المخرج السوري الراحل مصطفى العقاد شخصية فنية عالمية، وصاحب سلسلة هالوين الشهيرة في الولايات المتحدة الأميركية. عمل طوال حياته من أجل سينما راقية متميزة. أخرج الكثير من الأفلام في الولايات المتحدة الأميركية، واشتهر كمخرج سوري عالمي للأفلام السينمائية في هوليود، لكن أهمها وأكثرها قرباً إلى سورية والعرب والمسلمين كان فيلم (الرسالة)، ثم فيلم (عمر المختار /أسد الصحراء) اللذين حصدا جوائز هامة، وتركا الأثر الكبير في مخيال كل من عشق السينما، كفن أصيل وحديث وأداة من أدوات إيصال الثقافة.
مصطفى العقاد ابن حلب البار، كان علماً من أعلام سورية، لم تحتضنه الآلة السينمائية للنظام السوري لأنه لم يقبل الاندراج ضمن آلياتها المعلّبة، والتابعة، والمقولبة على قد ومقاس الثقافة الطائفية الاستبدادية، التي أرادت للسينما أن تكون كما باقي ألوان الفن مجرد صورة تساهم في تلميع وجه الطاغية ومؤسساته المنبثقة عنه.
ولأنه كذلك فقد كان من ضحايا التفجير الذي جرى لفندق ينزل فيه في المملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ /11/ تشرين الثاني /2005/ عن عمر يناهز ال/68/ عاماً، حيث جرمت المحاكم الأميركية النظام السوري وهو من كان وراء تدبير هذا التفجير الإرهابي. قضى العقاد شهيدا مع ابنته، والكثير من الأبرياء، وقد حكمت محكمة أميركية على النظام غيابياً في هذه القضية، بدفع مبلغ /347/ مليون دولار كتعويض لأسر الضحايا الأميركيين.
كان فيلم الرسالة للعقاد قد تحدث عن نشأة الإسلام، من خلال السيرة النبوية الشريفة. وهو رغم كل الاعتراضات التي صادفته، إلا أنه يبقى من أهم الأفلام السنيمائية، كما تجدر الإشارة إلى أن فيلم (أسد الصحراء/ عمر المختار) من أشهر أفلامه الإخراجية، والذي يتحدث عن قصة حياة عمر المختار، ومقاومته للاستعمار الإيطالي المحتل لليبيا في حينها، أوائل القرن العشرين.
العقاد من المخرجين والمنتجين الذين يمتلكون رؤيا تختلف عمن سواه من المخرجين العالميين، فقد اتبع أسلوباً حديثاً في الإخراج، تمظهر عبر وقوفه في مواجهة الظلم وتسلط القوة، الذي يسود العالم.
ولد مصطفى العقاد في /1/ تموز /1935/ في مدينة حلب، لأسرة فقيرة، حيث تابع تعليمه فيها حتى الثانوي، ثم غادر سورية عام /1954/ متوجهاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، ليدرس الإخراج الذي أحب، في جامعة (UCLA) في ولاية كاليفورنيا، ليتخرج منها عام /1958/ ومن ثم يعاني من رفض شركات الإنتاج الأميركي توظيفه.
في عام /1962/ تمكن العقاد من ولوج أبواب هوليود، فعمل مخرجاً ومنتجاً وممثلاً، حتى وصل إلى العالمية، بإخراجه فيلم الرسالة عام /1976/ كأول فيلم عربي عالمي، وصدر بنسختين عربية وانكليزية، ثم يُخرج فيلم أسد الصحراء عام/1981/ بالإنكليزية، ومنذ عام /1978/ وحتى ال/2002/ أضحى العقاد المنتج المنفذ العالمي الوحيد، الذي شارك في جميع سلسلة أفلام هالوين.
يعتبر العقاد من المخرجين (غير الأميركيين) القلائل، الذين استطاعوا أن يفهموا العقلية الأميركية، وبذلك عرف كيف يخاطبه حيث أصبح دائم التركيز عليه، وليدرس ماهية خوضه معركته الحضارية مع الغرب.
حافَظَ العقاد وهو في أميركا على تراثه وقوميته ودينه، وهذا ما منحه عمقاً خاصاً به، حيث أكدت أعماله (على ندرتها) البعد الحضاري للإسلام والمنتج الثقافي الإسلامي عموما، وحراكها وكفاحها من أجل البقاء، أمام الهجمة الغربية الاستعمارية عليها.
صحيح أنه انطلق من أن السينما مفهوم جمالي بالأساس والبدء، إلا أنه لم يقف عند هذا المعطى فقط، بل تجاوزه إلى تعويمها كمفهوم ثوري كفاحي بأبعاد ودلالات كبيرة، ويعد أسد الصحراء النموذج المشخص لهذا المنحى.
أبصر الواقع العربي بدلالاته، قارئاً له من أجل نهوض الأمة كل الأمة، متحملاً الكثير من الصعاب، وخاصة من الغرب، ومعهم النظم الاستبدادية في عالمنا العربي.
ولأنه كذلك فقد انتظر طويلاً من يساهم في انتاج عمل سينمائي مهم آخر عن (صلاح الدين الأيوبي) وهو العمل الذي اختاره ونذر نفسه لإعداده وإنتاجه دون جدوى، حيث أعرضت عنه مؤسسات السينما، والمنتجين السينمائيين الممولين والمدعومين في نظم القهر العربي، ليرحل العقاد محتفظاً بسيناريو الفيلم، وكذلك رؤيته الإخراجية لهذا العمل، دون أن يرى النور، لعدم توفر الامكانية المطلوبة، لعمل أراده ضخماً وحقيقياً وقوياً يتقدم على أعماله الكبيرة التي سلفت.
استمر العقاد يحلم بمشاريع أخرى كثيرة ، منها إنتاج فيلم عن ( صبيحة الأندلسية ) وهي المرأة التي حكمت الأندلس فترة معينة، وأيضاً فيلماً آخر يتحدث عن قصة ملك من ملوك الإنكليز، هذا الذي كان قد أرسل عام /1213/ م وفداً إلى الخليفة الأندلسي يرجوه أن تكون إنكلترا تحت حماية الخليفة المسلم في الأندلس، ومن ضمن أحلامه ورؤيته مدينة سينمائية، أو مجمع سينمائي للإنتاج، في أحد البلاد العربية بمستوى الإنتاج السينمائي العالمي، ولكن بروح عربية إسلامية، تواكب الرسالة الحضارية للمسلمين، وهي مدينة كما قال: لا تبنى بل تكون قابلة للتنقل، وكان عازماً على الاستفادة من التجربة الأميركية في هذا المسار.
قيل سابقاً أن مصطفى العقاد من المخرجين المتميزين الذين لم تعرف أحلامهم أية حدود لأن أحلامه كان يساهم في توليدها واقعنا العربي المتغير، كما كان تراث حلب وقلعتها القديمة صدى حلم قديم ،ظل حياً في ذاكرة العقاد ،كان يؤمن إيماناً لا يتزعزع بأن السينما سلاح أقوى من الدبابات، إذا عرف المرء، ومؤسسات تدعمه، كيف يشتغل فيه وعليه ، وقد عكست رؤيته الحالة العربية والرؤى العربية التي غيبتها العتمة ،عتمة الاستبداد والقهر، كما كان العقاد معجباً بالتاريخ العربي وأبطاله رغم حياته بالغرب إلا أن هواه ظل عربياً حضارياً لا يضاهيه شيء ولا ينتقص منه أي تهديد أو وعيد .