أدى ظهور ملامح «هيمنة» الشرطة الروسية في قاعدة حميميم على مدينة اللاذقية ومينائها على الساحل السوري بعد استهدافه مؤخراً من قبل إسرائيل، إلى حالة قلق سادت أغلبية الأهالي من تكرار «سيناريو ميناء طرطوس» عندما تعمدت الشركة الروسية «المستأجرة» له مضايقة آلاف العمال السوريين بهدف إجبارهم على الاستقالة.
وميناء اللاذقية أكبر وأبزر ميناء في البلاد، ويتسع لـ620 ألف حاوية و23 رصيفاً، وتتولى السلطات السورية تشغيله، وهو الشريان الحيوي شبه الوحيد المتبقي لتزويد الحكومة السوية بالبضائع في ظل الحصار الغربي والإقليمي المفروض عليها. ويقع على بُعد كيلومترات من قاعدة حميميم العسكرية الروسية التي تستضيف منظومتي صواريخ «إس300» و«إس400» المتطورتين.
وتعدّ إيران الحليف الإقليمي الرئيسي لدمشق، وقدمت لها منذ بدء النزاع في عام 2011 دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وقد بادرت في عام 2011 إلى فتح خط ائتماني لتأمين احتياجات سوريا من النفط بشكل خاص، قبل أن ترسل مستشارين عسكريين ومقاتلين لدعم الجيش السوري في معاركه. وقد ساهم هؤلاء في ترجيح الكفة لصالح القوات الحكومية على جبهات عدة.
وبعدما وقع البلدان اتفاقات ثنائية عدة، تضمنت إحداها مطلع عام 2019 تدشين «مرفأين مهمين في شمال طرطوس وفي جزء من مرفأ اللاذقية»، اجتمع منتصف الشهر الحالي السفير الإيراني لدى سوريا، مهدي سبحاني، مع محافظ اللاذقية عامر إسماعيل هلال، لبحث إمكانية «التعاون والاستفادة من المقومات الاقتصادية، وإنشاء معامل للنفايات الصلبة ومنشآت صناعية للعصائر والفواكه المجففة في الساحل السوري، وتحديداً في مدينة اللاذقية، واستخدام مينائها لعمليات الاستيراد والتصدير»، بحسب بيانات رسمية في دمشق.
وبعد تعرض ميناء اللاذقية لجولتي قصف من إسرائيل؛ الأولى في يوم 7 والثانية في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قيل إنهما استهدفتا «حاويات سلاح إيراني»، سيرت الشرطة العسكرية الروسية في 19 يناير (كانون الثاني) الحالي دورية مشتركة مع الجيش السوري النظامي في ميناء اللاذقية. وعدّت مصادر سورية معارضة وقتذاك الخطوة الروسية «إجراءً عسكرياً يرمي إلى نشر نقاط مراقبة في الميناء، وبوادر سيطرة روسية عليه».
وتقول لـ«الشرق الأوسط» مصادر أهلية من مدينة اللاذقية: «المواسم (الزراعية) انضربت، وآلاف العمال (السوريين) يشتغلون في الميناء وهو مصدر رزقهم الوحيد». وتضيف: «الناس ضايجة (منزعجة)، وخايفة من انقطاع مصدر رزقها متل (كما) ما صار بميناء طرطوس لما (عندما) قلعت (طردت) روسيا العمال السوريين. الناس بدها (تريد) بقاء إدارة الميناء سورية».
واستأجرت روسيا في ربيع عام 2019 ميناء طرطوس في سوريا لمدة 49 عاماً، ونص الاتفاق على تولي موسكو مهام توسيعه وتحديث إمكاناته. وأقر مجلس الشعب السوري (البرلمان)، مشروع القانون المتضمن تأجير المرفأ.
واستند مشروع القانون إلى ما تضمنه «بروتوكول التعاون» للدورة الـ11 لـ«اللجنة السورية – الروسية المشتركة»، التي عقدت اجتماعها في منتصف ديسمبر عام 2018.
ويتضمن البروتوكول إدارة القسم المدني في مرفأ «طرطوس» من جانب شركة «STG – E (ستروي ترانس غاز – إنجينيرينغ)» الروسية.
ومع التصديق الرسمي للعقد بين شركة «STG – E (ستروي ترانس غاز – إنجينيرينغ)» الروسية و«الشركة العامة للموانئ السورية»، في 17 يونيو (حزيران) 2019، صدر قرار بتحويل العاملين في المرفأ من دائمين، وفق «قانون العاملين الأساسي في الدولة» الذي يضمن حقوق العمال ويقيهم الفصل، إلى مؤقتين، وفق القانون رقم «17» لعام 2010 الناظم لعمال القطاع الخاص، الذي توجد فيه ثغرات كبيرة تسمح لصاحب العمل بالاستغناء عن العمالة، وذلك تحضيراً لصرف 70 في المائة منهم، ربما على دفعات.
كما حرمت «STG – E (ستروي ترانس غاز – إنجينيرينغ)» بعض الفئات من الوجبة الغذائية اليومية وخفضت قيمتها من 700 ليرة سورية، إلى 100 ليرة (الدولار الأميركي يساوي أكثر من 3500 ليرة حالياً) لمضايقة العمال ودفعهم للاستقالة.
وفي فبراير (شباط) عام 2020، طردت الشركة 3600 عامل سوري كانوا يعملون في المرفأ قبل «استئجاره» من قبل روسيا، مما استدعى تدخل الحكومة السورية للتوسط لعودة العمال.
واشتكى عمال المرفأ في منتصف عام 2020 من أن الشركة المشغلة لا تعطي العمال إيصال قبض بالراتب، كما أنها لا تعطي الأجر المتحول للعمال.
وذكروا أن الشركة أجلت صرف الحوافز للعمال شهراً بعد آخر، بحجة وجود خلل في المنظومة وخطأ من موظفي المالية.
المصدر: الشرق الأوسط