محمد عمر كرداس
مع نشوء البشرية واستقرار المجتمعات وتطورها ظهرت الأديان البدائية التي توجهت لتقديس القوى الخارقة كالشمس والريح وغيرها من قوى الطبيعة ومع استمرار التطور والاستقرار ظهرت أديان تجسدت بآلهة بشرية هذه المرة كإله الخصب وآلهة الحب انتشرت تعاليمها التي وضعها بشر تميزوا في مجتمعاتهم بالثقافة والعلوم في تلك الأيان ومع نشوء الدول والحدود والجيوش والملوك نصب البعض أنفسهم كملوك وآلهة كمثال فراعنة مصر ونمرود مابين النهرين حسب الروايات التاريخية، وبذلك تم دمج الدين مع السياسة بالسلطة وأصبح هناك الكهنوت والتعاليم والسماح والمنع وواجبات الطاعة والولاء والخضوع، ثم وضعت القوانين والتشريعات والجزاءات والعقوبات.
إلاّ أن بدء ظهور الأديان السماوية بعد تمهيد من بعض الرموز المجتمعية، تراجعت الديانات البدائية لتحل محلها الأديان السماوية التي دعت إلى مكارم الأخلاق حسب ما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء(جئت لأتمم مكارم الأخلاق ) كما وضعت الشرائع والنصوص كالدين اليهودي والذي أتى بعده الدين المسيحي ليصحح بعض المفاهيم وليخفف التشدد في الدين اليهودي ولم يأت المسيح بكتاب سماوي بل نشر أتباعه تعاليمه بعد غيابه فانتشرت المسيحية على يد هؤلاء الأتباع من الشرق إلى الغرب وسرعان ماتلقفت السلطات السياسية بالشراكة مع السلطات الدينية هذه الدعوة ليتحكموا بمصائر البشر وحياتهم وتقييد حريتهم وفرض قوانينهم على الحياة حتى وصلت بهم الأمور إلى احتكار الجنة وأصبحوا يبيعون القصور والأراضي فيها بصفتهم مفوضين من الرب بالثواب والعقاب. ووقفوا بمجابهة العلم وحاكموا العلماء باسم الهرطقة وكانت الغاية الأساسية إحكام سيطرتهم على المجتمع بإبقائه يغوص في الجهل ويبتعد عن العلم إلى أن جاء عصر التنوير فخلَّص الشعوب من سطوة الكنيسة وتحالفها مع السلطة وأصحاب المال لتفصل الدساتير الحديثة بين الدولة والدين وتتركه شأنًا شخصيًا حتى أنها سمحت بالإلحاد كحرية شخصية.
جاء الإسلام كخاتم للأديان السماوية شاملاً البشرية وتعتبر اليوم أكثر من ستين دولة يدين أكثرية مواطنيها بالإسلام. وإذا كان حديثنا اليوم بهذا الحيز المحدود سيكون عن سورية ومدى ارتباط الدين بالسياسة في الواقع السوري فإننا نقول: لن نخوض في التاريخ عميقًا فالسلطات في سورية تاريخيًا كانت سلطات تدمج الدين بالسياسة وتسيطر السلطة على الاثنين ولم يختلف الوضع إلا بعد انتهاء السلطة العثمانية .
مع الاستقلال وقيام المملكة السورية خلا الدستور من الإشارات الدينية مع أن الملك كان من الحجاز ومن الأشراف ومع مجيء الاحتلال الفرنسي وقيام الثورات ضد المحتل كانت الشعارات الأساسية شعارات قومية عربية شاركت بها كل مكونات المجتمع السوري بمختلف أديانه وأثنياته. إلى أن جاء حزب البعث والأخص حكم حافظ أسد وعائلته فقمع المجتمع المدني والأهلي بشكل وحشي لم يعرف له التاريخ مثيلًا حتى أيام التتار وحتى المجموعات الدينية كان لها النصيب الكبير من هذا القمع، وحتى يحكم سيطرته على البلاد والشعب سيطر على المؤسسة الدينية وجعلها ناطقة باسمه وتابعه له، وكل التشكيلات التي ابتدعها من قبيسيات ومعاهد دينية كانت بهدف السيطرة والتجهيل /فقد كانت المتاجرة بالدين هي التجارة الرائجة والتي تسهل إحكام السيطرة على المجتمعات وقديمًا قال الفيلسوف العربي ابن رشد إذا أردت الترويج لفكرة فغلفها بغلاف ديني. فهذا الحزب الذي يعتبر نفسه أبو العَلمانية سيَّس الدين ليسيطر عليه ومن خلاله على عقول البشر فالمقدس دائمًا أقوى من الأحكام العرفية والأحكام العسكرية، فجزء كبير من مجتمعنا مازال يسهل السيطرة عليه بالمقدس حتى الذي تزيفه السلطة ولن يكون من السهل فك الارتباط بين السلطة والدين ولن تتوقف السلطة عن التدخل بالدين إلاّ بقيام دولة الحق والعدل دولة فصل السلطات والحرية الدينية والسياسية الدولة الوطنية الديمقراطية لنحفظ للدين جوهره الذي جاء لسعادة البشر وليس لقمعهم وإذلالهم ولتكون السلطة والسياسة في خدمة الشعب وليس لاضطهاده وقمعه ونهبه.
المصدر: اشراق