منير الربيع
ليس ما وصلت إليه الأزمات اللبنانية المتوالية نتاجَ لحظة أو وليد موقف. إنه مسار تراكمي لطريق طويل من الإخفاقات، خصوصاً لمن يعتبرون أنفسهم معارضون لحزب الله. لم ينجح هؤلاء ببناء مشروع سياسي قادر على إحياء التوازن مع الحزب. وحتى عندما اعتبروا أن علاقاتهم مع الغرب، الفرنسيين والأميركيين، قادرة على جعلهم حاضرين على طاولات التفاوض والبازارات السياسية، اكتشفوا خطأهم سريعاً. إذ غالباً ما كانت تنحصر المفاوضات بين هؤلاء الحلفاء الخارجيين وحزب الله بشكل مباشر، وعلى حسابهم.
بازار هزيل
أنتج هذا الضعف السياسي معادلة تحتوي على الكثير من الحقائق المتجهمة ومن السخرية في آن. الأزمة الأخيرة التي حصلت مع دول الخليج أدت إلى معادلة لا بد من تأملها لفترة طويلة، وقراءة معالمها. الحكومة اللبنانية التي تعتبر مؤيدة لحزب الله وتحظى بدعمه وحرصه ورضاه، أصبحت بحاجة إلى مساندة أميركية لتحافظ على نفسها. وجد رئيسها نفسه مرمياً بين أحضان الحزب ويدي الأميركيين والفرنسيين.
الأزمة الديبلوماسية مع السعودية ستكون طويلة جداً. ولم تعد تقتصر على استقالة جورج قرادحي ولا حتى على استقالة الحكومة. صحيح أن هناك محاولات لفتح بازار تفاوضي كثمن لاستقالة قرداحي. لكنه بازار هزيل، ومن شأنه أن يطيل أمد الأزمة. وتتفرع منه شروط وشروط مضادة إلى أن تحين لحظة التفاوض الجدية. ولذلك كل طرف يسعى أو يسارع إلى تجميع أكبر كم من الأوراق إلى أن تأتي تلك اللحظة.
الرهان على الأميركيين
لا تريد السعودية المشاكل في لبنان، إنما إستعادة التوازن في البلد. بدأت التراكمات منذ تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، وأرسل للسعوديين رسائل بأنه لن يشكل حكومة من دون موافقتهم ورضاهم. ولكن عندما جاء التطبيق العملاني لم يأخذ الموقف المناسب، فيما كانت السعودية تنتظر منه مواقف لم تطلبها لتحديد الموقف الأساسي من الحكومة. وتوالت الأزمات مع إدخال المحروقات الإيرانية، في ظل موقف مائع جداً لميقاتي. إلى أن وصلت أزمة قرداحي، فيما هو لم يقم بأي فعل أساسي. لذا، يعتبر السعوديون أن ميقاتي هو صاحب وجهة نظر النأي بالنفس، لكنه لم يمارسه في حكومته الجديدة.
ويرى السعوديون أن ميقاتي يراهن على الفرنسيين والأميركيين، علماً أنه كان قادراً على الارتكاز عليهم لو تعاطى بجدية. وبمعنى ما يوقولون حالياً: فليذهب إلى الرهان على الأميركيين، وليرَ ما الذي سيحققه. المعيار الأساسي لديهم هو تصحيح مسار رئيس الحكومة أولاً والالتزام بمواقف جدية توحي بالثقة، المنعدمة أساساً. هنا تظهر إحدى أبرز مفارقات السياسة اللبنانية. إذ أن ميقاتي لجأ إلى الاميركيين وطلب مساعدتهم ووساطتهم، وفي الوقت نفسه يبقى إلى جانب حزب الله. وحرصه على الحكومة يوصله إلى الحرص على العلاقة مع الحزب والحاجة إليه للحفاظ على بقائه رئيساً للحكومة. حتى الوساطة الأميركية التي طلبها ميقاتي من واشنطن، سيكون لها ثمن مقابل. بمعنى أن ميقاتي يجتمع مع الفرنسيين على إبقاء الحكومة، ويلجأ الطرفان إلى واشنطن للمساعدة مع السعودي في سبيل تخفيف إجراءاتها وضغوطها. يتحرك الأميركي على الخطين، يستفيد من الضغط السعودي ومن حاجة باريس وميقاتي. وأي حركة ستقوم بها واشنطن سيكون لها ثمن تطالب به، وهي المهتمة جداً بملف ترسيم الحدود، وتراهن على هذه الحكومة لحلّ تلك المعضلة.
يفتح ذلك أبواباً على ملفات كثيرة أكثر تعقيداً، ستؤدي إلى المزيد من الخلافات السياسية والتفكك.
الدولة الفاشلة
هذه المعادلة القائمة، والتي تتضح أكثر فأكثر، تشير إلى أن لبنان يتجه ليكون دولة فاشلة، قوام ديمومتها يرتكز على أموال المساعدات والإغاثة. وهذه وحدها كفيلة بالإيضاح أن لبنان أصبح دولة فاشلة، لن يتميز بعد اليوم عن مصير سوريا، واليمن.. بخلاف العراق الذي بدأ يتخذ وضعيات جديدة تقوم على مبدأ تحسين علاقاته وتغيير ظروف سياسته الخارجية.
المصدر: المدن