في الأشهر الأخيرة، أصبحت الاشتباكات على طول الحدود السورية الأردنية شائعة بشكل متزايد، نتيجة لتنامي الاتجار بالكبتاغون عبر الحدود. ومع افتتاح معبر جابر مؤخراً في أيلول/سبتمبر، 2021، يواجه الأردن تداعيات أحد أكثر صادرات حكومة الأسد قيمة. وفي هذا الشهر، تحدث فريق المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى المدنيين على جانبي الحدود السورية الأردنية الذين يتحملون وطأة هذه الحالة من عدم الاستقرار. وبالإضافة إلى التأثير على المجتمعات المحلية، فقد فتح هذا الاتّجار المتنامي سبيلاً جديداً لحكومة الأسد لتأمين التمويل على الرغم من نظم العقوبات الدولية. حيث يجب على الدول التي تفرض تلك العقوبات تخصيص الموارد لوقف نمو تجارة الكبتاغون، وذلك لحماية المجتمعات المحلية وحرمان الحكومة السورية من هذا المصدر القيّم للتمويل.
نمو تجارة الكبتاغون
الكبتاغون هو عقار يدمج ما بين الكافيين والأمفيتامينات ومنشطات أخرى ويزود متعاطيه بالطاقة والشعور بالنشوة. وهو عقار رخيص التصنيع حيث أصبح شائعاً بين الشباب في جميع أنحاء العالم العربي، وخاصة في منطقة الخليج. في الماضي، عملت سوريا كنقطة عبور لحبوب المخدّرات القادمة من لبنان، أما الآن فقد سمحت البنية التحتية المتهالكة للصناعات الدوائية إلى حد كبير في البلد لسوريا بأن تصبح منتجاً رئيسياً في حد ذاتها. وبالتعاون مع حزب الله، يمكن للمهربين نقل الحبوب عبر مختلف الطرق البرية والبحرية بسهولة، ومنها معبر جابر في الأردن، إلى دول الخليج حيث يمكن أن تبلغ قيمة حبة الدواء الواحدة أكثر من خمسة وعشرين دولاراً. وما بدأ كعجز الحكومة عن السيطرة على شبكات التهريب هذه تطور إلى تورط حكومي مباشر، فأصبحت تجارة المخدرات مصدراً رئيسياً للعوائد حيث تسعى الحكومة إلى مصادر جديدة للنقد لمواجهة العقوبات الغربية. وقد أشارت مصادر عدة إلى تورّط حكومة الأسد في دعمها المباشر لمصانع الكبتاغون وشبكات التهريب، حيث تشرف الفرقة الرابعة بقيادة شقيق الرئيس، ماهر الأسد، على عمليات الإنتاج والتهريب في مواقع مختلفة في جميع أنحاء البلد.
منافذ التهريب
منذ ما يقرب من أربع سنوات، أقامت الحكومة الأردنية ساتراً ترابياً كبيراً على طول الحدود مع محافظة السويداء. حيث أن طبيعة التربة وعمق الفاصل الحدودي يجعل حفر الأنفاق عبر الحدود شبه مستحيل. ومع تطبيق هذه الإجراءات الأمنية، تقتصر المعابر المتبقية فقط على الحدود الشمالية الشرقية للأردن. حيث توزع حبوب الكبتاغون المصنعة والتي تمر عبر سوريا على تجار المخدرات المقيمين في القرى الحدودية السورية. ويتمثل دور هؤلاء التجار في التنسيق مع المهربين البدو وتأمين الطرق بحيث يمكن نقل الشحنات الكبيرة من الكبتاغون عندما تكون الرؤية محدودة بسبب الضباب أو الرمال. وتمتد هذه العمليات من المثلث الحدودي العراقي الأردني السوري شرقاً إلى محافظة درعا وتتركز في عدد قليل من القرى.
اشتباكات متزايدة
حظي تأثير تجارة الكبتاغون على القرى والبلدات المجاورة باهتمام واسع مؤخراً بعد اشتباكات بين المهربين والسلطات الأردنية أسفرت عن مقتل 27 مهرباً وفقدان ثمانية. ووفقاً لأحد الشهود الذين تحدث معهم المركز السوري للعدالة والمساءلة، فإن الاشتباكات بين القوات الحكومية الأردنية والمهربين تحدث الآن بشكل شبه يومي. وقد أدى العنف المتزايد إلى إلحاق الضرر بالمنازل المجاورة والأراضي الزراعية القيّمة، مما أدى إلى إثارة مخاوف من نزوح القرويين العالقين وسط أعمال العنف. حيث لجأت العائلات، لا سيما في خربة عواد، إلى البحث عن ملاذ بعيداً عن النوافذ والرصاص الطائش المحتمل أثناء الطقس البارد والضباب، عندما أصبحت عمليات التهريب والاشتباكات مع قوات حرس الحدود أكثر شيوعاً.
ولسوء الحظ، غالباً ما يكون الشباب السوريون والأردنيون هم الأكثر تضرراً من تجارة المخدرات، سواء كمدمنين أو كمهربين. حيث أفاد مدرس في مدرسة ثانوية سورية للمركز السوري للعدالة والمساءلة أن الاتّجار بالمخدرات وتعاطيها بين طلاب المدارس الثانوية والجامعات والشباب العاطلين عن العمل آخذ في الازدياد، ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة. وفي سوريا، أفاد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أن الشباب السوريين يسرقون الكابلات الكهربائية التي تحتوي على النحاس من منازل مهجورة ويبيعون الخردة لتمويل إدمانهم على المخدرات. وفي موازاة ذلك، ورد تصريح مماثل من مرشد تربوي في مدرسة في مدينة الرمثا الحدودية الأردنية، والتي شهدت انتشاراً سريعاً للكبتاغون بسبب رخص سعره مقارنة بأنواع أخرى من المخدرات.
التوصيات
ينبغي على المجتمع الدولي، ولا سيما الدول التي تفرض عقوبات على الحكومة السورية، أن تعمل على تعطيل شبكات التهريب الجديدة هذه، وذلك لضمان عدم قدرة الحكومة على تأمين مصادر جديدة للإيرادات ولحماية المجتمعات الضعيفة العالقة في الوسط. وفي حين أن العقوبات التي تستهدف المتورطين في شبكات التهريب هي نقطة انطلاق، فإن العقوبات وحدها لن تكون كافية لمعالجة هذه المشكلة.
يطالب ، وهو مشروع قانون تم تقديمه مؤخراً في مجلس النواب الأمريكي، الحكومة الأمريكية بتطوير استراتيجية مشتركة بين الوكالات لتعطيل الاتجار بالكبتاغون، متضمنة تقديم الدعم لجهود مكافحة المخدرات في البلدان المجاورة. حيث أن هذا الطلب هو خطوة أولى مهمة، وينبغي إجراء مناقشات مماثلة في دول أخرى مهتمة في استقرار المنطقة. ولكن يتعين على الدول توخي الحذر لضمان أن يوجه الدعم إلى تعطيل شبكات التهريب، وليس لفرض عقوبات قاسية على الأفراد الذين يتعاطون الكبتاغون.
كما ينبغي لدول الجوار، ومنها الأردن، أن تنظر في استخدام آليات التعاون الدولي ذات الصلة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لمراقبة المخدرات. على سبيل المثال، عملت اتفاقية المؤثرات العقلية لعام 1971، التي تحظر تصدير مواد الجدول الثاني (وتشمل الأمفيتامين، أحد مكونات الكبتاغون)، على إنشاء مجلس مراقبة الامتثال. حيث يمكن للأردن، أو لأي دولة أخرى متأثرة، أن تطلب من هذا المجلس التحقيق فيما إذا كانت سوريا تمتثل لالتزاماتها بعدم تصدير المواد الخاضعة للرقابة. وإن لم تتعاون سوريا مع طلبات من هذا القبيل، فيمكن للأردن رفع قضية أمام محكمة العدل الدولية.
__________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على info@syriaaccountability.org. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة