهاء عشائر حوران وعوائلها في بلدة طفس أبرز معاقل المعارضة في ريف درعا الغربي. وأتى الاجتماع في مسار محاولات رص الصفوف تحسباً للأسوأ القادم من قِبَل النظام السوري، وحضرته اللجان المركزية الفرعية في الريف الشرقي والشمالي والغربي وممثلوها في اللجنة المركزية الرئيسية لمحافظة درعا وممثلون عن اللواء الثامن الذي يقوده أحمد العودة، ومثل الشيخ فيصل أبازيد والمحامي عدنان المسالمة اللجنة المركزية في درعا البلد.
وفي نهاية الاجتماع، أصدر الوجهاء بيانا مصورا بعد ساعات من النقاشات في جامع البراء في طفس، قرأه الشيخ يوسف الحوامدة من قرية الحارة في ريف درعا الشمالي. وجاء في البيان:
«ﻧﺤﻦ ﻋﺸﺎﺋﺮ ﺣﻮﺭﺍﻥ ﻛﻨّﺎ ﻭﻣﺎ ﺯﻟﻨﺎ ﺟﺰﺀﺍً ﻻ ﻳﺘﺠﺰﺃ ﻣﻦ ﺷﻌﺐ ﺳﻮﺭﻳا ﺍﻷﺻﻴﻞ، ﻋﺸﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ، ﻭﻋﻤﻠﻨﺎ ﺟﺎﻫﺪﻳﻦ ﻟﺘبقى ﺣﻮﺭﺍﻥ ﺁﻣﻨﺔً ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ، ﻳﺴﻮﺩها ﺍلاﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﻭﻳﻌﻴﺶ أهلها ﺑﺄﻣﺎﻥ ﻭﻛﺮﺍﻣﺔ ﻟﻴﻜﻮﻧﻮﺍ ﺟﺰﺀﺍ ﻣﻦ ﺑﻨﺎﺓ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻭﺣﻤﺎﺗﻬﺎ .
ﻭﺗﻤاﺸﻴﺎ مع ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ ﺑﻬﺎ ﺣﻮﺭﺍﻥ ﺣﺎﻟﻴﺎ، ﻭﺍﻟﺤﺼﺎﺭ ﺍﻟﺨﺎﻧﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻢ ﻣﺪﻧﻬﺎ ﻭﻗﺮﺍﻫﺎ، ﻭﺣﻴﺚ ﺃﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺪّﺧﺮ ﺟﻬﺪﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﺣﻞ ﻳﺤﻘﻦ ﺩﻣﺎﺀ ﺃﺑﻨﺎﺋﻨﺎ ﻭﻳﺤﻔﻆ ﻛﺮﺍﻣﺘﻬﻢ ﻭﻳﺤﻘﻖ ﺃﻣﻨﻬﻢ ﻭﺳﻼﻣﺘﻬﻢ ﻟﻴﻜﻮﻧﻮﺍ ﻓﺎﻋﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴّﻦ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻼﺗﻬﻢ، استنكر المجتمعون الحشود العسكرية للنظام وحصار درعا البلد ورفضوا التهديد المستمر بالقتل ﻭﺍﻟﺘﺪﻣﻴﺮ ﻭﺍﻻﻗﺘﺤﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺑﺎﻟﺘﻬﺠﻴﺮ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ، واعتبروها ﺃﻓﻌﺎلا ﻋﺪﻭﺍﻧﻴﺔ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺃﻥ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﺑﻬﺎ ﺃﻱ ﺩﻭﻟﺔ ﻣﻊ ﺭﻋﺎﻳﺎﻫﺎ ﻭﺳﺎﻛﻨﻴﻬﺎ».
وطالب البيان بعدة أمور، منها «ﻓﻚ ﺍﻟﺤﺼﺎﺭ ﻋﻦ ﺩﺭﻋﺎ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﻭﺇﻳﻘﺎﻑ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮية ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺣﻮﺭﺍﻥ ﻓﻮرا» إضافة إلى «فك ﺃﺳﺮ ﺍﻟﻤﺤﺘﺠﺰﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻷﻫﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺰﺍﺭﻉ ﺍﻟﻤﺘﺎﺧﻤﺔ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺩﺭﻋا وﺇﻃﻼﻕ ﺳﺮﺍﺡ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻴﻦ ﻓﻮﺭﺍً» ورفض «ﺗﻤﺪﺩ ﺍﻟﻤﻴﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﺍلإﻳﺮﺍﻧﻴﺔ ﻭﺣﺰﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﺗﺤﺖ ﺃﻱ ﻣﺴﻤﻰ» والعمل على «ﺇﺩﺧﺎﻝ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺍﺕ ﺍلإﻧﺴﺎنية ﻣﻦ ﻏﺬﺍﺀ ﻭﺩﻭﺍﺀ ﻭﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺎﺕ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻮﺭﺍ» وطالب باﻟﺘﺰﺍﻡ ﺍﻟﻀﺎﻣﻦ ﺍﻟﺮﻭﺳﻲ ﺑﺘﻌﻬﺪﺍﺗﻪ ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻲ ﺑﺎﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﻛﻀﺎﻣﻦ ﻻﺗﻔﺎﻕ ﺗﺴﻮﻳﺔ اﻟﺠﻨﻮﺏ ﻓﻲ 2018.
