أحمد مظهر سعدو
يومًا إثر يوم يكتسب بشار الأسد سماتًا وصفاتًا جديدة، وتتم عولمته على أساس تخطيه كل الآخرين الذين يشبهونه، فيحصل على ألقاب جديدة تضاف إلى سجله الحافل بمثل هذه الصفات والألقاب، فمن الكيماوي إلى قاتل شعبه إلى الإرهابي إلى ملك الكبتاغون، وهي آخر صفاته المعولمة التي وضعته في سياقات ملوك الحشيش والمخدرات الكولومبيين في العالم بل يتخطاهم قليلًا في كثير من المناحي.
كانت سورية أيام أبيه حافظ الأسد بلادًا لعبور المخدرات وتوزيعها على العالم، لكنها اليوم وبوجود بشار الأسد وحاشيته ومليشياته أصبحت وطنًا للعبور والانتاج أيضًا، فقد وضع سورية في مصاف الدول المنتجة والمصنعة للكبتاغون، والمصدرة كذلك، وباتت ملايين حبات الكبتاغون/ السم القاتل يتم توزيعها على العالم من الأراضي السورية التي يحكمها بشار الأسد، فمن بواخر تصدرها إلى أوروبا (اليونان وإيطاليا) ـ إلى حدود منتهكة ومفتوحة تشبيحيًا نحو الأردن تصديرًا بالقوة والعنوة باتجاه سوق دول الخليج العربي، عبر الحدود الأردنية التي يراها الأسد وشبيحته ضعيفة ورخوة ومستباحة كي يرسل عبرها مواده المخدرة المصنَّعة في معامل الكبتاغون السورية الأسدية في مصانع الساحل السوري، إلى حيث البلدان المستقبلة لهذا السم الزعاف، ليساهم مرة أخرى في تصدير المقتلة الأسدية للشعوب العربية، وهذه المرة عبر المخدرات كسم قاتل، بعد أن اتسمت سنواته العشر المنصرمة بسمة المقتلة الأسدية لشعبه في جل الجغرافيا السورية.
لكن يبقى السؤال قائمًا لماذا أصبحت سورية على أيدي بشار الأسد بلدًا مشوه السمعة ويُنظر إليه عالميًا على أنه يشبه كولومبا في تصديره وتصنيعه لمادة المخدرات القاتلة، ولماذا تزداد تجارته هذه اضطرادًا رغم كل العقوبات (القيصرية) وسواها وعلى مرأى من العالم برمته، دون القدرة على ضبطه ومنع اشتغاله بهذه التجارة المحرمة دوليًا. ونعتقد أن ذلك يعود لأسباب كثيرة نذكر منها:
- إن نظام الأسد استفاد من التجربة الأفغانية، يوم شعرت الولايات المتحدة الأميركية بثقل فاتورة الصرف على الحرب الأفغانية ضد الوجود السوفياتي الاحتلالي، فأخذت بنصيحة الرئيس المصري أنور السادات (حسب وثائق حسنين هيكل)عندما اقترح على الأميركان تنمية وتشجيع زراعة وتجارة الحشيش وهي مادة متوفرة في الأراضي الأفغانية، حيث استطاعت هذه الزراعة والتجارة أن تكفي الحرب هناك تمويلًا ودعمًا دون الحاجة إلى الأموال الأميركية.
- عندما توقف الخط الائتماني الإيراني عن الاستمرار في دعم الخزينة السورية لتمويل الحرب الأسدية ضد السوريين، بعد صعود أصوات كثيرة في إيران تنادي بتحويل الأموال الإيرانية إلى الداخل الإيراني الذي يعاني كثيرًا نتيجة أوضاع اقتصادية بائسة، فالأَولى هو الداخل الإيراني، وليس ضخ الأموال نحو لبنان وسورية واليمن. وهو مادفع النظام السوري إلى البحث عن موارد مالية أخرى تدعم وتغطي حربه ضد شعبه.
- امتناع وعدم قدرة الاتحاد الروسي عن الاستمرار في ارسال السلاح بلا مقابل أو على أساس الدفع دينًا وإلى أجل غير مسمى، وأيضًا نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها روسيا، وهي بالأساس لم تأت إلى سورية إلا من أجل مصالح نفعية براغماتية وليس من أجل الصرف على حرب لاطائل منها.
