عبد الله البشير
تحوّلت خلايا تنظيم “داعش” إلى شبح يهدد أمن السكان في مناطق ريف دير الزور شرقي سورية، التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وهذه المناطق من ريف المحافظة تخضع اسمياً لسلطة “قسد” ونفوذها، إلا أن الأمن شبه معدوم فيها، وأذرع التنظيم تمتد فيها وعناصره ينفذون عمليات اغتيال وسرقة المدنيين من دون رادع. وتوجد خلايا يحركها النظام تزعزع أمن الأهالي وتروعهم. ويقول الأهالي إن وجود عناصر “قسد” صوري ومحدود، وما من حماية لهم ضد عناصر التنظيم. وهناك مخاوف حقيقية دائماً من تمدده في المنطقة.
ويكشف محمد من ريف دير الزور الشرقي، آخر معاقل “داعش” في سورية، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “السكان في المنطقة ما زالوا يعانون من جراء دفع الإتاوات، ويخشون سطوة التنظيم، ولكن لا تفرض كافة الإتاوات عليهم من قبل داعش، فبعض الأشخاص يستخدمون اسم التنظيم لفرض إتاوات وسلب الأهالي الأموال. ويخشى أولئك الذين يرفضون دفع الإتاوات مصير القتل، رغم أنهم غير قادرين على تحديد الجهة التي فرضتها.”
بدوره، يؤكد صهيب الجابر لـ”العربي الجديد” أن خلايا “داعش” صارت شبحاً يطارد سكان ريف دير الزور عبر نصب حواجز متنقلة في مناطق يفترض أنها تخضع لنفوذ “قسد” في المحافظة. وهكذا يفقد الأهالي للأمان الشخصي والمادي، ويدفع كثيرين منهم إلى التفكير ملياً بالهجرة من المنطقة بعد فقدانهم الأمل بتحسّن واقعها.
يشير الجابر إلى أنه لا يمكن للسكان مواجهة أزمة خلايا “داعش”، إذ لم يقض على التنظيم بعد ولم تجف مصادر تمويله وما زال يحتفظ بآلاف من عناصره المنتشرين في مناطق عدة من سورية، على الرغم من إعلان النصر عليه منذ عام 2019. يضيف أن الجهة التي تتحتم عليها مواجهة التنظيم هي “قسد” المسيطرة على المنطقة والتي شكلت الإدارات والدوائر المجالس المدنية. والغريب في الأمر أنّ خلايا التنظيمٍ ما زالت تتنقل ضمن نطاق عمل هذه المؤسسات. ولا يمكن لعناصر “قسد” في معظم الأحيان تسيير دوريات وإيقاف تمدد التنظيم، في حين تستعين بقوة من التحالف الدولي مدعومةً بطيران حربي ومروحيات، للقبض على عنصر واحد فقط من “داعش”.
ويوضح أن “خلايا التنظيم تغتال كل من له علاقة بأي دائرة مدنية أو مؤسسة أو منظمة للعمل الإنساني، وكل من التحق بصفوف قسد سابقاً، وتفرض إتاوات على أصحاب المحلات الصغيرة، وأصحاب شركات الحوالة والصيرفة وغيرها. وعمد أشخاص لا ينتمون إلى داعش إلى امتهان السرقة تحت التهديد منتحلين صفة التنظيم، وقد وثقت هذه الحوادث مرات خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
ويعزو خبراء هذه الحوادث إلى الثغرات والاختراقات التي حققها داعش في صفوف كل من “قسد” والنظام السوري، ما أنعش التنظيم رغم أنه يعيش فترة عدم استقرار على صعيد مركزية قيادته بعد اعتقال زعيمه الجديد أبو الحسن الهاشمي القرشي أخيراً.