من جهتها اشترطت روسيا الشهر الماضي، خروج 11 شخصية من قادة الفصائل السابقين والممانعين لاتفاق التسوية، بينهم قائد لواء الفاروق في جيش المعتر بالله سابقاً، معاذ الزعبي أبو الليث، الذي قتل مع ثلاثة آخرين في الهجوم على مديرية الري على طريق اليادودة – المزيريب غرب درعا، حيث تتخذ الفرقة الرابعة منها ثكنة عسكرية، وأربعة آخرين بينهم القياديان محمد المسالمة الملقب «هفو» ومؤيد حرفوش من درعا البلد، حيث تتهمهما روسيا بموالاة تنظيم جيش «خالد بن الوليد» المنحل في منطقة حوض اليرموك والمبايع لتنظيم «الدولة الإسلامية» في حين يصر النظام على تسليم القياديين وعناصر مجموعتهما المكونتين من 35 عنصراً. وفي محاولة تخفيف الضغوط على اللجنة المركزية في درعا، وافق القياديان على الخروج من درعا البلد إلى أحد الأرياف القريبة. وأعلن القياديان في بيان مصور وجودهما خارج مدينة درعا، من دون تحديد المكان. وأوضح مسالمة الذي قرأ البيان انه خرج من المنطقة حفاظا على سلامة الأهالي وتجنيب البلد الحرب، بعد اشتراط النظام «خروجهم من درعا لوقف الهجوم عليها» مؤكدا بقائهم خارج درعا «دفعا للضرر» حسب تعبيره.
وقبل ذلك، أصدرت لجنة التفاوض في درعا البلد يوم الأربعاء، الرابع من آب (أغسطس) بياناً، ناشدت فيه «الدول الفاعلة في الملف السوري، بما فيها روسيا الاتحادية، الدولة الضامنة لاتفاق التسوية في درعا، والأمم المتحدة، ممثلة بالمبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، التحرك بالسرعة الممكنة لإنهاء الحصار على درعا البلد فوراً، ومنع قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية الطائفية من اقتحام أو دخول المنطقة» مشيرة إلى وجود، ما وصفَته بـ»النوايا الانتقامية الواضحة لدى هذه الميليشيات».
دوليا، علقت أمريكا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على حصار درعا ومحاولات الهجوم عليها، فأدان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن في تغريدة على حسابه الرسمي على موقع «تويتر» هجوم نظام الأسد على درعا، واصفا الهجوم انه «وحشي» مضيفاً «نكرر دعواتنا لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254». على الصعيد الأممي، دعا المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، إلى ضرورة حماية المدنيين في محافظة درعا، جنوبي البلاد.
أما الاتحاد الأوروبي، فدعا في بيان صادر عن مكتب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الأربعاء، جميع الأطراف إلى ضرورة حماية المدنيين في محافظة درعا التي تتعرض لهجمات النظام السوري منذ أسبوع. مشيرا إلى أن جنوب غربي سوريا يشهد «أسوأ وأخطر أعمال عنف منذ عام 2018».
لافتا إلى أن القصف العنيف أسفر عن «مقتل عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، ونزوح 10 آلاف شخص». منتقدا تعرض مستشفى درعا الحكومي الذي يقدم خدمات لنحو 50 ألف مدني، للقصف بقذائف الهاون.
وأثنى المسؤول في الاتحاد الأوروبي إلى دعوة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، مخاطبا جميع الأطراف في سوريا من أجل التمسك بمبدأ حماية المدنيين والقانون الإنساني الدولي. مشددا على أن الهجمات «تظهر مرة أخرى ضرورة تسريع الجهود للتوصل إلى حل سياسي سلمي».
الاثنين، سجل اللواء الثامن أول تدخل مباشر خارج إطار المفاوضات، حيث دخل إلى منطقة الشياح بمدينة درعا، لإخراج العائلات المحاصرة فيها. هذا وتحاصر قوات الغيث في الفرقة الرابعة التي يقودها العميد غياث دلة، مئات العوائل منذ عدة أيام في مناطق تل السلطان – غرز وطريق غرز- درعا ومنطقة النخلة وشرق السد وجنوب درعا ومنطقة الشياح ومنطقة الخشابي جنوب جمرك درعا البلد، وتمنع عنهم الغذاء والدواء والماء، إضافة إلى الاعتداء عليهم واعتقال بعض النساء.
في السياق، يلعب اللواء الثامن طرف الوسيط والضامن في الخلافات المتفجرة منذ يوم 27 تموز ( يوليو) فقد تسلم اللواء جميع أسرى قوات النظام وسلمها للشرطة العسكرية بدوره، وكذلك قام بتبادل جثث القتلى بين الطرفين.
إلى ذلك قبلت اللجنة المركزية في درعا بنشر اللواء لحواجز داخل المدينة بالاشتراك مع جيش النظام، إلا أن النظام عاد ورفض وجود اللواء الثامن.
بالمقابل، طلبت القيادة العسكرية الروسية وجهاء مدينة درعا وأعضاء من اللجنة المركزية إلى اجتماع، بعد ظهر الجمعة، لمناقشة بيان عشائر درعا والذي حمل فيه روسيا مسؤولية تطبيق اتفاق المصالحة للجنوب في 2018. وعلمت «القدس العربي» من مصادر مقربة من اللجنة أن الضباط الروس وعدوا بالسعي للتهدئة مع النظام.
وتشير البيانات والتصريحات القادمة من درعا إلى أن اللجنة المركزية والفاعلين المحليين هناك يدركون أن الحل بيد موسكو وحدها، وهذا ما يمكن استنباطه من خلال استثناء الأردن باعتباره الدولة المشاركة بعملية اتفاق الجنوب مع روسيا وأمريكا، أو تحميل أمريكا نفسها التخلي عن الجنوب السوري لصالح روسيا، واعتباره منطقة نفوذ روسية بالتفاهم مع إسرائيل. كما تجنبوا تحميل تركيا أي دور كونها الضامن الرئيسي لفصائل المعارضة حسب مسار أستانة.
المصدر: القدس العربي