محمد عمر كرداس
تنص التشريعات والقوانين والأنظمة في كثير من دول العالم على أن السجن إصلاح وتهذيب ،وطبعًا هذا صحيح، إذ ينطبق على المجرمين الجنائيين الذين يخالفون قوانين البلد وأعرافه والقوانين العالمية التي تشمل القتل والسرقة والإتجار بالممنوعات وغيرها، أما أن يكون هناك سجين سياسي فهذا انقرض في الدول التي أصبحت تحكمها قوانين وهيئات مجتمع مدني ومنظمات حقوقية تتابع وتراقب عمل هذه الحكومات ، إلآ أن الكثير من الدول تضرب عرض الحائط بأنظمة حقوق الانسان وتحكم بقوانين استثنائية أو بدون قوانين أصلاـ، ويتجلى ذلك واضحًا في وطننا العربي وإسرائيل كدولة محتلة لفلسطين والكثير من دول العالم الثالث في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية أما العالم المتمدن الذي يبدي حرصه على حقوق الإنسان فلايهتم بها خارج بلاده، منذ أيام شحن البريطانيون كلابهم وقططهم من أفغانستان وتركوا الأفغان الذين تعاونوا معهم، وفي رد جونسون رئيس الوزراء على سؤال لصحفي قال إنهم أكثر فائدة لنا من الأفغان. كذلك فعلت ألمانيا فقد شحنت البيرة والمشروبات الأخرى وتركت المتعاونين معها، ولن ينسى من شاهد الطائرات الأميركية وهي تقلع من مطار كابول غير آبهة بمن تعلق فيها من الأفغان.
نعود لحديثنا ذي الشجون وهو حديث السجون في العالم، وما حرض الكثير من الأقلام في المنطقة وخارجها للحديث عن الموضوع هي الحادثة المذهلة التي جرت في سجن جلبوع شمال فلسطين المحتلة عام 1948 في غور بيسان، إذ استطاع ستة أسرى فلسطينيين محكومين مؤبد من حفر نفق في زنزانتهم إلى خارج السجن شديد الحراسة والتأمين بمجموعة من الإجراءات الأمنية والتجهيزات الإلكترونية بأدوات بسيطة. فجرت هذه المفاجأة الكثير من الأمور داخل إسرائيل وخارجها بما أعطته من دلائل. فهل كان هناك حوادث مماثلة، طبعًا أثناء الحربين العالميتين حدثت حوادث هروب كثيرة وبعضها وثق في أفلام ووثائق عديدة، أذكر في سورية حادثتين الأولى كانت أيام الإحتلال الفرنسي قام بها ضابط من الدرك الفرنسي وكان اسمه زكريا الداغستاني حيث قام بتهريب عدد من زعماء الثورة السورية عام 1925من سجن القلعة في دمشق واختفى معهم ووثقت هذه الحادثة بقصة كان اسمها أرض البطولات وكانت مقررة علينا كمطالعة في الصف الأول الثانوي، أما الحادثة الثانية فقد دبرها نظام البعث لمجموعة من قيادت الاخوان المسلمين على يد رقيب أول أمني أوهمهم أنه منهم وعاش معهم داخل سجن المنطقة في دمشق التابع للمخابرات العسكرية ليخرجوا ويأخذوه معهم ويعرفوه على أكثر أماكن التواري لجماعتهم أمنًا وليتم اعتقال الجميع في أكبر عملية أمنية خلال الحوادث بين النظام والإخوان في الثمانينات.
مايقال عن السجون العربية ومايحصل فيها لايحصى وخاصة سجون النظام السوري فكل يوم نسمع من المـآسي مالايصدق من قتل واغتصاب وتعذيب.
أرخ الروائي المبدع عبد الرحمن منيف في التسعينات مايجري في السجون العربية في روايتين “شرق المتوسط ” و” الآن هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى” وفي أحد لقاءاتنا معه سألته هل يعقل أن كل هذا يجري في سجون أنظمتنا؟ فقال مايجري أكثر بكثير وماكتبته غيض من فيض. ومع أن سؤالي كان ساذجًا إلى حد ما فقد نلت من التعذيب في سجون النظام مايؤكد ذلك، ولكنني كنت أريد أن أسمع جوابه. في سورية كُتبت قصص على يد ناجين كالقوقعة لمصطفى خليفة عن حوليات سجن تدمر، وقد اعترف المجرم مصطفى طلاس أنه كان يوقع على عشرات الإعدامات أسبوعيًا بعد محاكمات ميدانية صورية لاتستمر أكثر من ثواني.
مع كل هذا الظلم والعسف لايفكر المعتقل عند النظام السوري بالهرب لأنه يعرف أن هروبه يعني اعتقال عائلته وحتى أقربائه فـأي ظلم هذا وأي إجرام والعالم يتفرج.
في فرنسا تهلل وسائل الإعلام للحكم الذي صدر على رفعت أسد بتبييض أموال وفرنسا أول من يعرف أن هذا المجرم قتل أكثر من 600 سجين في تدمر ودفنهم بمقابر جماعية ولم يعلم أهاليهم إلى الآن شيئًا عن مصيرهم كما ساهم في تدمير مدينة عريقة وقتل أكثر من أربعين ألفًا فتبًا لفرنسا وتبًا للمجتمع الدولي الذي يعاملنا بما هو أقل من حيواناته.
لاننسى في هذه العجالة أميركا أم الحريات والمدافعة عن الشعوب التي تستعمل أكثر السجون رعبًا أيضًا في قاعدة غوانتنامو في كوبا وسجونه السرية في المغرب والأردن والسعودية والإمارات وغيرها حتى لايطال إداراتها المساءلة ولا ننسى سجن أبو غريب في العراق والمآسي التي وُثقت في هذا السجن الرهيب، ومارواه لنا بعض الناجين الذين خرجوا مشوهين وفاقدين لبعض أعضائهم.
المصدر: اشراق