تنذر سياسات الاحتلال الإسرائيلي المعادية لفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48، والتمييز العنصري ضدهم بانفجار هائل في وجهه، بدأت بوادره واضحة بفعل هجمات نفّذها فلسطينيون، يحمل ثلاثة منهم “الجنسية الإسرائيلية”، وأوقعت 11 قتيلا.
وبحسب خبراء، فإن انخراط “فلسطينيو الداخل”، وهم الفلسطينيون الحاصلون على الجنسية الإسرائيلية، في الهجمات، يثير قلقا إسرائيليا كبيرا.
ولم تتبنَ أي فصائل فلسطينية الهجمات الأخيرة، ما يشير إلى أنها عمليات فردية غير منظّمة ويصعب السيطرة عليها.
وتمثل العمليات الفردية، بحسب المحللين، تحديا صعبا لأجهزة الأمن الإسرائيلية، التي كانت تضع في تقديراتها إمكانية تزايد مستوى التوتر مع اقتراب شهر رمضان الذي يبدأ السبت فلكيا.
والثلاثاء، التقى وزير الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في عمّان، وبحثا التوترات الأمنية بالمنطقة قبل رمضان، وفق إعلام إسرائيلي.
كما زار الملك عبد الله الضفة الغربية الإثنين، وأجرى مباحثات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في محاولة بحسب موقع “تايمز أوف إسرائيل” للحد من التوتر المتوقع في رمضان، بعد مقتل 6 إسرائيليين حتى 28 مارس/ آذار الماضي.
وفي الفترة الأخيرة، أعرب مسؤولون إسرائيليون عن خشيتهم من اندلاع توترات واحتجاجات في الداخل والأراضي الفلسطينية المحتلة، كالتي حدثت في أيار/ مايو العام الماضي.
لكن إسرائيل، وفق المحللين، تفاجأت بأربع عمليات منذ 15 آذار/ مارس الماضي أوقعت 11 قتيلا، وأخذت على غير العادة طابعا مسلحا، بما يفيد بفشل على مستوى التقديرات الأمنية.
وفي أيار/ مايو الماضي، شهدت المدن العربية في الداخل الفلسطيني مواجهات عنيفة بين مواطنين من جهة لشرطة الاحتلال ويمينيين إسرائيليين، بالتزامن مع عدوان إسرائيلي على حي الشيخ جراح، وسط القدس المحتلة والمسجد الأقصى وقطاع غزة.
وبالرغم من تراجع حدّتها، إلا أن هذه الاحتجاجات ما زالت قائمة رفضا لتهجير قسري للفلسطينيين من منازلهم أو هدمها أو مصادرة أراضيهم أو إعدامهم ميدانيا أو إصدار قوانين جائرة بحقّهم.
ووفق أحدث إحصاء رسمي، يبلغ عدد فلسطيني الداخل نحو مليون و982 ألفا، ويشكلون 21 بالمئة من عدد سكان البالغ حوالي 9 ملايين و391 ألفا.
قلق إسرائيلي
قال المختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي؛ إن “العمليات التي تم تنفيذها (داخل إسرائيل) مؤخرا، باستخدام السلاح الناري، أثارت حالة جادة من القلق لدى إسرائيل”.
وتابع: “أخطر هذه العلميات، بحسب وجهة النظر الإسرائيلية، هي عملية الثلاثاء التي نفّذها الفلسطيني من جنين ضياء حمارشة في مدينة بني براك قرب تل أبيب (وسط)، وأودت بحياة 5 أشخاص”.
وأوضح أن “إسرائيل اعتبرت أن سياق هذه العملية يختلف عن سياق العمليتين السابقتين، إذ ادّعت أن المنفّذين ينتمون لتنظيم داعش الإرهابي”.
إلا أن العملية الأخيرة، بحسب البرغوثي، “جاءت في سياق وطني فلسطيني، في حدث لم تشهد الساحة شبيها له منذ سنوات”.
واستكمل: “أكثر ما أثار قلق إسرائيل في بداية هذه العمليات، إمكانية تنفيذ عمليات مماثلة لها”.
واعتبر أن دخول الفلسطينيين في الداخل على خط تنفيذ هذه العمليات كان “مؤلما لإسرائيل”، الأمر الذي ألقى بظلال على السياق الفلسطيني ككل.
طابع مسلح
ووفق البرغوثي، فإن “نظرة إسرائيل لإمكانية التصعيد في الضفة والداخل تغيّرت بشكل جدي، حيث رفعت حالة الاستنفار إلى أعلى درجات التأهب، وهو ما لم يحدث إلا في التصعيد الأخير في أيار 2021”.
وأضاف أن “استخدام السلاح الناري في تنفيذ العمليات، الذي حدث أول مرة خلال أحداث أيار الماضي، شكّل مفاجأة لدى إسرائيل”.
وأردف أنه “بحسب تقارير، فإن لدى فلسطينيي الداخل نحو 200 ألف قطعة سلاح على الأقل، ما يعني أن داخل إسرائيل يوجد جيش صغير”.
وأفاد بأنه “يسهل على فلسطينيي الداخل اقتناء الأسلحة بشكل أكبر من فلسطينيي الضفة، وذلك لامتلاكهم هوية إسرائيلية تمنحهم حرية حركة”.
وشدد على أن “منفّذي العمليات، سواء كانوا من الضفة الغربية أو الداخل الفلسطيني، يشكّلون تهديدا يقضّ مضاجع إسرائيل”.
وأعرب عن اعتقاده بأن “حجم الرد الإسرائيلي على تلك العمليات، قد يدفع بالأحداث سواء في الداخل أو الضفة أو غزة إلى التطور، خاصة في ظل تخوفات من عودة التوتر مع اقتراب رمضان”.
إحباط فلسطينيي
أما المختص في الشأن الإسرائيلي وديع أبو نصار فقال؛ إن “الطابع الفردي لهذه العمليات، يشير إلى إحباط لدى الشبان الفلسطينيين داخل إسرائيل؛ بسبب السياسات والقوانين العنصرية بحقّهم”.
وتابع: “أفراد محبطون يتخذون قرارات فردية بالقيام بهذه العمليات لتفريغ إحباطهم، وهنا تكمن الخطورة ويزيد تعقيد المشهد”.
واعتبر أن “عدم وجود تأثير حقيقي للقائمة العربية الموحدة في الحكومة بما يعود على الفلسطينيين بشكل إيجابي، بالتزامن مع مصادرة وهدم المنازل والقوانين العنصرية بحق الفلسطينيين، زاد من حالة الإحباط لدى الشبان”.
واستكمل: “العمليات أضرت بصورة إسرائيل، خاصة أن منفّذيها من الأفراد، واستطاعوا إيقاع خسائر ودب الرعب والهلع في قلوب الكثير من الإسرائيليين”.
وعدّ أبو نصار بروز الطابع العسكري لهذه العمليات بالتحول المهم جدا، خاصة أن بعض الفلسطينيين ينظرون له “على أنه تطور بالفعل المسلّح الفلسطيني”.
كما أعرب عن اعتقاده بأنها قد تتخذ إجراءات “صارمة على شكل عقوبات جماعية لعائلات المنفّذين ومحيطهم، لردع الآخرين من تنفيذ عمليات مشابهة”.
وتحدث عن وجود تخبّط داخل الأروقة الرسمية الإسرائيلية “حول الخطوات الأنجع لمواجهة العمليات، هل ستكون برفع وتيرة سياسات العصا أم الجزرة”.
بالمقابل، ربما تشكل هذه العمليات، وفق أبو نصار، حافزا لإسرائيل والمجتمع الدولي لتحريك المياه الراكدة في مسار استئناف جدي لمفاوضات حل الصراع مع الفلسطينيين”.
واستطرد: “تراكم العمليات يؤدي إلى نوع من الحلحلة البسيطة، خاصة أن الإدارة الأمريكية تضغط لوقف هذه العمليات”.
هيئة للدعم
في إطار حالة الدعم لفلسطينيي الداخل في مواجهتهم للانتهاكات الإسرائيلية، أعلنت فصائل ومنظمات فلسطينية غير حكومية، في 12 آذار/مارس الماضي، تشكيل هيئة وطنية.
وتعد هذه الهيئة الأولى من نوعها التي يتم تشكيلها بغزة في إطار خدمة أهداف فلسطينيي الداخل.
وقال رئيس الهيئة محسن أبو رمضان؛ إن هدفها هو “إسناد نضال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، ضد سياسة التمييز العنصري، والقوانين كالمواطنة والقومية، والتهجير القسري، وهدم المنازل، والإجراءات الصهيونية لإحلال مهاجرين جدد من المستوطنين”.
وأوضح أبو رمضان أن الأنشطة الداعمة التي ستطلقها الهيئة، تأخذ طابعا “سلميا وشعبيا ومدنيا عبر عدة لجان”.
المصدر: الأناضول/ عربي 21