عدنان أبو عامر
يراقب الإسرائيليون في الآونة الأخيرة جملة من التحركات التي تبذلها عدة دول عربية في محاولة منها لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية بعد طرده منها قبل عقد من الزمن، وتتزامن هذه المتابعة الإسرائيلية مع قرب انعقاد القمة العربية في الجزائر نهاية نوفمبر.
تجري هذه التحركات العربية بعد حرب دامية شهدتها الأراضي السورية استمرت عشرة أعوام، وبعد نصف مليون قتيل سوري، وملايين من اللاجئين السوريين، وبدأت بعض عواصم المنطقة بالحديث عن محاولات إعادة تمثيل النظام في الجامعة العربية، وتجد إسرائيل نفسها أمام مفترق طرق إزاء هذه التحركات، وتسعى لربطها مع استمرار مساعي بعض دول المنطقة للتطبيع معها، وهو هدف يتقاطع معه الجانبان في السعي لإنهاء حالة الفوضى التي خلفتها سنوات الحرب.
تشهد إسرائيل ذاتها، من خلال المحافل الدبلوماسية والأوساط الأمنية، نقاشات متلاحقة حول مصالحها أو عدمها من هذه الجهود العربية تجاه إعادة استيعاب نظام الأسد، رغم أن هدفها الأساسي يتمثل في الحد من النفوذ الإيراني لدى جارتها الشمالية، ولذلك يصعب القول إن الجهود التي تبذلها بعض دول الخليج ومصر والأردن لإعادة نظام الأسد للجامعة العربية تتم بمنأى عن إسرائيل، مع العلم أن الدول العربية لم تتوافق على عودة نظام الأسد للجامعة العربية، رغم وجود عدد منها يرغب في إعادة إحياء العلاقات معه، وهناك دول ترى أن الوضع ليس ناضجاً بعد لعودته للحظيرة العربية.
تزايد المؤشرات
رصدت الأوساط البحثية والأكاديمية الإسرائيلية مجموعة من التطورات الميدانية التي قد تمهد الطريق لإعادة نظام الأسد للجامعة العربية، ذكر بعضها المستشرق الإسرائيلي إيلي فوده أستاذ الدراسات الشرق أوسطية بالجامعة العبرية في ورقة بحثية نشرت مؤخرا، ومنها:
الإعلان في سبتمبر/أيلول 2021، عن توريد الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، بهدف التخفيف من أزمة نقص الطاقة في لبنان، والحد من نفوذ إيران وحزب الله في سوريا.
غض الطرف الأميركي عن الملف السوري، وتراجع تنفيذ العقوبات الاقتصادية على النظام، التي بدأت أيام الرئيس السابق باراك أوباما عام 2011، وتكثفت في أيام الرئيس السابق دونالد ترامب من خلال سن “قانون قيصر” الصادر في عام 2019.
تطور المواقف العربية من انتقال الدعوة لإعادة نظام الأسد للجامعة العربية، إلى فتح بعض العواصم لسفاراتها من جديد في دمشق، خاصة الإمارات العربية المتحدة والبحرين.
عيّن الأردن ممثلًا دبلوماسيًا في دمشق برتبة مفوض، وفي 2020 أعاد سفيره إليها، وفتح المعبر الحدودي بينهما لمرور البضائع، وصولا لدعوة الملك عبد الله في اجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن في يوليو 2021 لإجراء حوار مع الأسد، وانتهاء باستئناف الرحلات التجارية بين عمان ودمشق.
اتخذت السعودية بعض ما يمكن وصفها بـ”إجراءات بناء الثقة” مع نظام الأسد، ففي أوائل 2020، سُمح للشاحنات السورية بدخولها؛ وانتهى اجتماع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بنظيره الروسي سيرجي لافروف، بدعوة لـ”عودة سوريا إلى الأسرة العربية”.
اقتراب مصر والعراق من نظام الأسد، فقد صرح رئيس الوزراء العراقي الكاظمي أن مؤتمر القمة في أغسطس، ناقش من بين أمور أخرى، فتح صفحة جديدة في العلاقات مع سوريا.
المصالح الإسرائيلية
لا يتسع المجال لاستعراض المواقف المختلفة من عودة نظام الأسد للجامعة العربية، لكن المحافل الإسرائيلية وضعت يدها على مجموعة من الذرائع التي يمكن تسويقها لتحقيق تلك العودة، وتتمثل في النقاط التالية:
الزعم القائل بأن الحرب التي تشهدها سوريا منذ 2011 تدور بين نظام الأسد وقوى “إسلامية راديكالية”، وهي حجة تجد فيها العواصم العربية، وإسرائيل معها، مسألة مقنعة، على الأقل من وجهة نظرها، وليس سراً أن العواصم العربية الناشطة في جهود إعادة نظام الأسد للجامعة العربية، وبجانبها إسرائيل، تخوض صراعات مع الحركات الإسلامية والتنظيمات الجهادية، مما جعل هذه الأطراف مجتمعة: الدول العربية ونظام الأسد وإسرائيل معاً، ترى في الأسد شريكا لها في صراعاتها الداخلية، وربما يعتبرونه متفوقا عليهم في قدرته على استئصال شأفة المعارضة السياسية من الداخل، ولو كان الثمن فاق قدرة السوريين على تحمل أعبائه.
