محمود الوهب
في 30 أيلول/سبتمبر الحالي يكون قد مضى على التدخل الروسي في سورية ست سنوات كاملة ذاق خلالها الشعب السوري ألواناً من القهر والعذاب من خلال ذلك التدخل البشع.
فما هو حصاد تلك السنوات؟! ولكن قبل البدء لا بد من الإشارة إلى أن السياسة الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي ورثته.. أخذت تكيل بالمكيال الذي تكيل به أمريكا خصمها التاريخي ونقيضها في الرؤية السياسية والاجتماعية فهي بالمنظار الروسي البلاء الأعظم للبشرية.
اليوم وبعد الانهيار السوفييتي أصبح التدخل الروسي تلبية لمصالح طغمتها الحاكمة، على نحو علني، ووفق منطق السياسة وقوانينها، أما التدخل في سورية، وأياً كان السبب سواء كان استجابة لدعوة “الحاج” قاسم سليماني رئيس الحرس الثوري الإيراني (بحسب تعبير حسن نصر الله)، أو جاء بطلب ورجاء مباشرين من بشار الأسد، فإن التدخل جاء وفق مصالح روسيا الاستراتيجية. ولتمكين وجودها السابق في مياه سورية الدافئة، وفي عموم منطقة الشرق الأوسط.
وقبل الحديث عما فعله التدخل الروسي العسكري في سورية، وما ارتكبه من جرائم تصنف ضد الإنسانية، لابد من القول إن التدخل الروسي حاصل منذ “الفيتو” الأول أواخر العام 2011 وقد عطل، وما تلاه من “فيتويات”، على مشاريع قرارات لمجلس الأمن التي كان من شأنها أن تحل الأزمة السورية قبل استفحالها، ولكن روسيا التي تعد نفسها صديقة للشعب السوري صبت زيتاً على نار الحرب التي أشعلها النظام ضد شعبه، وما مبرر بوتين آنذاك غير أن الدول الغربية المتدخلة في ليبيا قد غدرت به..
إذاً هو اليوم شريك في عدوان الدول الكبرى على الشعوب، ومن هذه الرؤية يمكن اعتبار روسيا، بعد النظام طبعاً، المسؤول الأول، عن كل ما حصل في سورية، ووقع على شعبها سياسياً وعسكرياً واجتماعياً. ويمكن ملاحظة ذلك فيما يلي: – إن التدخل الروسي قائم سياسياً قبل 30 أيلول عام 2015 وربما كان تمهيداً لتدخل عسكري سيأتي، ولعلَ بوتين كان ينتظر الإشارة لاحتلال سورية وتحقيق مطامعه، وقد جاءته في وقت أوشك معه النظام على الهزيمة، وغدا في حال بائسة من الضعف والتصاغر والإذعان.. ولم تعد سورية تهمه، بقدر ما يهمه البقاء في السلطة.
وهكذا جاء الروس ليحققوا انتصارات سريعة تطمئِن رأس النظام، فارتكبوا أبشع الجرائم وأشدها وحشية، دون أن يقف أحد هذا في وجههم! فقتلوا عشرات الآلاف من السوريين، بينهم الكثير من النساء والأطفال، ودمرت طائراتهم وصواريخهم البنية التحتية بالكامل سواء ما تعلق منها بالمنشآت العامة كالمشافي والمدارس، والطرقات أم بشبكات المياه والكهرباء أم المناطق الصناعية، والعديد من مؤسسات الدولة، إضافة إلى الأحياء القديمة العريقة في المدن الكبرى وبعض المدن الأثرية بمتاحفها وآثار بعضها غير المنظورة، إضافة إلى تدمير الاقتصاد وتهجير رأس المال، وتعفيش المصانع والمعامل والورش من قبل كل من حمل السلاح! وتشريد ملايين السوريين الآمنين- تحت خطر الموت- في المخيمات والمنافي.
لقد وطدت روسيا وجودها العسكري بتوسيعها قاعدة مرفأ طرطوس القديمة منذ العام 1971 وأنشأت قاعدة حميميم. ولدى روسيا اليوم، نحو عشرين ألف عسكري في القوى الثلاث البرية والبحرية والجوية، عدا الشرطة العسكرية.
وقد “زجّت روسيا مجموعات من المرتزقة عبر شركة (فاغنر) الخاصة الروسية، وبحسب صحيفة (ريد ستار) العسكرية الروسية، فإن 98% من أطقم النقل الجوي، و90% من طواقم الطيران العملياتية والتكتيكية والجيش، وكذلك 60% من طياري الطيران بعيد المدى، قد شاركوا في العمليات داخل الأراضي السورية، (دراسة لـ: خالد المطلق/ مركز حرمون). وينقل موقع الـ: b.b.c NEWS عن وزارة الدفاع الروسية إن عدد العسكريين الذين خدموا في سورية 63,000 عنصر. وأن عدد القتلى الذين قتلوا على أيدي الروس حتى حزيران من العام 2018، وسجلهم المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض بلغ: 7,928 مدنياً، منهم 1904 طفلاً و1187 امرأة.. وثمة مراكز عسكرية روسية في معظم المدن السورية.
وقد جربت روسيا أكثر من ثلاثمئة نوع من السلاح، كما أنها باعت أسلحة نتيجة حربها على سورية بمقدار 35 مليار دولار، وحصدت الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية المذلة بالنسبة إلى الجانب السوري، والكثير من الشركات التي أبرمت عقوداً معها هي شركات وهمية أو صغيرة يغلب عليها طابع المقاول.
إذ تأخذ دور الوسيط لتبيع تلك العقود بأسعار أعلى مستفيدة من الأسعار المتدنية التي حصلت عليها من الجانب السوري. (دراسة للاقتصادي سمير سعيفان). وتقدر منظمة اقتصادية في الأمم المتحدة خسائر سورية المباشرة وغير المباشرة بـ 442 مليار دولار بينما كان احتياطي البنك المركزي السوري 18 مليار دولار بداية العام 2011.
برزت روسيا في سورية لاعباً أساسياً، ولذلك تراها تستخدمها ورقة رابحة للمساومة على وجودها فيها، وعلى الحلول المقترحة مقابل ملفات أخرى في العالم أو مكاسب ما، ربما أكثر أهمية، سواء مع أمريكا أم مع غيرها من الدول التي لها وجود على الأرض السورية. وقد ساهم الوجود الروسي في تمكين قوى أجنبية أخرى من التدخل في سورية إضافة إلى الكثير من المليشيات.
تعمل روسيا جهدها للمحافظة على وجود النظام واستمراره، وتسعى لإعادة تأهيله على حساب الدم السوري، وقد أعطى وجودها فسحة للنظام ليناور مستعيناً بالوجود الإيراني.
لكن الأخطر في كل ما حصل هو إغماضها العين عن العدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية، وعن ضم إسرائيل لهضبة الجولان ذاتها.. وقولها على لسان خارجيتها سيرغي لافروف: إن أمن إسرائيل أولاً.
أخيراً لاتزال روسيا تحمي النظام سياسياً في المحافل الدولية، وتدافع عنه ضد المنظمات الإنسانية التي وثقت جرائمه سواء ما تعلق بما يجري في السجون والمعتقلات من تغييب وتعذيب وقتل وحرق ودفن جماعي، أم فيما تعلق بالسلاح الكيماوي الذي تجاوز استخدامه سبع مناطق عام 2013 في ريف دمشق وريفي حلب وإدلب، كما استخدم في خان شيخون عام 2016 وضحاياه بالآلاف، ومعظمها من الأطفال، وقد وثقته وأدانته منظمات المجتمع المدني، ومنها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في تقاريرها المتتابعة، إضافة إلى لجنة مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة التي فعلت الأمر ذاته.
وبعد هذا هو الوجه الحقيقي لروسيا وقد تكشف الأيام والتحقيقات ما هو أبشع مما ذكر ولكن، ومهما طال الزمن، فلا شيء يدوم، ولا محتلاً أو مستبداً يبقى.
المصدر: نداء بوست