أحمد مظهر سعدو
بينما يدخل الاحتفاء بعيد الثورة السورية / ثورة الحرية والكرامة عامه الثاني عشر، ويتهيأ الشعب السوري للولوج في أتون عام جديد، بعد أن انقضى منذ انطلاقة الثورة ماينوف عن أحد عشر عامًا، تتمظهر في الواجهة قضية لايبدو أن هناك قضية أخرى أو ملفًا آخر يمكن أن يتخطاها أو يتجاوزها، وهي قضية المعتقلين السوريين في سجون العسف الأسدي، وأقبية الظلام والظلم، ضمن وفي سياقات عملية تغييب قسرية لكل الذين وقفوا في مواجهة الاستبداد والدولة الشمولية، التي خطفت الوطن السوري إبان انقلاب حافظ الأسد في 16 تشرين ثاني/ نوفمبر 1970، ومازال الوطن بقضه وقضيضه مخطوفًا ومباعًا على يد الوريث غير الشرعي بشار حافظ الأسد الذي (هو الآخر) عاث فسادًا وإفسادًا في جل الحالة السورية، وتابع مسيرة والده في القمع والترهيب وهدر كرامة وإنسانية الإنسان السوري، خاصة خلال أحد عشر عامًا من عمر ثورة الحرية والكرامة.
تبرز اليوم قضية المعتقل السوري، وتصعد كمهمة أولى يتحتم على كل الطيف السياسي من المعارضة السورية أن الامساك بها، ليعتبرها قضيته الأولى قبل الإشتغال في اللجنة الدستورية أو كل المسارات الأخرى التي لم تفض إلى شيء حتى الآن، ولا يبدو أنها في طريق الفعل الإيجابي ضمن هذا السياق، بوجود نظام عمل ومازال على التسويف والتهرب من أي استحقاق أممي يرتكز إلى القرارات الدولية ذات الصلة.
وقضية المعتقلين حتى لو كانت مسألة فوق تفاوضية، إلا أنها الأهم بالنسبة لشريحة واسعة من السوريين، وهي التي غيبت (حسب تقديرات أممية ومنظمات حقوقية) ماينوف عن 900 ألف إنسان سوري منذ عام 2011 ، في معتقلات النظام السوري أو لدى داعش وملحقاتها، وهي اليوم أي هذه القضية باتت عملية الاشتغال عليها وفيها تتقدم على كل ماعداها لما لدى ذوي المعتقلين من جروح غائرة وأنات وأنين يتواصل بالضرورة مع هول مايتعرض له المعتقل السوري في السجون من تعذيب وترهيب وسحق لكرامته بل ولروحه، كما عرفنا من خلال المسالخ البشرية التي أصبحت صفة من جملة صفات السجون الأسدية لدى كل العالم الداخلي والخارجي، ولما تم الكشف عنه من صور لعشرات آلاف الشهداء تحت التعذيب التي خرج بها قيصر، وأصبح لها قانونًا أميركيًا على حجم فظاعتها وفداحتها وفجورها على المستوى الإنساني، والتي تتخطى وتخترق كل الأعراف وكل الاتفاقات الدولية، وجل محددات الاعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في يوم الثورة السورية لا يجب أن يعلو أي صوت على صوت وصرخة المعتقلين وذويهم لإنقاذ ماتبقى منهم على قيد الحياة في ظروف قهرية تجاوزت كل حد وفاقت بإرهابها كل إرهاب. وهي اليوم أي هذه القضية قد أضحت من القضايا التي لايجب السكوت عنها تحت أي دعوى وضمن أية ظروف، إذ لم تعد تكفي عمليات التبادل للأسرى والمعتقلين التي تجري بين الحين والآخر لأعداد ضئيلة بينما يقبع في السجون والمعتقلات مئات الآلاف من البشر الذين لم يرتبكبوا أي خطأ إلا إذا كانت الثورة على الحاكم والانتفاضة على العسف والاستبداد تعتبر جرمًا لدى نظم القهر واستلاب الإنسان السوري.
ويتساءل ذوي المعتقلين وهو سؤال حق، لماذا كل هذا الإهمال لقضية المعتقلين سواء من قبل المجتمع الدولي، إن كان هناك من مجتمع دولي، أو من قبل المنظمات الكثيرة جدًا ممن يُعنى بحقوق الإنسان وقضية المعتقلين، أو من قبل كل المعارضة السورية بكل أطيافها، أو من قبل هيئة التفاوض والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة، علاوة على دور أصحاب الحملات المستمرة من قبل نشطاء بين الفينة والأخرى من أجل قضية المعتقلين، والتي لم تؤت أي أكل حتى الآن ومازال النظام السوري وداعميه، يصمون الآذان، ويواربون الأبواب أمام أية مطالبة جدية بإطلاق سراح المعتقليتن باعتبارها قضية فوق تفاوضية. أليس من نهاية حقيقة جدية لمسألة الاعتقال السياسي في سورية؟ أليس من حل موضوعي يفعل فعله في إخراج المعتقل السياسي السوري من أتون الأقبية والسجون التي أصبحت مسالخ حقيقية للبشر، وهل يمكن الاستمرار في الاعتقال السياسي في سورية إلى الأبد، بدون اي تحريك فاعل يفضي إلى إطلاق سراحهم ليعودوا إلى أسرهم ووطنهم وهو في أشد الحاجة إليهم.
لدى كل المنظمات الدولية والحقوقية ملفات وتوثيقات كثيرة وحقيقية لآلاف المعتقلين السياسيين السوريين وتعرفها كل الدول التي تقول بأنها صديقة للشعب السوري، لكنها لا تحرك ساكنًا ولا تفعل جديًا ضمن أية مسارات تؤدي حقيقة إلى إطلاق معتقلين تجاوزت سنواتهم في المعتقل بل الكثير منهم العشر سنوات ونيف.
ولأنه كذلك فإن على قوى المعارضة بمجموعها اليوم أن تتنكب أدواتها وإمكانياتها وعلاقاتها مع الدول الصديقة للضغط الحقيقي عليها لإخراج المعتقلين الوطنيين السوريين من السجون، بعد أن أكلهم التعذيب تارة والمرض تارة أخرى، دون أي حراك ينبيء بالوصول إلى الغاية، وإخراجهم من الظلام إلى النور، أو على الأقل إحالتهم إلى قضاء عادل ونزيه، إن وجد في سورية، ومحاكمتهم على الملأ، ليعرف القاصي والداني حقيقة خطفهم وزجهم في السحون، دون أي استناد لأي مادة قانونية أو إنسانية لا وطنية ولا دولية. وهذه القضية باتت ملحة ولاتقبل الـتأجيل أو التسويف، أو المماطلة، ولايجب أن ينام أي سوري حر أو أي معارض دون أن يفعل شيئًا من أجل إطلاق سراح المعتقلين والمغيبين قسرًا والذين لايعرف عنهم ذويهم أي معلومة حقيقة، هل هم أحياء أو في عداد الأموات. المسألة جد هامة وتحتاج إلى تضافر كل الجهود عاجلًا وليس آجلًا. فهل نشهد حركة وديناميات جديدة في هذا الملف/ القضىة؟ أم سنبقى نتابع أخبار قوائم الشهداء تحت التعذيب التي يقوم بإصدارها كل حين نظام التسلط الأسدي؟.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا