رندة تقي الدين
بينما يتواصل التصعيد الروسي حول أوكرانيا بحشد المزيد من القوات، يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم إلى موسكو في زيارة يسعى من خلالها إلى إقناع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بضرورة خفض التصعيد في أوكرانيا وأيضاً بالمشاركة في القمة الرباعية لما يسمى “النورماندي” والتي يفترض أن تجمع رؤساء روسيا وأوكرانيا وفرنسا والمستشار الألماني، فهل ينجح ماكرون في مهمته.
يصل ماكرون اليوم الاثنين الى روسيا في ظل تصعيد عسكري روسي متزايد حول أوكرانيا وفي بيلاروسيا والقرم وغرب روسيا بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، فيما وصلت قوات عسكرية أميركية إلى كل من بولندا ورومانيا لمواجهة أي عدوان محتمل وفق المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي وهو قرار اتخذه الرئيس الأميركي جو بايدن واعتبرته موسكو خطوة غير بنّاءة.
تنطلق مهمة ماكرون اليوم في روسيا ويستكملها في أوكرانيا غداً الثلثاء. ففي هذه الأجواء المشحونة على أبواب أوروبا وبعد تشاوره في اتصال هاتفي مع بايدن الأربعاء الماضي حول الموضوع وبعد اتصالات عدة مع المعنيين أولهم الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي والروسي فلاديمير بوتين الذي تحدث معه مرتين مطولاً، ومع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال ورؤساء بولندا اندريه دودا وليتوانيا وهنغاريا، قرر ماكرون أن يقوم بمهمته لخفض التوتر. وقال الإليزيه إن بايدن اتصل بماكرون مجدداً مساء أمس لتنسيق المواقف قبل زيارة الرئيس الفرنسي لموسكو وكييف.
يلتقي ماكرون بوتين ثم ينتقل الى كييف للقاء زيلنسكي في مسعى الفرصة الأخيرة لوقف التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا. ووفق تقرير للمخابرات الأميركية أن التعزيزات العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا تشير إلى استعداد روسي فعلي لغزو واسع النطاق لأوكرانيا.
يعتزم ماكرون تكثيف مشاوراته خلال مهمته وهو عازم على نجاحها بصفته رئيس فرنسا ورئيساً للاتحاد الأوروبي، فمنذ تسلمه الرئاسة يقول باستمرار إنه يفضل الحوار مع بوتين. وتقول مصادر الرئاسة الفرنسية إن ماكرون يريد حواراً منتجاً، إذ كشف مسوؤل في الرئاسة الفرنسية أن ماكرون أكد خلال اتصالاته مع مختلف الشركاء على ضرورة إجراء حوار موحد مع الرئيس بوتين حول ما هو ممكن وغير الممكن، أي أنه يجب عرض الأمور بموقف بالغ الوضوح حول الأمن الأوروبي وحول نتائج الغزو المحتمل لأوكرانيا. وقال مصدر في الإليزيه أن الرئيس الأوكراني شجع ماكرون في مهمته، فيما قال له بوتين، “إنني انتظرك واتطلع إلى حديث معمق معك. فأنت محاور جيد”.
سيحاول ماكرون الحصول على تعهد من بوتين بتخفيف التصعيد العسكري وخفض التوتر قبل أن يتوجه الى كييف للقاء زيلنسكي وليبلغه نتيجة حواره مع بوتين. وتنقل صحيفة “لو جورنال دو ديمانش” عن ماكرون قوله: “إن الوضع الآن مختلف عن الوضع في 2008 و2014 ملمحاً الى الهجوم الروسي في جورجيا وضم القرم حيث كانت العمليات العسكرية تستدعي وقف إطلاق نار وانسحاب، أما اليوم ومنذ أسابيع فليس هناك غزو ولا عملية مسلحة، بل تصعيد بالغ للتوترات مع حشود عسكرية على الحدود الأوكرانية من جهتي روسيا وبيلاروسيا. وفي هذا الإطار دورنا وقائي، ويجب تقليص منسوب التوتر عبر الحوار وتجنب المواجهة العسكرية”.
في المقابل، تتساءل صحيفة “لوباريسيان”، اذا كان في إمكان الرئيس الفرنسي النجاح في مهمته؟ وكتبت، “إن ماكرون كثيراً ما يرغب في القيام بمبادرات دبلوماسية مثلما فعل في لبنان ولكنه لم ينجح فيها”.
وتشير الأجواء إلى أن بوتين بحاجة الى الرئيس الفرنسي ويسعى إلى عدم القطيعة معه. وكان أرسل ماكرون مبعوثه الخاص، بيير فيمون، وهو دبلوماسي فرنسي مرموق عمل في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك الذي كان على علاقة مميزة مع بوتين، وهو أيضاً سفير سابق في واشنطن وموسكو والاتحاد الأوروبي ومدير مكتب وزير الخارجية آنذاك دومينيك دو فيلبان. كما أن المستشار الألماني أولاف شولتز سيلتقي بدوره بوتين في 17 شباط (فبراير) بعد زيارة الى واشنطن حيث يلتقي بايدن.
وتجدر الإشارة الى أن ماكرون نسق مع شريكه الألماني شولتز الموقف قبل مهمته إلى روسيا وأوكرانيا.
إن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة للوضع العسكري الروسي على حدود أوكرانيا وستظهر ماذا يجول في ذهن بوتين وهل ينوي فعلاً استرجاع أوكرانيا بغزوها رغم كل التحذيرات؟ فالتهديد بالعقوبات الأميركية والأوروبية جدي والوضع الاقتصادي الروسي سيئ ولو أن لدى بوتين عائدات كبرى من العملة الصعبة حالياً بسبب سعر برميل النفط المرتفع والذي بلغ أكثر من 93 دولاراً الأسبوع الماضي. علماً أن روسيا من أكبر مصدري النفط والغاز في العالم، وتمثل إيرادات هذا البلد من الموارد النفطية 40 في المئة من عائدات البلد كلها، فإذا حرمت من جزء منها، ستتفاقم أزمتها الاقتصادية. فهل يأخذ بوتين الوضع الاقتصادي في الاعتبار أم أن حلمه باسترجاع دول الاتحاد السوفياتي اقوى من ذلك. الأيام المقبلة ستبين ذلك.
المصدر: النهار العربي