ضياء عودة
تشهد محافظة درعا في الجنوب السوري مفاوضات مكوكية منذ أكثر من شهر، لم تفض حتى الآن إلى أي حل أو اتفاق لإنهاء حالة التصعيد التي فرضتها قوات النظام السوري على “أحياء البلد”، وآلاف العائلات الموجودة فيها.
وتجري المفاوضات بين اللجنة الأمنية الممثلة عن النظام السوري من جهة، وممثلي اللجان المركزية التي تضم وجهاء عشائر وشخصيات محلية من جهة أخرى.
وكطرف ثالث تلعب روسيا دور الراعي لتلك المفاوضات، التي من المقرر أن تستأنف اليوم، بعد وصول رتل من الشرطة العسكرية الروسية إلى مدينة درعا، قادما من العاصمة دمشق، صباح الأربعاء.
وتعيش العائلات في أحياء درعا البلد، التي يبلغ عددها 11 ألف عائلة ظروفا معيشية صعبة، بحسب ما أشارت إليه الأمم المتحدة في تقرير صدر في 30 يوليو، قالت فيه إن ما يشهده الجنوب السوري في الوقت الحالي أدى إلى سقوط مدنيين ونزوح آلاف الأشخاص من المنطقة.
وتجد العائلات صعوبة في الحصول على المواد التموينية بسبب الحصار المفروض عليها منذ قرابة 45 يوما، وتتعرض بين الفترة والأخرى لقصف بالدبابات وبالرشاشات الثقيلة يهدد حياة أفرادها، مصدره قوات “الفرقة الرابعة”، وفق ما يقول ناشطون وصحفيون من الجنوب السوري.
وأمام هذا الواقع المفروض على الأرض، تطرح تساؤلات عن الأسباب التي تعرقل التوصل إلى اتفاق، أو حل ما، حتى الآن، رغم توالي جلسات التفاوض.
وهناك تساؤلات تتعلق بالأسباب التي حالت دون استكمال العمليات العسكرية التي بدأتها قوات النظام ليوم واحد على أحياء درعا البلد، وذلك في مطلع أغسطس الحالي.
“صراع أجنحة”؟
في تصريحات أدلى بها، الاثنين، لقناة “الحدث”، تحدث مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، رامي عبد الرحمن، عما وصفه بـ”صراع الأجنحة” داخل النظام السوري، وقال إنه يدور ما بين روسيا وإيران، ويتمحور حول عملية درعا العسكرية.
وأضاف عبد الرحمن أن “المخابرات الجوية والفرقة الرابعة المقربة من إيران تعيق التوصل لاتفاق دائم في درعا، أما روسيا والمخابرات العسكرية فلا ترغبان باستمرار التوتر في المحافظة”.
تلك المعلومات أكد عليها محللون عسكريون وباحثون سوريون، أشاروا إلى “دور تلعبه إيران”، في خطوة لتعزيز نفوذها بشكل أكبر في الجنوب السوري، على خلاف روسيا التي تحاول “ضبط النفس”، للحفاظ على صورة “الحل السياسي” الذي تنسجه لسوريا المستقبل.
المحامي عدنان المسالمة، عضو لجان التفاوض المركزية مع النظام السوري، الناطق باسمها يقول في حديث لموقع “الحرة”: “ما لمسناه خلال جولات التفاوض السابقة أن هناك بالفعل صراعا واضحا بين أكثر من جناح داخل النظام السوري”.
ويتابع: “ظهر الصراع بشكل جلي أثناء مفاوضاتنا مع اللجنة الأمنية في درعا”.
ويضيف المسالمة، المقيم في درعا البلد: “الفريق الذي يتبع الفرقة الرابعة لديه أجندة إيران وكان معطلا على الدوام لكل الاتفاقيات. عندما بدأنا حل بعض الملفات أقدمت الفرقة على الهجوم والقصف ليتوقف كل ما اتفقنا عليه”.
وفي الأيام الأولى من التصعيد، يقول المسالمة، إن “روسيا لم تتواجد وعادت إلى الخلف خطوات عدة. تلك الحركة لم تعرف ماهيتها، إن كانت تصرفا شخصيا من الضابط أسد الله الروسي أم أنها توجه عام. الضابط هو المسؤول عن ملف الجنوب”.
“ثغرات وكسب للوقت”
وعلى الطرف الآخر هناك اتهامات يوجهها النظام السوري للجان المركزية في درعا، ويقول إنها المسؤولة عن عرقلة المفاوضات، بعد رفض جميع شروطه.
ومن بين الشروط تسليم المطلوبين أمنيا في درعا البلد، وكامل السلاح الخفيف والمتوسط الموجود بيد الأهالي، على أن يتم فيما بعد نشر نقاط عسكرية وأمنية.
ولم يتخل النظام عن نبرة التصعيد، حيث يستمر بالتهديد بإطلاق العمليات العسكرية، من أجل “تطهير الجنوب السوري كاملا”، بحسب تعبير وسائل إعلام مقربة منه، كصحيفة “الوطن” شبه الرسمية.
وتحدث الكاتب والمحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، عن “الكثير من الثغرات في اتفاق درعا عام 2018″، معتبرا إنها السبب الرئيسي لما يحصل الآن.
ويوضح يوسف في حديث لموقع “الحرة”: “من بين الثغرات ترك السلاح الخفيف بيد بعض الفصائل، وربما لم يتم الاستيلاء على السلاح المتوسط”.
ما سبق أفرز عدة قوى، بحسب يوسف أولها “الدولة السورية، والثانية: المقاتلون الذين أجروا مصالحات وشكّلوا مؤخرا اللواء الثامن الذي يتبع للفيلق الخامس المدعوم روسيا”.
أما القوى الثالثة فهم الأشخاص الذين رفضوا تسليم السلاح وإجراء “المصالحة”، واتجهوا “لزعزعة استقرار المنطقة. هؤلاء يتبعون لتركيا وقطر، الدولتين اللتين تعاديان الدولة السورية وتشجعان على العمل المسلح”، بحسب تعبير يوسف.
ويشير المحلل السياسي: “بسبب الاعتداءات كان لابد من تدخل الدولة السورية بالاتفاق مع روسيا”، مستبعدا أي “دور لإيران في المنطقة، لأنها ليس من مصلحتها التدخل، خصوصا أن اتفاق 2018 نص على ابتعادها مسافة 80 كيلومترا عن الجولان”.
في المقابل يرجع صحفي مقيم في أحياء درعا البلد أسباب عدم التوصل لأي اتفاق في درعا حتى الآن إلى “مماطلات يتبعها النظام السوري من أجل كسب الوقت وفرض شروطه”.
ويقول الصحفي، الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، في حديث لموقع “الحرة”: “هناك غموض واضح يحيط بمشهد الجنوب السوري كاملا. لا أحد يعلم ما الذي ينتظر المنطقة، وما الذي تريده روسيا، وأيضا إيران التي لا يمكن نفي دورها. هي في الكواليس”.
“التفاوض مستمر”
لا حل ولا اتفاق لكن التفاوض مستمر، هذا آخر ما وصلت إليه الأوضاع في محافظة درعا، التي تعتبر مهد الثورة السورية، وتحظى بموقع استراتيجي في الجنوب السوري على الحدود مع الأردن ومع منطقة الجولان.
والثلاثاء، اجتمع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، عبر تطبيق “زووم”، مع أعضاء اللجان المركزية في درعا، وناقش معهم التوترات الأخيرة التي تشهدها المحافظة، بحسب ما يقول المحامي عدنان المسالمة.
ووعد بيدرسون بزيارة وفد من مساعديه للمدينة في أقرب وقت، كما أكد على نقل المطالب المقدمة من اللجنة المركزية إلى أروقة الأمم المتحدة.
ويعتقد المسالمة، الذي يحضر جلسات التفاوض باستمرار، أن هناك “تخبطا لدى أجهزة النظام السوري”، موضحا “بعض الشخصيات تريد الدخول باتفاق، وشخصيات أخرى تريد تطبيق القوة العسكرية. نحن خاضعون حقيقة لاتفاق التسوية الدولي عام 2018، الذي نص على عدم دخول الجيش السوري إلى المنطقة”.
وزاد المسالمة: “إيران لها مصلحة في خرق الاتفاق وبعض الجهات في النظام أيضا تعمل على ذلك. يريدون التضييق أكثر إلى أن يحصلوا على مطالبهم بالدخول إلى المنطقة”.
“اتفاق جديد”
من جهته يقول المحلل السياسي، غسان يوسف، إن “الجيش السوري يتشاور مع الحليف الروسي، باعتباره عراب اتفاق 2018”.
ويضيف: “اليوم باتت هناك ضرورة لعقد اتفاق جديد أقل ما يمكن أن ينص على سحب السلاح الفردي من يد المجموعات، وإجراء مصالحة للمجموعات الرافضة لتواجد الجيش السوري”.
“إما أن تكون هذه المصالحة بتسليم السلاح وتسوية الوضع، وفي حال الرفض يجب الخروج إلى الشمال السوري في إدلب. الوضع لم يعد يحتمل في المنطقة الجنوبية”، على حد قوله.
ويشير يوسف: “ما سبق سيحدث قريبا باعتبار أن روسيا هي من تطالب بسحب السلاح وضبط الوضع الأمني في تلك المنطقة، لأنها تشعر بالفشل في توفير الأمن للأهالي، وأنها عرضت الجيش السوري للكثير من المخاطر”.
وكانت نقاط عسكرية عدة لقوات النظام السوري تعرضت لهجمات مسلحة قبل أسبوعين في الريفين الشرقي والغربي لدرعا. وجاء ذلك في أثناء اقتحام قوات “الفرقة الرابعة” لأحياء “درعا البلد”.
وحتى الآن لم تسجل أي مشاركة عسكرية للقوات الروسية أو سلاح الجوي الروسي ضمن التصعيد القائم في الجنوب، حيث يقتصر الانتشار والتحرك على “الفرقة الرابعة”، وميليشيات أخرى، توصف بأنها “رديفة” للجيش السوري.
“ورقة تفاوض”
وكان المجتمع الدولي قد ندد بتصعيد النظام السوري في درعا، إذ دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في الرابع من أغسطس، نظام الأسد إلى وقف الهجوم بشكل فوري.
بينما طالب الاتحاد الأوروبي بحماية المدنيين، وكذلك دعت الخارجية الكندية إلى وقف إطلاق النار في درعا وجميع الأراضي السورية، مشيرة إلى أنه “من حق أهالي درعا العيش بأمان”.
ويعتبر أبو علي المحاميد، أحد وجهاء درعا، أن المنطقة الجنوبية من سوريا “مهمة وحساسة، ولذلك يريد اللاعبون السيطرة عليها لتكون ورقة بيدهم للتفاوض المستقبلي”.
ويقول: “روسيا تسوّق للعالم أن تجربتها في الجنوب ناجحة وأفضت إلى استقرار المنطقة، لكن ما حصل كان على خلاف ذلك”.
ويضيف المحاميد لموقع “الحرة”: “الأحداث الأخيرة وحصار درعا وقصفها أثبت للعالم فشل التجربة الروسية في الجنوب”، مشيرا: “لذلك تحاول روسيا ترميم ما خربه النظام من جهودها، وبذات الوقت لن تسمح بهزيمة النظام عسكريا، لمنع العودة إلى المربع الأول”.
وفي تقرير نشر الاثنين، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن تجدد القتال في درعا يثير الشكوك بشأن قدرة موسكو على لعب دور الوسيط بشكل فعال، حيث يحاول نظام الأسد إخضاع جنوب سوريا بالكامل لسيطرته، بدعم جزئي من إيران والمليشيات الموالية لها.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاشتباكات الدائرة تهدد بتقويض مصداقية روسيا كحكم سياسي في سوريا، رغم المكاسب التي حققتها من خلال الانحياز إلى نظام الأسد للحفاظ على قبضته على السلطة.
المصدر: الحرة. نت