تنتمي إسرائيل مع عدد من دول الخليج ومصر والأردن إلى معسكر الدول العاملة على إضعاف المحور الإيراني في المنطقة، ويأملون أن تكون العلاقات المتجددة مع نظام الأسد رافعة لتعزيز نفوذهم في دمشق على حساب طهران وحزب الله، لا سيما بالتزامن مع إعلان الأخير أن خزانات الوقود الإيرانية وصلت لميناء بيروت لحل أزمة الطاقة الحادة في لبنان، ورغم التهديدات الإسرائيلية باعتراض هذه السفينة، لكنها مرت، واضطرت إسرائيل لـ”بلع لسانها”.
تأمل إسرائيل ومعها الدول العربية ذاتها الداعمة لإعادة نظام الأسد للجامعة العربية، أن تشكل هذه الخطوة عاملا جديدا في تقليل نفوذ تركيا، خاصة في شمال سوريا، لأن أنقرة باتت من الفواعل الرئيسة في الملف السوري، وفي حين أن عددا لا بأس به من الدول العربية، ومنها الأساسية، باتت تتفرج على ما تشهده دمشق من أحداث عسكرية ميدانية من جهة، وحراك سياسي دبلوماسي من جهة أخرى، فإن أنقرة تعتبر عنصرا أساسيا في أي معادلة يتم رسمها لمستقبل سوريا، إن لم تكن تشارك أساسا في صياغتها، مما يثير غضب إسرائيل، وقلقها.
تقدر إسرائيل حاجة نظام الأسد، واهتمامه بشكل أساسي بالدور الخليجي المأمول لإعادة إعمار البلاد بعد الدمار الذي تسبب به القصف الروسي والعمليات الحربية التي نفذتها الميليشيات القادمة من وراء الحدود، على أمل تلقي مساعدات إنسانية لإعادة تأهيل البنية التحتية والاقتصاد، بما يتجاوز قدرات إيران وروسيا، وقد تكون إسرائيل معنية أكثر من سواها بزيادة الدور الخليجي لتمويل إعادة الإعمار لدى جارتها الشمالية.
ترويض النظام
ترى إسرائيل أن أي تحول سوري للعودة إلى الجامعة العربية، خاصة في ضوء أن الدول الناشطة في هذا الملف لها علاقات مفتوحة أو سرية معها، مرحب به، ربما، ومن يعلم، تمهيدا لإمكانية القيام بعملية ترويض للنظام السوري للابتعاد تدريجيا عن المحور الإيراني، ولعل موقف دمشق “الصامت” من التطبيع الخليجي مع إسرائيل كان لافتا، مما قد يفتح شهية الإسرائيليين وحلفائهم في المنطقة لإمكانية البدء بعملية تدريجية مع دمشق نحو هذا المربع، وإن كان بخطى وئيدة.
اليوم، وبعد مرور أكثر من عقد على اندلاع الثورة السورية، وصلت الجامعة العربية، أو على الأقل الدول النافذة فيها لقناعة مفادها أن نظام الأسد استطاع البقاء بعد هذه الحرب، ولو أنه يعيش بـ”عكاكيز” صناعية، ولو كانت على أنقاض مئات آلاف الشهداء السوريين، وأضعافهم من الجرحى واللاجئين، وبالتالي فإن من مصلحة هذه الدول الاعتراف به، والتعاون معه ضد التحديات والتهديدات التي تشهدها المنطقة، ليس من بينها التهديد الذي تمثله إسرائيل بالتأكيد، التي تبدو شريكة مع تلك الدول ونظام الأسد في مركب واحد ضد هذه التحديات.
تستحضر إسرائيل نموذج النظام المصري لتشجيع الجهود العربية بإعادة نظيره السوري للحظيرة العربية، فقد تم تعليق عضوية القاهرة من الجامعة بسبب اتفاق السلام مع إسرائيل، ومر عليها أقل من عقد كامل، حتى عادت إليها في عام 1989، ليس ذلك فحسب، بل أصبحت القاهرة هي المقر الرئيسي للجامعة العربية، بعد تجديد العلاقات الدبلوماسية بشكل تدريجي، وبات الأمناء العامون للجامعة من المصريين، والمصريين فقط.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا