عبد القادر الحصني
أسـرى بطرفكَ نجمُها وكتـابُها
وسـباكَ منها كحلُـها وخضابُـها
وقـوامُها، بـالياسـمين مـوشَّـحاً
والمسكران: فثغرُها ورضابُها
وندىً،
أفاقَ على الصباحِ،
فسرّه أنّ الصباحَ سريرُه أهدابُها
وسهولُها، وسفوحُها، وجبالُها
ورمالُها، وفجاجُها، وهضابُها
فيحاء باشرَها الزمانُ،
فكان أنْ شاب الزمانُ،
وما يزال شبابُها
هي، لا أقولُ الحسنُ في ريعانهِ
لا سحرُها منه،
ولا أطيابُها
هي قُلْ بأنّ الحسنَ صوّرَ نفسَه منها،
وصار حضورُه يغتابُها
ويقولُ عنها إنّ سبعةَ أنهرٍ عشّاقُها،
ابتلّتْ بهمْ أثوابُها
ويقولُ عنها: قاسيونُ حبيبُها
والآخرون جميعُهمْ خُطّـابُها
ويقولُ ما شاءَ الغيورُ،
بدا لـه سببٌ،
ولم تظهرْ لـه أسبابُها
فأتِحْ لقلبكَ أنْ يكونَ قميصَها
تعرى،
فيسترُها كما جلبابُها
وأتحْ لقلبكَ أنْ يكون حمامةً
لتظلَّه في الهاجـراتِ قِبـابُها
وأتِـحْ لقلبكَ أنْ يـقدِّم وردةً
فلربّما يصفـو لـه إعجـابُها
إعجابُ ساجيةِ اللحاظِ،
كنائسٌ في روحها،
ويضمُّها محرابُها
ولربّما وَثِقَتْ بصدقكَ في الهوى
في آيتينِ: تحبُّها، وتهابُها
فتقومُ،
في يدها مفاتيحُ الرؤى
مزدانةً آفاقُها ورحابُها
وتقولُ: هيتَ لك المفاتنَ كلَّها
هذي دمشقُ،
وهذه أبوابُها
***
ويطلّ من عليا البيوتِ بها فتى
خيّلتُه مُلقىً عليه إهابُها
شربتْ ملامحُه الجمالَ بكأسها
ورقى الشعورُ، فمرتقاهُ حَبابُها
حتى استوى شِعراً،
تقطّرَ فوق ما حلمتْ دوالٍ،
واشتهتْ أعنابُها
شِعراً هو السحرُ العجيبُ،
إذا عرا نفْساً،
فما تدري الذي ينتابُها
حـليتْ قصائـدُهُ، كأنّ غيـومَـها
بلمى الشموسِ مذهَّبٌ تسـكابُها
هطلتْ،ملوّنةً،فأصبحَ موجزًا،
بالرسـم في كلماتهِ، إسـهابُها
هو شاعرٌ، جاءَ القريضَ، وقبّةٌ
لشـيوخـه ضُربتْ لهم أطنـابُـها
من كلِّ عملاقِ القصيدِ،
كأنّه مَلِكٌ،
تُساقُ إلى حِماه ركابُها
خالوا القوافي من عِداد عبيدهمْ
وتخيّلتهمْ أنَّهمْ أربابُها
وهمُ ـ وأيمُ الحقّ ـ أهلُ جمالِها
وجـلالِـها، وعـداهـمُ أغـرابُـها
حطّتْ رواحلَها البلاغةُ بينهمْ
وتـنسَّـبتْ، فـإذا هـمُ أنسـابُها
حتّى أتى، وعلى يديه حريرُها
وسوارُها
وعقودُها
ومُـلابُها
فاهتزَّ عرشُ الشعرِ،
لا متزعزِعًا وجَلاً،
ولا من ريبةٍ يرتابُها
لكنّه طرَباً تمايلَ بعدما
لعبتْ ببال صنوجِه أطرابُها
***
إيهٍ (نزارٌ) حسبُ شعرِكَ رائداً
للحبِّ أرضاً كان طالَ يـبـابُـها
فكشفتَ ألوانَ الجمالِ لأعينٍ
ظمئتْ،
ولم تُسقَ الجمالَ رِغابُها
نظرتْ،
فألفَتْ ظُلمةً مسلولةً
دون الجمالِ سيوفُها وحرابُها
فتكفكفتْ أشواقُها،
وتحمّلتْ وجعَ الظلامِ بأعينٍ أعصابُها
وإذا النفوسُ تفقّدتْ شمساً،
ولم تلقَ،
استضاف عماءها سردابُها
فمباركٌ طفلٌ بأعين شاعرٍ
بعثَ الحياةَ سؤالُه
وجوابُها
ومباركٌ هذا الأميرُ،
تزيّنتْ كُرمى لـه،
وتعتّقتْ أكوابُها
وأنابَ سيافٌ،
فأغمدَ سيفَه خجلاً،
وأعلنَ أنّه بوّابُها
***
اللهَ للشعرِ..
الحياةُ بدونه سِيَّيْنِ كان حضورُها وغيابُها
هو ماؤها ونماؤها،
حتّى إذا خَطْبٌ ألمَّ بأرضها،
فعُقابُها
يهـتـزُّ منتفضاً،ويُشـهرُ روحَـه
سـيفًا،لكي يبقى العزيزَ جنابُها
و(نزارٌ) السيفُ المجرَّدُ، ذادَ عن
شرف العروبةِ حين حُمَّ ضرابُها
شأنَ العظيمِ إذا استُبيحتْ أرضُه
فمصابُه في النائبات مُصابُها
و(نزارٌ) الألمُ العميقُ بأمّةٍ
خذلتْ دماءَ رجالِها أعرابُها
و(نزارٌ) الليلُ الطويلُ عتابُه
لو شدّ نفسًا للملام عتابُها
لكنّه، و(دمشـقُ) في أحـداقِـهِ
أغفتْ، وأغفى يحتويه ترابُها
ثاوٍ،
يمدُّ بنسغه أشجارَها
كي يستظلَّ بظلّه أحبابُها
وغداً إذا وقفَ الزمانُ بدِمنَةٍ
طُلَّتْ،
ورِيحَتْ بالشذا أعشابُها
ورنا إلى الورد الدمشقيِّ الذي
حفَلت بنشرِ عبيرِه أعتابُها
وتمثّل الشعرَ العظيمَ وشاعراً
هو كلّما دجتِ الخطوبُ شهابُها
سيطيلُ وقفتَه الزمانُ، ويزدهي
قـمـمَ الخـلودِ بشـاعرٍ ترحـابُـها
ويطلُّ رهطُ الخالدين، فقائلٌ:
من ذا؟ ويشدَه أعينًا ترقابُها
حتى إذا وضَحتْ ملامحُ وجهِهِ
وإنجابَ عن قممِ الخلودِ ضبابُها
ذُهلوا! أهذا كلُّه في شاعرٍ؟
هذي دمشقُ… وهذه أبوابُها