عماد كركص
في ظل الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، تتجه الأنظار إلى مناطق نفوذ موسكو في الشرق الأوسط، وتحديداً سورية، حيث ينتشر الروس في مناطق متفرقة من البلاد دعماً لنظام بشار الأسد، خصوصاً مع تلميح وزير خارجية النظام فيصل المقداد، قبل يومين، إلى مشاركة قاعدة حميميم الجوية الروسية في سورية في العمليات العسكرية في أوكرانيا.
كما توجد فرضية أن موسكو تستعد لكافة السيناريوهات، ومنها أن تتم ممارسة ضغط عليها في سورية، لا سيما في شرقها، حيث تتقاسم القوات الروسية النفوذ هناك مع القوات الأميركية وتلك التابعة للتحالف الدولي.
ويمكن اعتبار إرسال القوات الروسية تعزيزات من غرب سورية إلى شرقهاً مؤشراً إلى تعزيز هذه الفرضية، لا سيما أن الحرب في أوكرانيا لم تكشف بعد عما ستفرزه من تبعات إقليمية على الروس، الذين يبدو أنهم سيمضون في حربهم حتى النهاية، وهذا ما سيؤدي بالغرب إلى تصعيد إجراءاته ضد موسكو.
الأسد يدعم الحرب على أوكرانيا
ويوم أمس، الجمعة، تلقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً من الأسد، أكد فيه الأخير دعمه للخيارات الروسية في الحرب على أوكرانيا، واصفاً الحكومة الأوكرانية بـ”النازية”.
وأشاد الأسد بالهجوم العسكري الروسي، قائلاً إن “ما يحصل اليوم هو تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم، الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وأنّ الهستيريا الغربية تأتي من أجل إبقاء التاريخ في المكان الخاطئ، لصالح الفوضى التي لا يسعى إليها إلا الخارجون عن القانون”.
وعلمت “العربي الجديد” أن روسيا نقلت تعزيزات عسكرية من قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية غرب البلاد إلى مطار القامشلي، الذي يسيطر عليه الروس بريف الحسكة، أقصى شرق سورية.
وقالت مصادر ميدانية، لـ”العربي الجديد”، إن طائرة روسية من نوع “إليوشين” هبطت، صباح أمس الأول، في مطار القامشلي العسكري بريف محافظة الحسكة، وأنزلت 4 عربات عسكرية، وأكثر من 65 مقاتلاً من مرتزقة “فاغنر” الروسية.
وأشارت المصادر إلى أن التعزيزات شملت أيضاً طائرتين حربيتين من نوع “سوخوي 24” قدمتا من قاعدة حميميم الجوية في منطقة جبلة بريف اللاذقية.
تعزيزات أميركية إلى القامشلي والحسكة
في المقابل، أرسلت قوات التحالف الدولي، التي تقودها أميركا، عشرات الشاحنات المحملة بالمعدات العسكرية واللوجستية إلى قواعدها في شمال وشرق سورية، آتية من أربيل، شمالي العراق.
وبحسب ما علمت “العربي الجديد”، فإن التعزيزات العسكرية وصلت إلى القواعد الأميركية في القامشلي والحسكة، وتتضمن 23 حاملة عتاد ومدرعات، منها 18 شاحنة محملة بالأسلحة والذخائر والمواد اللوجستية و5 صهاريج، وقد دخلت عبر معبر الوليد الحدودي.
ورغم ذلك، لا يُعتقد أن هذه التعزيزات ستكون طريقاً لتأجيج مواجهة بين الطرفين في شرق سورية، بقدر ما هي تبادل لرسائل الضغط وتعزيز النفوذ وإثبات السطوة بين موسكو وواشنطن، إذ تمر العلاقة بينهما اليوم بأكثر مراحلها حدة منذ عقود.
روسيا تدرس كل سيناريوهات تبعات الحرب
ورأى المحلل المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، المقيم في موسكو، أنه من الطبيعي أن تدرس روسيا كل السيناريوهات المحتملة لتبعات حربها على أوكرانيا.
وقال، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “سورية، وبحكم الجغرافيا والانتشار الروسي فيها، باتت بالنسبة للروس والغرب على حد سواء واحداً من خطوط المواجهة بينهما، ولا سيما في هذا الصدام الدائر حالياً، والروس يعرفون تماماً أن عليهم الاستعداد لكل شيء”.
أما بالنسبة لتعزيز روسيا قواتها في شرق سورية، فاعتبر عبد الواحد أن هناك 3 احتمالات لقيام موسكو بهذا الأمر، وأوضح أن الأول يتعلق بالتحسب لأي تحرك من جانب القوات الأميركية في تلك المنطقة ربما تؤثر على النفوذ الروسي هناك ومناطق أخرى من سورية، لذلك أرسلت قوات لاحتواء أي تحرك أميركي محتمل.
أما الثاني، بحسب عبد الواحد، فهو يتعلق بمواصلة روسيا اهتمامها بتوسيع نفوذها في شرق سورية بمعزل عن الحرب الأوكرانية. أما الثالث، فهو متعلق بالفوضى التي تشهدها المنطقة، وذهاب الروس إلى “حافة الهاوية” لإجبار الغرب على التفاوض معهم بشأن الضمانات الأمنية التي يطالبون بها.
وأشار عبد الواحد إلى أن موسكو “ربما وجدت أنها لم تحقق هذا الهدف عبر العملية الأوكرانية، ولذلك تحاول خلط الأوراق والتحرك في مناطق النفوذ الأميركي في سورية، في إشارة إلى مخاطر المواجهة الأميركية – الروسية، إن لم ينفتح الغرب على الحوار الذي تطالب به روسيا”.
من جهته، رأى الباحث السياسي رضوان زيادة، المقيم في واشنطن، أن انتقال انعكاسات الحرب الأوكرانية على الميدان في سورية، لا سيما بين الروس والأميركيين، مرتبط بتطورات الحرب في أوكرانيا.
وأشار زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “إذا استنزفت الحرب في أوكرانيا كل الجهد الروسي هناك، فقد تحتاج موسكو إلى سحب قواتها من سورية إلى أوكرانيا، وذلك أيضاً يعتمد على مدى المقاومة الأوكرانية ورد الفعل الغربي”.
وتابع زيادة أن “كل ذلك، يمكنه أن يضعف بوتين في سورية بكل تأكيد. ولذلك فإن إرسال قوات إلى الحسكة، ربما هو جزء من إعادة التموضع. لكن من المبكر حسم كيف ستتطور الأمور، فكل ذلك يعتمد على تطورات الحرب، فأوكرانيا جبهة واسعة جداً”.
المصدر: العربي الجديد