إنجي مجدي
بعد أكثر من ثماني سنوات أفادت تقارير صحافية بأن أنقرة عينت سفيراً لها في القاهرة، مما يشير إلى مزيد من التفاهم بين البلدين.
الخطوة تـأتي في إطار جهود المصالحة التي بدأت قبل عام بمحاولات تقارب تركي، اتخذت أنقرة على إثرها عدداً من القرارات التي تهدف لاسترضاء القاهرة، وعلى رأسها القرارات المتعلقة بعناصر تنظيم الإخوان الهاربين من أحكام قضائية.
وأفاد مدير مكتب موقع “ميدل إيست آي” في تركيا راغب صويلو بأن تركيا عينت صالح موطلو شان سفيراً لها لدى القاهرة. ووفقاً لتقرير الموقع ومقره لندن، قال مسؤولون أتراك إن وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو أبلغ شان بدوره الجديد، بينما لا تزال أنقرة تنتظر تأكيداً من الحكومة المصرية في شأن إرسال السفير الجديد الذي كان خدم كمندوب لتركيا لدى منظمة التعاون الإسلامي بين عامي 2015 و2020.
وعلى الرغم من تداول وسائل الإعلام المصرية خبر تعيين سفير لتركيا في القاهرة نقلاً عن “ميدل إيست أي”، التزمت وزارة الخارجية المصرية الصمت ولم يتم تأكيد أو نفي الخبر من جانب الحكومة المصرية.
نفي تركي
وفي المقابل، قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، اليوم الخميس، إنه لم يتم اتخاذ هذا القرار بعد. وأضاف في مؤتمر صحافي، عقب مشاركته في اجتماع وزراء خارجية دول حلف الناتو بالعاصمة البلجيكية بروكسل، أن تركيا “ستقدم قريباً على خطوات بخصوص تطبيع العلاقات مع مصر”، وفقاً لما نقلته وكالة أنباء “الأناضول” التركية الرسمية.
وأوضح تشاووش أوغلو، “أقدمنا على عدد من الخطوات في إطار تطبيع العلاقات مع مصر، وخلال الأيام المقبلة سنقدم على خطوات أخرى”. وتابع: “سبق أن سحبنا سفراءنا بشكل متبادل، وانخفض التمثيل الدبلوماسي بيننا إلى مستوى القائم بالأعمال”.
وأشار إلى أن “القائم بأعمال السفارة التركية في القاهرة انتهت مدة عمله هناك، والآن نريد أن نعين قائماً جديداً”، مضيفاً: “عندما نتخذ قراراً متبادلاً بتعين السفراء، سنعلن ذلك على الرأي العام، لكن حتى الآن لم يتم اتخاذ مثل هذا القرار”.
تحفظات مصرية
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، قال في تصريح خاص لـ”اندبندنت عربية”، إن الصمت المصري بشأن الخطوة ربما يشير إلى تعجل تركيا نحو تطبيع علاقاتها أكثر مما يبدو بالنسبة لمصر، كما يثير بعض التساؤلات عما إذا كانت مصر لا تزال لديها تحفظات على السياسة الخارجية التركية، وبالأخص على صعيد موضوعي الإخوان وليبيا.
وأضاف نافعة، أن تركيا هي من بادرت بالتوجه نحو تطبيع العلاقات مع مصر، وتواصل الدفع نحو الأمام، لكن يبدو أن مصر غير متعجلة، كما أن العلاقات المصرية اليونانية ربما يكون لها عامل في هذا التأني من جانب الحكومة المصرية، إذ إن تطبيع العلاقات مع تركيا قد يؤدي بدوره إلى بعض الفتور مع اليونان، وهو ما لا تريده مصر، وبالتالي فإن القاهرة تسعى إلى الوصول إلى نقطة توازن.
وأوضح أستاذ السياسة، أنه إذا صح تعيين أنقرة سفيرا لها وتم قبوله في القاهرة، فإن هذه الخطوة ستكون مهمة نحو تحسين العلاقات السياسية وسيكون الأمر مسألة وقت للتغلب على بقية الصعوبات، التي لا تزال تعترض طريق التطبيع الكامل.
وأشار إلى أن الخطوة التركية متوقعة في إطار ما باتت تتبعه أنقرة من سياسة براغماتية مع جيرانها في المنطقة، إذ تتسق الخطوة مع التوجه العام للسياسة التركية، التي تحاول مجددا إقامة علاقات مع الدول التي ربطتها بها علاقات سياسية متوترة خلال السنوات الماضية بما في ذلك السعودية والإمارات.
وبشكل عام، أشار نافعة إلى أن الخلافات يمكن أن تُعالج من خلال تبادل السفراء، إذ إن وجود اتصالات رسمية على مستوى السفراء يمكن أن يسهل الحوار بين البلدين.
سنوات الخصومة
وعلى مدى تسع سنوات شهدت العلاقات بين مصر وتركيا توترات سياسية وقطيعة دبلوماسية إثر تدخل أنقرة في الشأن السياسي المصري وإيواء العناصر الهاربة من تنظيم الإخوان الذي تصنفه مصر “إرهابياً”.
ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 وعلى إثر تصريحات لأردوغان دان فيها قمع السلطات المصرية لموجة تيار الإسلام السياسي، طالبت مصر السفير التركي حسين عوني بوتسلي بمغادرة البلاد، وأبلغته بأنه “شخص غير مرغوب فيه”، لترد تركيا بخطوة مماثلة.
وتوترت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد عزل الرئيس الراحل محمد مرسي في الثالث من يوليو (تموز) 2013 وتظاهر ملايين المصريين للمطالبة برحيله، بعد عام في السلطة شهدت فيه البلاد تدهور الوضع الاقتصادي واعتداء العناصر التابعة لتنظيم الإخوان على المتظاهرين، وارتكاب أعمال عنف عدة أسفرت عن مقتل متظاهرين، إضافة إلى السعي لفرض أجندة متطرفة على المجتمع وإحكام السيطرة على السلطة لمصلحة التنظيم، ومن بينها الإعلان الدستوري في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، الذي سعى من خلاله مرسي إلى توسيع سلطاته.
وفضلاً عن معارضة أنقرة الإطاحة بمرسي المنتمي إلى تنظيم الإخوان، جمعت البلدين خلافات كبيرة في شأن عدد من قضايا المنطقة، تمثلت في دعم طرفي الصراع في ليبيا والموقف من احتياطات الغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط حيث الخلاف حول ما يسمى “المنطقة الاقتصادية الخالصة لدول المنطقة”.
وبلغت التوترات بين القاهرة وأنقرة الحد الذي أثار القلق الدولي في شأن نشوب نزاع، ففي صيف العام 2020 بدا الأمر كما لو أن “الحرب الباردة” بين القاهرة وأنقرة يمكن أن تتحول إلى صدام مسلح، بعدما لوح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالتدخل العسكري في ليبيا لدعم قوات الشرق في مواجهة الغرب الليبي المدعوم عسكرياً من تركيا، قائلاً بوضوح “سرت – الجفرة” خط أحمر.
محاولات التصالح
ووسط عزلة إقليمية ألمت بمصالحها، أجرت الحكومة التركية تحركات واسعة للتصالح مع مصر منذ العام الماضي، ففي مارس (آذار) 2021 أعلنت تركيا استئناف اتصالاتها الدبلوماسية مع مصر، واتخذت خطوات عدة بينها الضغط على قنوات الإخوان التي تبث من تركيا، ووجهتها بتخفيف النبرة التحريضية التي تتخذها تجاه القاهرة، وبعد سلسلة من التصريحات التركية الودية في شأن عودة العلاقات مع مصر تحدث وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو هاتفياً مع نظيره المصري سامح شكري بهدف تبادل التهاني بحلول رمضان في أبريل (نيسان) من العام نفسه، وكان الاتصال المباشر الأول على مستوى رفيع بين مسؤولي البلدين منذ خفض العلاقات لمستوى القائم بالأعمال العام 2013.
وفي الـ 14 من أبريل العام الماضي أعلن زير الخارجية التركي “بدء مرحلة جديدة ستشهدها علاقات البلدين”، مشيراً إلى أنه ستكون هناك “زيارات ومحادثات متبادلة في هذا الإطار”، وهو ما أثمر عن أول لقاء من المحادثات الاستكشافية بين الطرفين بالقاهرة في مايو (أيار) من العام ذاته.
وفي سبتمبر (أيلول) 2021 زار نائب وزير الخارجية المصري السفير حمدي لوزا أنقرة لإجراء الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية.
وتزامن الإعلان عن زيارة لوزا لأنقرة مع قرارات تركية بمنع المتورطين في قتل النائب العام المصري هشام بركات من مغادرة البلاد، وفرض قيود جديدة على اثنين من المطلوبين الدوليين وهما يحيى موسى المسؤول عن تخطيط عملية اغتيال النائب العام وغيرها من العمليات الإرهابية، وعلاء السماحي القيادي في حركة حسم الإرهابية.
وعلى الرغم من توتر العلاقات السياسية بين البلدين استمرت العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما بشكل طبيعي، فوفقاً لتعليقات سابقة لـ “اندبندنت عربية” أوضح سفير مصر لدى أنقرة بين عامي 2010 و2013 عبدالرحمن صلاح أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ 5.2 مليار دولار، وأشار إلى أن أنقرة هي البلد الوحيد الذي زاد الصادرات المصرية له خلال العامين الماضيين بنسبة 10 في المئة، وتتجاوز الاستثمارات التركية في مصر مليار دولار، حيث توجد عشرات المصانع التركية التي تنتج في مصر.
وأوضح السفير المصري السابق أن بلاده تشجع التعاون بين جيرانها ولم ترفض المصالحة مع تركيا، لكن بشرط احترام سيادة الدولة وعدم التدخل في الشأن الداخلي، مضيفاً أن “الحوار دائر ولم يتوقف، واحتفظنا بسفاراتنا كاملة برئاسة القائم بالأعمال وبها ممثلو جميع مؤسسات الدولة، وكذلك السفارة التركية في القاهرة ويتم التبادل الرسائل عبرها”.
المصدر: اندبندنت عربية