- وجود ميليشيات على الأراضي السورية لها خبرة طويلة في زراعة وتجارة المخدرات، وهي التي نصحت مليشيات الأسد باتباع (خط ائتماني جديد) هو خط المخدرات الأكثر سهولة والأكثر مضاءً في إعادة قيام الأجهزة الأسدية المنهارة، ونعني هنا مليشيات حزب الله اللبناني التي خبرت طويلًا (وعبر سنوات وجود قوات الأسد في لبنان) زراعة كل أراضي البقاع اللبناني بنبات الحشيش ذي الشهرة العالمية.
- بالإضافة إلى ذلك فإن الحرب واستمرار استيلاد مليشيات تابعة لآل الأسد في الساحل السوري وفي ريف السويداء وفي غير مكان من سورية، وقدرتها على التخفي هي ومصانعها هناك، مكنها من التفكير جديًا وعملانيًا في تصنيع الحبوب التي باتت التجارة العالمية الأغلى بعد الذهب والألماس، وهي الأسهل تصنيعًا لدى مليشيات الأسد.
- وجود الحدود المفتوحة القريبة من تمركز عناصر حزب الله في الجنوب السوري والمنفلتة من عقالها في غياب الدولة كلية، والاستعاضة عنها بمليشيات إيرانية وأفغانيىة ولبنانية وعراقية همها الأساس هو الربح، وليس همها الوطن السوري، بوجود السم القاتل، أو السمعة السيئة عالميًا والمكتسبة جراء هذه التجارة.
كل ذلك وسواه ساهم بدفع النظام الأمني السوري وعصاباته ومليشياته، وعبر نهج متفق عليه من رأس النظام وأجهزته الأمنية، إلى الاستسهال والخوض في جريمة تصنيع وتصدير الكبتاغون، بالرغم من تأثيرها على سمعته وتشويه أي سمة للوطن السوري عالميًا وهي سمعة لن تزول بسرعة، أي بمجرد زوال النظام، بل ستبقى ملتصقة بالواقع السوري إلى عشرات السنين. كما هو حال أفغانستان وحال كولومبيا ودول أخرى شبيهة.
وإذا كان لم يعد يهم النظام السوري سمعته التي أضحت في الحضيض، لكن يُفترض أن تهمه مسارات التطبيع التي تسير بتؤدة بينه وبين بعض الدول العربية وهي التي ارتضت لنفسها العودة إلى فتح سفاراتها في دمشق، ومد يد التواصل والتعاون مع هذا النظام القاتل لشعبه، حيث ليس معقولًا بعد اليوم القبول باستمرار سياسات التطبيع مع نظام يصدر المخدرات إليها وإلى شعبها، ونعني بذلك دول الأردن وبعض دول الخليج العربي التي بدأت التطبيع معه منذ فترة ليست بالبعيدة، وصمتت أميركا عن هذا المسار التطبيعي، لأن المسألة اليوم باتت تطال كل دول الخليج أمام انكشاف وفضح العشرات (وبشكل يومي) من عمليات التهريب للمخدرات من قبل نظام الأسد إلى اتجاه واضح وموجه وهو سوق الخليج العربي بكليته.
ملك الكبتاغون كما يتضح لم يعد يهمه أبدًا كل ذلك، إذ المهم لديه هو سد العجز والانهيار الاقتصادي الذي قد يودي به وبنظامه إلى مزابل التاريخ، إن لم يجد ما يدعم خزينته الفارغة، وإن عجز عن إيجاد موارد تمول سلاحه لقتل شعبه في إدلب وكل الشمال السوري، في ظل غياب وعدم موافقة الدول العربية على مسألة إعادة الإعمار التي تنتظرها روسيا بفارغ الصبر وصولًا إلى دعم اقتصاداتها المتصدعة، وكذلك الدولة الايرانية التي تنتظر هي أيضًا اقتسام الكعكة السورية.
وكي يبقى ملك الكبتاغون متسيدًا متربعًا على تلته، وحاكمًا شكليًا للوطن السوري، سيبقى في أمس الحاجة إلى موارد مالية تدعم بقاءه ووجوده، ولايبدو حتى الآن أن هناك موارد أخرى بديلة يمكن أن تعوضه ماستدره عليه تجارة وتصنيع الكبتاغون وكل أنواع المخدرات والحشيش الحزب اللاتي. وسوف يظل في عملية استمرار لسياساته الكبتاغونية التي أصبحت سمة وجوده وتجاراته الرابحة، (كعصابة وليس كدولة) لم يعد يهمها أبدًا إلا الربح والكسب غير المشروع.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا