زكريا ملاحفجي
عاش جميعنا أو عاصر أو سمع عن الاختطاف للدولة السورية، للسلطة، للقرار، للحريات عبر ما يسمى الحركة التصحيحية، كي يمنحوا حقيقة الانقلاب عنواناً براقاً، ومنح صاحب الانقلاب لقب باني سورية الحديثة.! وهو في الحقيقة هادم سورية، فالناظر لسورية قبل حقبة آل الأسد وبعدهم يعلم ماذا حل بسورية، فرشدي كيخيا زعيم حزب الشعب في حلب يقول نهاية الخمسينيات إن دخل الفرد في سورية يعادل بل ويربو على دخل الفرد في أوربا آنذاك، والصناعات النسيجية وعدد من الصناعات كانت تنافس الكثير من الصناعات المتقدمة، وكانت تعيش سورية حالة نهوض عقب التخلص من الاستقلال، ونشأ في الخمسينيات القطاع المشترك بين الشعب والدولة وتجلى في ميناء اللاذقية وبقيت عجلة النهوض لغاية حقبة الأسد التي لم تنته ونصل اليوم إلى راتب موظف الدولة من الفئة الأولى دون 30 دولار شهرياً ..!!
سورية منذ استلام آل الأسد تتقهقر للوراء، ليس فقط الحضارة والمدنية بل التخلف والفساد للإنسان وكل مناحي الحياة فأصبح الفساد والتخريب يضرب أطنابه مع اغتصاب آل الأسد للسلطة وتغولهم على الدولة باختطافهم للدولة والسلطة عبر انقلاب عسكري ذهب ضحيته البلد والشعب بكامله، ودفع الشعب التكلفة الباهظة لتسلط حاكم عسكري حظي بشرعية دولية!
وينجح بانتخابات متلاحقة بنسب تفوق 90 بالمئة ليحكم الشعب عبر عقود من الزمن.!! وأصبح الشعب موزعًا بين لاجئ ونازح وأسير لدى السلطة.
وأصبحت الصورة اليوم الشعب يدفع التكاليف الباهظة للتخلص من الديكتاتورية والاستبداد الذي يحظى بتأييد دولي لدول لها أطماعها فتقاوم الإرادة الشعبية بعنف وتوحش ومجتمع دولي كانت مساندته أقرب للمساندة المعنوية والإنسانية علماً أن القضايا والمآسي الإنسانية لا تحل إلا بمسارات سياسية تُحترم فيها رغبة الشعوب.
وكما يقول الدبلوماسي الفرنسي جان بيير فيلو:(الجلادون العسكريون لا يرحلون من تلقاء أنفسهم، والعرب يعرفون ذلك ونظراً لغياب مساعدتنا نحن الغرب، فهم يتطلعون على الأقل لتفهمنا لاحتجاج الشعوب).
العنف الذي تعرض له هذا الشعب بسبب هذا الاختطاف والانقلاب غير مفهوم بحجمه وشناعته التي تعتبر اليوم الكارثة الأكبر في هذا القرن، والتي تحولت إلى مواجهة مسلحة عظيمة التكلفة تكون بين الدول الكبرى عادة وليس بين دول كبرى وشعب أعزل في دولة صغيرة إلى متوسطة الحجم مثل سورية.
وتحولت القوى التي تواجه عتاد دول عظمى ببندقية وهذه القوى عموماً مالم تستند إلى دعم دولي رسمي لا تستطيع البقاء وتصبح فريسة للتناوش. ونخب تقليدية دائمة التلاوم بلا مشاريع إنقاذ وطنية ناجحة، عدا عن التخلي، أو عدم جدية القوى الدولية التي تنسب نفسها للعالم الحر، وتدعوا إلى جملة من القيم السياسية المرتبطة به دون تطبيقها حقيقة من الديمقراطية واحترام إرادة الشعوب.
أعلى ما تحظى به هذه الشعوب هي قرارات دولية غير ملزمة تحفظها هذه الشعوب وتكررها صباح مساء فهي الشيء الوحيد الذي قدمه هذا العالم الحر.! ويتم الاستخدام الجيد للإرهاب من أجل ضرب حالة التحرر الوطنية الديمقراطية وإضعافها لتحل محلها قوى أخرى، ولعل أوضح مثال على ذلك هو الاستخدام الجيد لداعش من قبل النظام السوري وقوى أخرى، حيث. سمحوا لداعش بإنشاء دولة مؤقتة ليتم ملء الفراغ بعد ذلك من قوى أخرى، وإضعاف القوى الوطنية التي تقاتل لنيل الحرية والديمقراطية والتي أصبحت بين مطرقتي التطرف الطائفي الشيعي والتطرف السني الداعشي.
العالم لم يعد يهتم بهذه الشعوب، بل يهتم برعاية النُظُم التي تقمعهم، ومسار السلام والحلول تدور في الفراغ، على الرغم من ذلك أعتقد أن هذه الشعوب سترجع لدينامية النهضة، وفي وسط دهشة الجميع، حيث نرى أنه حتى اليوم لم يتوقف حراكهم وصوتهم واحتجاجهم بكل الأدوات والأساليب والقنوات من أجل حقوقهم، وإذا كان عجيجهم في منطقة جغرافية داخل سور وطنهم المحكوم عسكرياً، فقد بات اليوم منتشراً في كل فضاءات العالم وما عاد الاختطاف ينفع من جديد وإن حصل فلن يشعر باستقرار حقيقي وسوف يدفع بأشكال شتى، ولن يستطع أحد إيقاف عجلة التغيير التاريخية.
المصدر: اشراق