فيصل عكلة
كثيرة هي المنظمات والجمعيات المنتشرة في المحرر والتي تهتم برعاية الأيتام، ولكنها تقف عاجزة أمام احتياجات جيش من الأيتام الذي خلفته آلة القتل الأسدية بمساعدة الطيران الروسي ومساهمة مليشيا حزب الله الإيرانية، ووفق إحصائية لفريق (منسقو الاستجابة السريعة) بلغ عدد الأطفال الأيتام في مناطق شمال غرب سورية (١٩٨,٦٣٢)طفلًا دون سن الثامنة عشرة، فيما وصل عدد النساء الأرامل دون معيل إلى ٤٦,٨٩٢)امرأة.
صحيفة إشراق زارت دار كنف لرعاية الأيتام في مدينة الدانا في الشمال السوري والتقت مديرها أنس البكور وسألته عن الخدمات التي توفرها الدار فأجاب:
تأسست كنف قبل خمس سنوات تقريبًا لاستقبال الأيتام من سن ست سنوات حتى السابعة عشر، وترعى الآن أكثر من 230 طالب وتقدم لهم الرعاية التربوية التعليمية بالإضافة للإحتياجات الأساسية من طعام وشراب وملبس ورعاية صحية، إضافة إلى تأمين نشاطات ترفيهية ورحلات إلى المنتزهات والملاهي وتعليمهم السباحة وركوب الخيل والإهتمام بالجانب التقني مثل الحاسوب، أي تحاول الدار أن تقدم لهم مشروع تربوي متكامل، كما تقوم كنف بتوصيل الطلاب إلى ذويهم في العطل.
أضاف مدير دار كنف أن المدرسة تقدم خدمات التعليم للطلاب بالمرحلتين الإبتدائية والإعدادية وذلك وفق منهاج التربية إضافة إلى مواد شرعية وتعليم القرآن الكريم، والتركيز على البناء الجسدي والتربية الرياضية للطفل لأهميتها في بناء الشخصية والتقليل من وقع الصدمات العاطفية والنفسية التي يتعرض لها بسبب فقدان الأب وتداعيات الحرب.
عن آمالهم في المستقبل والحلول الممكنة لتحسين حالة الأيتام قال السيد أنس: لقد أمست مشكلة الأيتام مشكلة شاقة وكبيرة جدًا في المحرر وكنف وغيرها من المحاضن التربوية لا تستطيع تحمل سوى الجزء البسيط من المشكلة، ونهدف إلى استنساخ مشروع أكبر لمعالجة مشكلة الأيتام عبر تضافر جهود الجهات الرسمية والخاصة واستنفار المنظمات والجمعيات لرعاية الأيتام حتى لا نتركهم للإنحراف، علمًا أن غالبية الأموال التي تنفق في الشمال تذهب للخدمات الأساسية وتغفل حاجة اليتيم إلى الرعاية التعليمية والتربوية لتعويض النقص الذي تولد عن غياب الأب وأملنا بالله كبير في فترة الهدوء الحالية أن تفتح مشاريع جديدة على منوال كنف للمساعدة في التخفيف من المشكلة، مع ملاحظة أن تكون هناك مركزية لرعاية الأيتام رعاية شاملة من جميع النواحي التربوية والإجتماعية والإقتصادية.
عن الصعوبات التي تواجه رعاية الأيتام، حسب رأي مدير الدار قال: قد يكون الجانب الأمني الضعيف أحد أهم الصعوبات إضافة إلى المال الذي يعتبر عصب المشاريع الحيوية في التربية والتعليم وخاصة مشاريع رعاية الأيتام، مع نقص واضح في الكوادر التربوية التي تملك العلم والمعرفة الأكاديمية في اختصاصات تربية اليتيم من كافة النواحي النفسية والتربوية والعقدية التي تمس حياته المستقبلية.
خلال تجوالنا في دار الأيتام التقينا الطفلين حسين(١٢سنة) وأخيه عمار(١٠سنوات)، و سألناهما عن حكايتهما فأجاب حسين: أنهما يعيشان في هذه الدار منذ عدة سنوات وأنهما تعرفا على مجموعة كبيرة من الأصدقاء، ويذهبان بالعطلة إلى بيت جدهما حيث يعيشان بعد استشهاد أبيهما وزواج أمهما.
وعن البحث في الصعوبات التي تعترض سبيل الأيتام في الشمال المحرر سألنا الناشط في الأعمال الإنسانية سعد الدين اليحيى فقال: قد يكون ألم التهجير كسائر الناس هو الأبرز، لكنه مع اليتيم كان من غير أب أو أم، إضافة إلى عدم الاهتمام بالتعليم لإنشغال بعضهم بتأمين لقمة العيش، وعند زواج الأم يُنزع الأولاد من أمهم نزولًا عند عادات الناس مع أن الأصلح له ان يبقى مع أمه وخصوصًا إذا كان الزوج ممن يطلب تربية الأيتام، والمحاكم الآن تنظر في الأصلح لليتيم إذا تخاصموا إليها، وفصل الأبناء عن أمهاتهم في سن معين في بعض دور الإيواء وبالتالي قد يتعرض اليتيم لأخطار رفقة السوء أومنزلقات الفساد.
وعن تجربته مع الأيتام والحلول الممكنة قال اليحيى: من خلال تجربتنا في العمل الإنساني وجدنا بيوت مستورة فيها أيتام وفيها معاقين وتعيلهم أرملة، يفتقدون لأدنى مقومات الحياة، ربما كفتهم جمعية سكنهم لكن بقى لديهم الدواء واللباس، والحل يكون بتكليف لجان من كل بلدة بحصر أصحاب الحاجات ومنهم الأيتام ضمن سجلات ومستويات وعرضها على الجمعيات والمنظمات واهتمام أصحاب دور الإيواء بمعالجة المشاكل الحقيقية عند تلك الأسر وعدم ابتزاز الأمهات، وحمل المسؤولية من الجميع لحماية الأيتام ومن لا ولي لهم من الوقوع في مستنقعات الفساد الأخلاقي والإجتماعي، حيث يقع فيها بعض من له ولي أمر ومن عنده من يتابعه فكيف بمن لا ولي له، وأن تحمل الحكومات الموجودة في المحرر مسؤوليتها تجاه هؤلاء الأيتام بالتعليم والتطبيب والحماية وجعلهم أولوية.
كثيرة هي الأفكار التي تُطرح لمساعدة الأيتام في مجالات عديدة، ولكن الكل يقف عاجزًا أمام توفير حنان الأم وحدب الأب الذي فقدوه منذ نعومة أظافرهم.
المصدر: اشراق