أحمد مظهر سعدو
ثمة أسئلة مابرحت تطرح حيثياتها، وتعيد إنتاج نفسها يومًا إثر يوم، ومفادها: إلى متى ستبقى الميليشيات الإيرانية وتوابعها جاثمة في الجغرافيا السورية؟ وهل يمكن أن تنتج المتغيرات السياسية الدولية والإقليمية بعد غزو أوكرانيا الجديد في ذلك؟ وهل يمكن أن تعطي قضية تعثر وانتكاس المفاوضات الإيرانية مع الدول الغربية في (فيينا) ماهو مستجد ومتغير بما يخص إعادة تموضع القوات الإيرانية الاحتلالية في مجمل سورية؟
أسئلة كثيرة غاية بالأهمية، وهي محط أنظار السوريين أولًا، وكذلك الدول الإقليمية والمحيطة، لما للوجود الإيراني الاحتلالي الكولونيالي من أخطار، قد تطال الجميع بلا استثناء، وتؤسس إلى ماهو أبعد من ذلك، في احتمالية نجاح المشروع الإيراني الفارسي الطائفي، ومايمكن أن يحمل من استطالات من المتوقع أن تعيد رسم الاقليم برمته فيما لو نجحت.
وبعد التكثيف الإسرائيلي للغارات التي استهدفت ميليشيات إيران في سورية مؤخرًا، وخاصة في ريف دمشق، فقد أدى ذلك إلى انسحابات، وإعادة انتشار لهذه المليشيات، في غير مكان من الريف الدمشقي، وكذلك في بعض المناطق الأخرى من سورية. لكن ذلك وحسب متابعين لن يكون في المنظور القريب عامل أمل بأن الخروج الإيراني من سورية قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز، ولا يبدو أن الذي حصل من عمليات إعادة انتشار وانسحاب من الكسوة ومحيطها، سيترك الأثر الكبير، من أجل كنس المحتل الإيراني من مجمل الجغرافيا السورية، كما لايبدو أن مانتج من تقهقر للروس في أوكرانيا وانسحابات روسية من بعض أماكن وجودها في سورية، سيوازيه أو يتساوق معه اشتغال إيراني حقيقي نحو العودة الإيرانية العسكرية إلى جغرافية داخل إيران.
حتى مع اشتداد أزمة النظام الإيراني الداخلية، وتمدد المظاهرات إلى أكثر من مكان داخل أيران، وخاصة مايجري الآن من مظاهرات مهمة، وكثيفة ومنتشرة في أكثر من مدينة في الأحواز العربية المحتلة من قبل إيران، كل ذلك وضروراته لضبط االوضع وقمع تلك المظاهرات التي قد تتحول ألى ثورة عارمة، لايبدو أنها ستجبر العسكريتاريا الإيرانية على لملمة قواتها والعودة القسرية إلى داخل إيران. بدلالة أن مشروعها الذي جاءت من أجله إلى سورية ولبنان والعراق واليمن، مازال قائمًا وملحاحًا بالنسبة لها، ويعيد إنتاج نفسه، في وقت نشهد فيه الكثير من التراخي والهلامية الأميركية في التعاطي مع تمدد المشروع الإيراني في المنطقة، حيث لم يعد من همٍ للأميركان سوى الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني ودولة الكيان الإسرائيلي، في وقت تحتفي فيه إسرائيل ببلوغ 74 عامًا من انسحاب البريطانيين، واحتلال كامل فلسطين في 15 أيار/ مايو عام 1948. الهم الأساسي للأميركان كان ومايزال هو الحفاظ على أمن إسرائيل، ولاضير أن إيران وميليشياتها هي أكثر من يلتزم بذلك، بعد أن التزمت به منذ انطلاق (ثورة الخميني) عام 1979 وحتى الآن، وليس هناك من تهديد جدي إيراني لدولة (إسرائيل) سوى بالكلام، حيث يحرسها حلفاء إيران وأتباعها، ففي الجنوب اللبناني يقوم حزب الله التابع لإيران بحماية أمن إسرائيل، وكما يحرس النظام السوري أمنها في الجولان الذي التزم بحماية أمنها منذ اتفاق فض الاشتباك بين إسرائيل وحافظ الأسد عام 1974 وحتى الآن، وكانت أكثر الجبهات هدوءً منذ ذاك التاريخ هي جبهة النظام السوري معها، وبدور النظام الوظيفي سواء أيام الأب حافظ الأسد أو ابنه الوريث غير الشرعي، مابرحت إسرائيل تنعم بالأمان على حدوده.
لاضير أن الميليشيات الإيرانية في سورية ووفق المنظور القريب باقية وتتمدد وتحمي النظام السوري من الانهيار، كما تحمي مشروعها الإيراني الكبير، وتهدد بوجودها ليس إسرائيل بل الدول العربية، وخاصة الخليجية منها، ولاشك أن الأميركان يدركون ذلك، لكنهم يشيحون بالنظر عنه، ويستمرون في مفاوضات مع الإيرانيين من أجل مصالحهم على حساب المصلحة العربية والخليجية منها. ولا شك أن الوجود الإيراني في سورية هو أمر طاريء ولايمكن أن يكون مقبولًا لدى السوريين كافة، وهم يدركون مدى خطورته على مستقبل سورية والمنطقة برمتها، كما أن الثورة السورية قامت على الاستبداد الأسدي وعلى كل حالات التغول على الشعب السوري ومنه بالضرورة تغول المشروع الإيراني ودولة الملالي الإيرانية داخل المنطقة وخاصة داخل سورية، حيث يتحرك الإيرانيون نحو إنتاج تغيير ديمغرافي في سورية يؤسس لبقاء طويل ومديد في سورية، ولعل ذلك هو أكثر ما يجعل من الوجود الإيراني غير مقبول، ومرفوض شعبيًا سوريًا ومن كل الطوائف والأثنيات، بلا استثناء لمايشكله من أخطار محدقة، بل أشد خطرًا أو توازي خطر المشروع الصهيوني في المنطقة العربية.
من المؤكد أن الذي يحصل في أوكرانيا من غزو روسي لأوكرانيا، والمزيد من الغرق الروسي في الوحل الأوكراني، ومن حيث أن روسيا شريك وحليف الإيرانيين، سوف يؤثر على تموضعات الإيرانيين وميليشياتهم داخل حدود سورية، وسوف يؤثر على مجمل القضية السورية، والمسألة الأهم في تاريخ المنطقة الحديث، لكن من المتوقع أن تسارع إيران، وكي لاينهار مشروعها، ومعه النظام السوري، إلى مد يد التفاهم مع إسرائيل ربيبة الأميركان في المنطقة، كي تتمكن إيران من الخروج من عنق الزجاجة، وإعادة تثبيت وجودها، والإيرانيون ليسوا مبدئيين أبدًا، بل لعلهم كانوا ومازالوا نفعيين براغماتيين ويتلونون حسب المصالح، ولاننسى فضيحة (إيران غيت)، كما لايمكن نسيان التوافقات مع البريطانيين والأميركان إبان سقوط بغداد عام 2003 حين تفاهموا على حكم جنوب العراق عبر مصالحهم المشتركة. وهم اليوم يمكنهم أن يكونوا أكثر براغماتية، فيما لو شعروا بالخطر، وأن المشروع الإيراني يمكن أن يتقهقر أو يتراجع، بعد كل إنجازاته العسكرية المفترضة، لذلك فهم اليوم يتغاضون عن كل عمليات القصف ضد حرسهم الثوري في سورية، كما كانوا قد بلعوا عملية مقتل قاسم سليماني على يد الأميركان، لأنهم أصحاب نظرية تجرع كأس السم، عندما تجرعه الخميني سياسيًا بعد هزيمته أمام العراق عام 1988 بعد حرب طاحنة بينهما، دامت لثماني سنوات ونيف، خسر فيها الإيرانيون الكثير، ثم قبلوا بتوقف الحرب كي يتمكنوا من إعادة قيام مشروعهم وبناء المفاعل النووي الذي بات يهدد المنطقة بكليتها.
من هنا فإنه يمكن القول إن المستقبل لايمكن أن يكون للميليشيات الإيرانيىة في سورية، ولايمكن أن يكونوا مقبولين من السوريين، ولا كل شعوب المنطقة، لكن وبكل تأكيد فإن ذلك على المدى المستقبلي، بينما الواقع المشهود، وكذلك السنوات القليلة القادمة سيتمكنوا من الاستمرار والبقاء مع صمت الأميركان، وعجز العرب عن إنجاز مشروعهم في مواجهة المشروع الإيراني، حتى يتم بناء الوعي المطابق والماثل والعملاني، لحشد النظام العربي الرسمي من أجل افشال المشروع الإيراني الإرهابي في المنطقة، ولايمكن أن يكون ذلك، إلا بإمكانيات وقرار العرب مجتمعين، وليس عبر الاستعانة لا بإسرائيل الأشد خطرًا، ولا بالإدارات الأميركية المتتابعة، والتي لايمكن أن تحمي العرب، بل تحمي (إسرائيل) ومصالح الأميركان فقط.
المصدر: موقع وكالة ثقة للأنباء