ترويع السكّان
يقول الناشط أبو عمر البوكمالي المقيم في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور إن النظام السوري متهم بترويع السكان من خلال “شماعة تنظيم داعش”، مشيراً إلى أن ما ساعد على ظهور “داعش” على هذه الصورة هو النظام السوري الذي وجد خلايا تتكلم باسم “داعش”، تضع ملصقات على المساجد والأماكن العامة، مبيناً أن الأهالي في المنطقة اكتشفوا أشخاصاً ينتحلون صفة “داعش” ويعملون بإمرة النظام. يضيف: “هناك تخوف كبير لدى الناس، إذ يمكن لعشرة أشخاص من تنظيم داعش السيطرة على مدينة وقتل الناس. وقبل مدة، حذّر عناصر يقودون دراجات تعود للتنظيم كانت تتجول في مدينة البصيرة الأهالي عبر مكبرات الصوت من الانخراط في صفوف قسد، وهذه كارثة”.
إلى ذلك، يقول زين العابدين العكيدي لـ”العربي الجديد” إن المضايقات والإتاوات موجودة في مناطق سيطرة “قسد”، وخلايا تنظيم داعش موجودة في البادية وأرياف دير الزور الشرقي والغربي والشمالي الخاضعة لسيطرة “قسد”، لافتاً إلى أنه بمجرد حلول الليل ينشط عناصر التنظيم. لكن منذ بداية عام 2022، خفّت عملياته بسبب السطوة الأمنية للتحالف الدولي.
أما الممارسات الحالية لـ”داعش” فتشمل جباية الأموال، والتي كانت تسمى الزكاة قبل أن يطلقوا عليها اسم الكلفة السلطانية، وتفرض على رعاة الأغنام والأطباء والصيادلة والتجار ومستثمري آبار النفط الذين يعملون مع “قسد”. وتتراوح المبالغ ما بين 100 دولار وقد تزيد عن 2500 دولار لمستثمري آبار النفط ويضطر السكان إلى الدفع. ومن يرفض معرض للخطر وقد يقتل. بالإضافة إلى ما سبق، يخشى الأهالي الاغتيالات؛ فأي شخص يعمل مع التحالف الدولي أو “قسد”، أو أولئك الرافضين لوجود التنظيم ويصنفون كعلمانيين معرضون للقتل من قبل التنظيم.
يضيف العكيدي: “يلجأ البعض إلى داعش لحل خلافات شخصية على أراضٍ، فيصدر التنظيم ورقة تطالب المدعى عليه بكف أذاه عن المدعي أو يتم قتله”، مضيفاً: “ليس لدى الأهالي أي طريقة لحماية أنفسهم. فداعش يعتمد على الاغتيالات بعد مراقبة الشخص المستهدف وغالباً ما يقوم بالاغتيال شخصان ملثمان يستقلان دراجة نارية ويستخدمان سلاحاً مزوداً بكاتم صوت. وتختلف أماكن تنفيذ الاغتيالات، إذ قد تحدث عند باب مسجد أو في السوق أو في مكان ناءٍ”.
ويؤكد العكيدي أن التنظيم نفّذ ما أطلق عليه “حد الحرابة” بحق شخص في ريف دير الزور الغربي خلال شهر مايو/ أيار الماضي، فوجد مصلوباً على شجرة وقد علقت على رقبته ورقة كتب عليها: “هذا الشخص كان يسلب أموال المسلمين”، مؤكداً أن الفشل الأمني لـ “مجلس دير الزور العسكري” و”قسد” هو السبب في تخوف السكان من “داعش” في المنطقة، لافتاً إلى أن الفساد في “مجلس دير الزور العسكري” وممارساته من سرقات وغيرها مشابه لممارسات “داعش”.
وكانت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية قد أعلنت في مارس/ آذار عام 2019 نهاية تنظيم “داعش” بعد هزيمته في آخر معاقله بريف دير الزور الشرقي وتحديداً في منطقة الباغوز، ليعود التنظيم على شكل خلايا وذئاب منفردة تلاحق السكان في المنطقة وتثير مخاوفهم من سطوة جديدة قد تعيدهم إلى حقبة الخوف تحت سيطرته.
المصدر: العربي الجديد