عقيل حسين
يواجه عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا خطر الترحيل إلى سوريا بسبب عدم تمكنهم من الايفاء بمطالب إدارية جديدة خلال المهلة التي منحتها لهم رئاسة الهجرة ووزارة الداخلية التركية، بينما يحمل الكثيرون السلطات التركية المسؤولية عن ذلك.
وكانت السلطات التركية قد أطلقت حملة بهذا الخصوص مطلع شباط/فبراير 2022، وقالت إن الهدف منها معالجة المشاكل المتعلقة ببيانات وعناوين إقامة مئات آلاف السوريين على أراضيها، ومنحت هؤلاء مهلة تتراوح بين 45 و 60 يوماً من أجل الاستجابة لطلباتها بهذا الخصوص، بينما شككت جهات حقوقية بالخطة، وقالت إنها تستهدف ترحيل أعداد إضافية من السوريين وإضفاء الشرعية على هذه الخطوة.
20% مهددون
وأعلن وزير الداخلية التركية سليمان صويلو الأسبوع الماضي، أن نحو 80 في المئة من السوريين الموجودين في تركيا نجحوا في تحديث بياناتهم وتثبيت عناوين إقامتهم خلال الفترة الزمنية المحددة بالفعل، مشيراً إلى أن النسبة من المتوقع أن ترتفع إلى 90 في المئة.
ويشير الوزير التركي هنا إلى المهلة الجديدة التي منحت للأشخاص الذين لم يتمكنوا من القيام بالإجراءات المطلوبة من أجل ذلك، حيث تلقى عشرات الآلاف من السوريين رسائل جديدة من أجل مراجعة أقسام الهجرة في مناطق سكنهم لتصحيح أوضاعهم، لكن ذلك لم يكن كافياً لتهدئة مخاوفهم من التعرض لإلغاء وثائقهم والترحيل.
من جانبها، أوضحت رئاسة الهجرة التركية أن الرسائل التي وصلت لسوريين بخصوص تعليق العمل ببطاقة “الحماية المؤقتة” هو إجراء مؤقت من أجل إلزام المتأخرين بالعمل على تدارك ما هو مطلوب منهم.
وأضافت في بيان، “ليس هناك أي داع للقلق، إذ لن يتم إبطال الكملك لأي شخص يقوم بتحديث بياناته وتثبيت عنوان سكنه في المهلة المحددة، وسوف يتم تفعيل بطاقة الحماية المجمدة بعد تحديث البيانات مباشرة”.
ورغم التطمينات التي قدمتها السلطات التركية بهذا الخصوص، إلا أن الكثيرين من هؤلاء يتخوفون من أن يؤدي ذلك إلى ترحيلهم لسوريا، بينما كشف البعض عن انعكاسات سلبية فورية بدأت تواجهم مع تعليق العمل بوثائق إقامتهم.
التثبت من العناوين
وشدد المتضررون على أنهم لا يتحملون مسؤولية الفشل في الاستجابة لطلب السلطات التركية بهذا الخصوص، وبينما تعتبر مشكلة الحصول على مواعيد في الوقت المحدد على رأس الأسباب التي تمنع إنجاز المعاملة المطلوبة في الوقت المحدد، فإن التثبت من الإقامة في العنوان المسجل أحدث لغطاً كبيراً أيضاً.
يقول أبو أنس، وهو سوري من ريف حلب يقيم في إحدى ضواحي اسطنبول، إنه تم تجميد بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك)، له ولأفراد عائلته على الرغم من إنجازه الأوراق المطلوبة في المهلة الممنوحة، والسبب كما تم إبلاغه أنه لا يقيم في العنوان الذي صرّح به.
ويضيف في تصريح ل”المدن”، أن “هذه المشكلة كانت سبباً في تجميد (الكيملك) لآلاف السوريين مثلي، لكن ليس نحن من يتحمل المسؤولية، فإما أن الجهة المعنية بالتحقق جاءت إلى المنزل ولم نكن موجودين فيه واعتبرت أننا لا نقيم في هذا العنوان، أو أنها لم تحضر بالأصل وقيدت عدم وجودنا من تلقاء نفسها”.
ومثل جميع المتضررين من هذه النقطة، يتساءل أبو أنس: “حتى لو افترضنا أن جميع من أدرجوا تحت هذا البند لم يكونوا موجودين في منازلهم عندما جاءت لجان الكشف، فهل تكفي زيارة واحدة لتقرير عدم اقامتهم في العناوين التي سجلوها؟ أليس من الطبيعي أن يتغيب الناس عن منازلهم لوقت قصير لأي سبب؟”.
حجز المواعيد
لكن المشكلة الأكبر التي واجهت السوريين في هذه القضية تمثلت بصعوبة الحصول على موعد لدى أقسام الهجرة، وخاصة في المناطق والولايات التي يعيش فيه عدد كبير منهم.
وحسب شهادات عديدة حصلت عليها “المدن”، فقد واجه الكثيرون من السوريين صعوبة بالغة في الحصول على موعد من خلال النظام الالكتروني المخصص، بينما اضطر قسم آخر منهم لدفع مبالغ مالية للسماسرة ومسيّري المعاملات من أجل ذلك.
لكن الآلاف فشلوا في الحصول على موعد ضمن المهلة المحددة في العديد من الولايات التركية، وبينما كان أقرب موعد متوفر بالنسبة لبعضهم بعد ثلاثة أشهر أو أكثر، واجه البعض الآخر عدم توفر مواعيد أو اغلاقها في مناطق أخرى.
مشكلة أقرت بها السلطات التركية، حسب ما نقل عنها مسؤولون من مؤسسات المعارضة الرسمية في تركيا، الذين أكدوا ل”المدن” تواصلهم مع الجهات المعنية من أجل معالجة هذه المشكلة.
