معقل زهور عدي
في 30 حزيران /يونيو من عام 1970 تمكنت وسائط الدفاع الجوي المصرية والتي تم بناؤها بمساعدة الاتحاد السوفييتي آنذاك من إسقاط اثني عشر طائرة حربية اسرائيلية خلال بضعة أيام ودفع ذلك الولايات المتحدة للضغط على اسرائيل لقبول ماسمي بمبادرة روجرز لوقف إطلاق النار والتباحث حول تطبيق القرار 242 بخصوص الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 مقابل الاعتراف باسرائيل.
ولأول مرة قبلت اسرائيل المبادرة بعد أن رفضت مرارا مبادرات مماثلة لوقف النار .
قبل عبد الناصر المبادرة في 8 آب / أغسطس لحاجته إلى كسب الوقت لبناء حائط دفاعي ضد الطيران على طول قناة السويس , ولاستكمال استعدادات الجيش المصري وحمايته من الضربات الاسرائيلية الجوية والأرضية – المدفعية .
أثبت التاريخ صحة موقف عبد الناصر بعد أن استمر وقف اطلاق النار حتى حرب تشرين – اوكتوبر وساهم باستكمال بناء القوة العسكرية المصرية واستكمال حائط الدفاع الجوي مما مكن الجيش المصري من خوض الحرب وعبور خط بارليف .
وبينما كان عقل القيادة المصرية مشغولا بكيفية تأمين الظروف المواتية للجيش المصري لخوض الحرب , والقيام بالتكتيكات السياسية المناسبة , فتحت المنظمات الفلسطينية في الأردن النار على عبد الناصر واتهمته بالتفريط والخيانة , وخرجت المظاهرات الغاضبة في عمان ضد عبد الناصر , وأحدث ذلك شرخا في العلاقة بين المقاومة الفلسطينية ومصر , وكان ذلك الشرخ إشارة مناسبة للملك حسين والجيش الأردني لفتح المعركة مع التنظيمات الفلسطينية بعد فترة قصيرة في ايلول / سبتمبر عام 1970 .
ومن المفارقات أن التنظيمات الفلسطينية التي اقامت الدنيا ولم تقعدها على عبد الناصر لقبوله مبادرة روجرز قبلت لاحقا باتفاقيات أسوأ منها بكثير مثلما حدث في أوسلو عام 1993 .
تظهر تلك التجربة التاريخية عقلية المزاودة االتي تعبر عن الطفولة السياسية ومدى الضرر الذي تلحقه بالقضية التي يفترض أنها تعمل من أجلها .
وقبل ذلك وعبر المزاودات تم استدراج عبد الناصر إلى فخ حرب حزيران عام 1967 , والنظام السوري الذي أعلن حرب التحرير الشعبية لتحرير فلسطين وسمح للمنظمات الفلسطينية ببعض عمليات التسلل داخل فلسطين المحتلة ثم أطلق نداءات الاستغاثة في مواجهة تهديدات اسرائيلية , هذا النظام المزاود هو نفسه من قرر أن لاطاقة لسورية بمقاومة الهجوم الاسرائيلي بعد تدمير القوة الجوية المصرية .
واليوم نرى أن تلك العقلية مازالت واسعة الانتشار بين السوريين , وقد تسببت في إحجام أفضل الكوادر عن تحمل المسؤوليات السياسية , مما أفسح المجال أمام المتطفلين والأدعياء لركوب الموجة .
ومن المفارقات أيضا أن أعلى الأصوات وأكثرها تشددا ومزاودة لم تعد تسمع اليوم . لكن بقية من تلك الأصوات مازالت تعمل لتدمر ثقة السوريين ببعضهم وتهدم أي كيان سياسي ناشىء بدل نقده ودفعه نحو الأمام .
لايقل خطر المزاودة عن خطر الارتهان للأجندات الاقليمية والدولية , بل يمكن أن يستخدم مطية لمخططات سياسية خارجية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة . ومثلما هو ضروري وحيوي التصدي لأفكار التيئيس والهزيمة فمن الضروري أيضا مواجهة الفكر المزاود وفضح دوره في العمل لتدمير أي جهد وطني – ديمقراطي .