عدنان أبو عامر
تزايدت التخوفات الإسرائيلية من توصل حكومة الاحتلال إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية حول “دولة واحدة ثنائية القومية”، بدلا من حل الدولتين.
وتقول أوساط إسرائيلية إنه في حال تحقق هذا الطرح، فسيتم القضاء على حلم “المشروع الصهيوني الذي ظهر منذ أكثر من مئة عام”.
مايكل ميلشتاين مستشار وزير الحرب السابق للشؤون الفلسطينية، والباحث في مركز ديان بجامعة تل أبيب، ومعهد السياسة والاستراتيجية (IPS) بجامعة رايشمان، ذكر في مقال على موقع القناة 12، ترجمته “عربي21” أن “مفهوم الدولة الواحدة بات يتسرب ببطء إلى الخطاب الإسرائيلي، رغم أن درجة الاهتمام التي أبدتها غالبية الجمهور الإسرائيلي تجاهه لا تزال محدودة، ولكن من الصعب تخيل كيف ستكون الحياة إذا حدث ذلك على الأرض، وأصبح هذا السيناريو حقيقة واقعة”.
وأضاف أنه “بين حين وآخر، ترتفع أصوات جريئة من الإسرائيليين، وآخرهم رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، الذين يحذرون من هذا السيناريو الصعب المسمى “الدولة الواحدة”، منطلقا في ذلك من اعتبارات تخص المستويين السياسي والعسكري، طارحين من خلال ذلك التحديات التي يجب حلها، وبدأت في تغيير حياة الإسرائيليين بالفعل، وستغيرها أكثر في المستقبل، رغم أن هذه الفكرة موجودة منذ بداية الصراع، دولة واحدة أو ثنائية القومية، ما سيجعلها الأكثر جدية في تاريخ نقاشاتها الداخلية، بعيدا عن قرار التقسيم، أو رؤية الدولتين المتجسدة في اتفاق أوسلو”.
بحسب ميلشتاين، فإن الإسرائيليين لا ينسون كيف انتهت التجربة التاريخية التي بدأت في مؤتمر مدريد بصداع إسرائيلي حاد تمثل في اندلاع انتفاضة الأقصى، ومن حينها بدأ الحديث يتراجع باستمرار عن رؤية الدولتين، بل اختفى النقاش حول القضية الفلسطينية تدريجياً من الخطاب الإسرائيلي، ما شكل ذلك عمليا الحاضنة التي تنمو فيها فكرة الدولة الواحدة، حتى إن بعض التيارات في اليمين واليسار باتت تنظر إلى مثل هذه الفكرة على أنها رؤية قابلة للتطبيق.
ويضيف أنه “لا بد من التفريق بين مواقف الكتلتين الحزبيتين الإسرائيليتين في النظر إلى هذا المشروع “الكابوس”، فاليمين، لا سيما المتطرف منه، خاصة بيتسلئيل سموتريتش وما يمثله في الصهيونية الدينية ويمينا وأقصى الليكود، يسعون لتحقيق نفس الهدف، ولكن من اتجاهات معاكسة لن تتقابل أبدًا، أما غالبية الجمهور الإسرائيلي من وسط الساحة الحزبية فيظهرون القليل من الاهتمام بالديناميات الناشئة والمستقبل المتوقع”.
على صعيد الممارسة العملية، أصبحت هناك دولة واحدة بالفعل حقيقة واقعة، على الأقل في الضفة الغربية، حيث يتسع خط التماس بين الجانبين بشكل مستمر، والفصل بينهما لم يعد واضحا، فالمساحة الإقليمية، ومعها الوزن الديمغرافي، للمستوطنات الإسرائيلية في المنطقة تتزايد باطراد، وتنطلق في مزيد من الأراضي الفلسطينية.
في الجانب الفلسطيني، يتحدث الإسرائيليون عن أن الموقف من فكرة الدولة الواحدة يعكس صورة معكوسة للاتجاه السائد بين اليهود، لأنه حتى ما قبل أربعة عقود وجد إجماع بين الفلسطينيين حول هدف الدولة الواحدة في ظل هيمنة فلسطينية، بحيث يمكن لليهود أن يعيشوا كأقلية، ولكن بعد الإخفاقات المستمرة للبرامج السياسية للتسوية مع إسرائيل التي طرحتها منظمة التحرير منذ السبعينيات، فإنه تم فهم صعوبة تحقيق هذا الهدف، وأعطيت الأولوية لرؤية الدولتين، التي بدأت تتلاشى عمليا منذ عام 2000.
وفي العقد الماضي، وأمام حالة اللامبالاة التي أظهرتها حكومات اليمين الإسرائيلي، أعاد الفلسطينيون إحياء فكرة الدولة الواحدة، لمواجهة الجمود المستمر في المفاوضات السياسية، والصدع العميق في الداخل الفلسطيني، وعدم الاهتمام الدولي بالصراع، بجانب صعود الجيل الفلسطيني المولود بعد عام 2000، رغم أن التفسير الفلسطيني اليوم لمفهوم “الدولة الواحدة” يختلف عما كان عليه في الماضي.
وتبدي الأوساط الإسرائيلية تخوفا دائما من سيناريوهات الفوضى في حال تحقق حل الدولة الواحدة بدون تخطيط مسبق، أو تم فرضه بصيغة الأمر الواقع.. صحيح أن إسرائيل تعيش طرح مثل هذه الأفكار منذ عقد، وتقف أمامها في حالة صمت مطبق، لكن من المحتمل أن ينشأ واقع الدولة الواحدة في نقاط تدريجية، بصورة غير مخطط لها، وغير مرغوب فيها.
وتطرح المحافل الإسرائيلية حصول ضعف تدريجي للنظام الفلسطيني، وقيام “دولة كانتونات” في فترة ما بعد أبي مازن، وفي هذه الحالة قد تتجسد المرحلة الثانية من الضم الإسرائيلي الرسمي لأجزاء من الضفة الغربية، أو المنطقة بأكملها، وسيصاحبه منح الإقامة، أو وضع المواطنة للفلسطينيين في الأراضي التي سيتم ضمها، وفي مرحلة ثالثة قد يتطور واقع الفصل العنصري في ضوء عدم رغبة إسرائيل بخدمة ملايين الفلسطينيين، لكن التوترات الداخلية الشديدة في إسرائيل، بجانب الضغط الدولي الشديد عليها، قد يؤدي في النهاية للمحطة الرابعة والحاسمة، من خلال إعلان رسمي لدولة واحدة، يكون فيها جميع السكان متساوين.
من الواضح أن الإسرائيليين سيكونون أمام بداية فصل تاريخي جديد، لن ينذر بتبديد التوتر والعداء من الماضي، بل بتفاقمهما، وهذه المرة بروح “البلقنة”، حيث ستكون “الدولة الواحدة” كيانًا يسعى فيه الجانبان للهيمنة، وترك المجموعة الأخرى أقلية، ولذلك تجد إسرائيل حاليا صعوبة بالتوصل لقرارات استراتيجية في السياق الفلسطيني، ويتم استبدال القرارات الاستراتيجية بإدارة الصراع، أو تقليصه، أو السلام الاقتصادي، انطلاقا من فرضية أنه يمكن تجميد الوضع الحالي حتى تنضج شروط القرارات الاستراتيجية، لكنه عمليًا مسار غير مباشر يؤدي أيضًا للدولة الواحدة.
المصدر: عربي21