تضييق على اللاجئين
لكن الناشط الحقوقي المهتم بأوضاع اللاجئين السوريين في تركيا، طه الغازي، يرى أن ما حصل لا يمكن تبريره بوجود خطأ في السيستم المعمول به، لأن قاعدة بيانات السوريين في تركيا موجودة كلها ببوابة رئيسية مرتبطة برئاسة الهجرة، وبالتالي فإن أي خطأ قد يحدث في هذا النظام يجب أن يؤدي أتوماتيكياً لمشكلة عامة تشمل جميع السوريين، لكن ما حدث أن المشكلة كانت تنتقل من منطقة لأخرى بشكل يلفت الانتباه.
ويضيف “البداية في الغاء أو تجميد الكيملك لقسم من السوريين الذي بدأ من حي (التيندار) في محافظة أنقرة قبل شهرين، ثم انتقل إلى ولاية أورفا، ثم غازي عنتاب، وحالياً يعاني منه قسم آخر من المقيمين في إسطنبول، ما ينفي فرضية الخطأ”.
وتعليقاً على إعلان رئاسة الهجرة منح مهلة جديدة للمتضررين، قال: “للأسف هؤلاء يواجهون المشكلة نفسها الآن مع نظام حجز المواعيد، وبالتالي رئاسة الهجرة تقدم حلاً فيه مشكلة بالأصل، والمطلوب إما تمديد المهلة مع تعليق قرار تجميد الوثائق، أو إيجاد طريقة أخرى للحصول على مواعيد، لأن تجميد (الكيملك) يعني حرمان صاحبه من الطبابة وتقديم الامتحانات والمساعدات وأي خدمة أخرى قد تكون مصيرية في بعض الأحيان”.
ويعتبر الغازي أن ما يحصل هو ضغط على السوري المقيم في تركيا من أجل دفعه للتفكير بالمغادرة، استجابة لضغط المعارضة وانسجاماً مع التوجهات الحالية للحكومة التركية التي أعلن عنها وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو في شباط/فبراير، عندما قال إنه يجب العمل على العودة الطوعية للاجئين السوريين في دول الجوار، لكن ما يجري في الواقع هو إجبار الكثيرين منهم على العودة بطرق مختلفة.
توضيح وتطمين
إلا أن اللجنة السورية التركية المشتركة نقلت عن السلطات التركية التأكيد على أن ما قامت به كان إجراء إدارياً، وطمأنت السوريين مجدداً بأن العمل على حل الإشكالات التي ترتبت عليه قائم.
وحسب المنسق العام للجنة أحمد بكورة فإنه وبعد اللغط الواسع الذي أثير حول هذا الموضوع، فقد التقت اللجنة بعدد من مسؤولي رئاسة الهجرة في ولايات تركية متعددة، وأن هؤلاء المسؤولين أكدوا أن الإجراء روتيني ويأتي ضمن عمليات الاحصاء والتدقيق.
ونقل بكورة في تصريح ل”المدن”، عن الجانب التركي القول إن “الدافع الرئيسي لهذه الخطوة فقدان التواصل مع مئات آلاف السوريين خلال السنتين الماضيتين، وأنه بعد التدقيق تبين مغادرة قسم منهم الأراضي التركية بطريقة غير شرعية وخاصة إلى أوروبا، وبعضهم بدل محل إقامته دون إبلاغ السلطات.. وبناءً على ذلك، ولاعتبارات قانونية وأمنية، أطلقت هذه الحملة”.
وأضاف أنه “بعد انتهاء المهلة المحددة، بلغ عدد السوريين الذين لم يتم تحديث بياناتهم أو تسجيل عناوينهم نحو 760 ألفاً، بينهم أكثر من 300 تم تعليق قيدهم بالفعل، وهؤلاء منحوا مهلة جديدة لتصحيح أوضاعهم”.
وحول دور اللجنة في حل هذه المشكلة يقول: “أهم دور نقوم به هو التواصل مع الجانب التركي ونقل الصورة للطرفين من أجل تصحيح بعض المعلومات أو تبسيطها، وهذا يساهم في تخفيف الضغط على الجانبين، فنحن ليس لدينا صلاحيات رسمية بالنهاية، لكن السلطات التركية تتعاون معنا في إطار القانون”.
ويوضح بكورة أنه في ما يخص الاشكال الأخير “فقد نقلنا للأتراك حقيقة مخاوف السوريين، ولذلك عملوا على توضيح الموقف من خلال بيانات رسمية وتصريحات صدرة عن جهات عديدة، كما قدمنا مقترحات لحل مشكلة عدم القدرة على حجز مواعيد وتخفيف الازدحام وتسريع الإجراءات وهي قيد الدراسة الآن”.
ومن المقترحات التي تقدمت بها اللجنة، مراعاة أصحاب الحالات الخاصة كالمرضى وغيرهم ممن لا يستطيعون المراجعة شخصياً أو في الوقت الحالي، وهؤلاء ستتم معالجة ملفاتهم على حدة، كما طالبت بعدم تجميد المساعدة الشهرية التي يحصل عليها قسم من هؤلاء على الأقل في هذه الفترة مع اقتراب شهر رمضان.
ما بين التطمينات الرسمية بأن الإجراءات الأخيرة تأتي في إطار الروتين الحكومي، وأن الأخطاء التي حصلت سببها إداري، وما بين التخوف من التوجهات الساعية للتخفيف من الوجود السوري في تركيا، يجد مئات الآلاف من السوريين أنفسهم بمواجهة لحظات عصيبة تتطلب حلولاً سريعة يبدو أن التعقيدات لا تجعلها متوفرة بهذه السهولة.
المصدر: المدن