طارق فهمي
الاتفاق الثلاثي بشأن الغاز بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي يفتح باباً للتساؤل
حيث جاء توقيع اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي ليطرح تساؤلات متعلقة بما هو مقبل من محاولات أوروبية للالتفاف على ما يجري في سوق النفط، ورسالة قد تبدو أولية لروسيا، وهو ما قد يتم في أسواق أخرى من قبل الشرق الأوسط.
يأتي الاتفاق الثلاثي في إطار بحث أوروبي دؤوب عن المصادر البديلة، خصوصاً مع التخوف من امتداد ذلك لأشهر الشتاء، والسؤال هل يعد الاتفاق خطوة من الغرب لمحاصرة روسيا وتطويقها اقتصادياً وسياسياً، أم ماذا؟
الواضح في ما يجري من خطوات تنفيذية رسالة سياسية واقتصادية حقيقية في إطار الصراع الدائر بين روسيا والغرب.
مقدمات مهمة
– تم توقيع مذكرة التفاهم الثلاثية بشأن التعاون في مجال تجارة ونقل وتصدير الغاز الطبيعي بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي تحت مظلة منتدى غاز شرق المتوسط (تحول لاحقاً إلى المنظمة الإقليمية لغاز المتوسط) وجاءت الاتفاقية في وقت بدأت فيه روسيا بالفعل ما يسمى حرب الغاز ضد أوروبا، وأعلنت تقليص إمدادات الغاز لألمانيا بنسبة 40 في المئة، لتضخ 100 مليون متر مكعب يومياً بدلاً من 160 مليون متر مكعب عبر خط أنابيب “نورد ستريم”. والاتفاق هو مذكرة تفاهم تعد اتفاقاً إطارياً لوضع قواعد عملية تنظيم تصدير الغاز من المتوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، بخاصة من إسرائيل عبر منشآت تسييل الغاز المصرية في إدكو ودمياط.
– سيستمر اتفاق تصدير الغاز الثلاثي لمدة ثلاث سنوات مع تمديد تلقائي لمدة عامين، وهي مدة أقل من تسع سنوات، التي وردت في مسودة الاتفاق. ويشير ذلك إلى توافقات جرت بين الأطراف الثلاثة مصر وإسرائيل لرغبة الاتحاد الأوروبي في عدم إبرام اتفاق طويل الأمد، في ظل سعيه لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، إلى جانب توجهه للعمل على عدم ربط الاتحاد بصفقات مسعرة ثابتة لفترة طويلة على أمل تراجع الأسعار.
– وبموجب الاتفاق، سيشجع الاتحاد الأوروبي الشركات الأوروبية على المشاركة في مناقصات التنقيب الإسرائيلية والمصرية، حيث يتوقع زيادة شحنات الغاز الطبيعي المسال من مصر إلى أوروبا بموجب الاتفاقية، وإن كان الأمر سيستغرق على الأرجح عامين قبل أن يتم توسيع الصادرات بشكل كبير. مع التأكيد على أن مصر منتجة للغاز أيضاً، لكن صادراتها كانت محدودة بسبب ارتفاع الطلب المحلي.
– والمعلوم أن مصر تصدر الغاز بالفعل لدول أوروبية عدة منها تركيا، بقيمة 906 ملايين دولار، وحصة مصر في السوق التركية 23.28 في المئة، وإلى إيطاليا بقيمة 408 ملايين دولار، بحصة بلغت 10.48 في المئة من السوق الإيطالية، وكذلك إسبانيا بقيمة 349 مليون دولار، بحصة تصل إلى 9 في المئة.
– والمتوقع أن تتراوح صادرات الغاز في إطار الاتفاق الثلاثي بين 2.5 و3 مليارات متر مكعب في عام 2022، ويمكن أن تزيد إلى 4 مليارات متر مكعب لاحقاً، وواقعياً لا تقارن هذه الكمية بكمية الغاز التي تستوردها أوروبا من روسيا، التي تقدر بـ155 مليار متر مكعب سنوياً. لكن إلى جانب مصر وإسرائيل هناك دول مثل أذربيجان وبعض الدول الأفريقية، وخصوصاً نيجيريا، على أنها مصدر بديل محتمل لواردات الاتحاد الأوروبي، كما تسعى إيطاليا لزيادة وارداتها من الجزائر، كما بحثت ألمانيا مع قطر استيراد الغاز المسال.
– بالتالي فإن المفوضية الأوروبية تتوقع استيراد 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من مصر في عام 2022، ارتفاعاً من 5 مليارات متر مكعب كان مخططاً لها في الأصل، وسط توقعات بأن يتضاعف ذلك مرة أخرى العام المقبل، وفي الأشهر الأخيرة توجه جزء كبير من الغاز المصري لتركيا وأوروبا، بعد أن ارتفعت الأسعار، مقارنة مع الأسواق الآسيوية.
إشكاليات حقيقية
1- إن الإمداد الذي تم الاتفاق بشأنه عبر الاتفاق الثلاثي لن يكون كافياً بمفرده لسد الفجوة التي خلفتها المواقف الروسية والأوروبية تجاه ما يجري في سوق النفط، فالاتفاقية الأخيرة لا تحدد أي جدول زمني لزيادة تدفقات الغاز الطبيعي المسال من مصر، أو لبناء خط أنابيب جديد لشحن كميات إضافية من الغاز الإسرائيلي إلى مصر، وهو ما يعني أن روسيا ستظل المسيطرة على سوق الطاقة في أوروبا. مما سيضمن لروسيا المضي قدماً في خططها المتعلقة بأوكرانيا، وضمان استمرار الضغط على أوروبا بورقة الطاقة.
2- إن هناك تساؤلات مهمة مطروحة منها، هل سيكون اتفاق الغاز الثلاثي بديلاً لخط أنابيب غاز شرق المتوسط، الذي وقعت اليونان وإسرائيل وقبرص صفقة لبنائه تحت البحر في عام 2020، وكان من المتوقع أن يلبي المشروع بميزانية تقريبية تبلغ 6 مليارات دولار، نحو 10 في المئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي، لكنه مشروع محفوف بالمشكلات والأزمات والصراعات الراهنة، بل والمحتملة.
3- تعقد شبكة خطوط الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، حيث يوجد خط الغاز القطري- التركي، وتمتلك قطر ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم نحو 14 في المئة من الاحتياطي العالمي، وتعتزم قطر نقل الغاز إلى تركيا عبر خط أنابيب يمر عبر السعودية وسوريا، ومنها إلى تركيا التي ستتولى توزيعه إلى أوروبا، إضافة لوجود خط غاز شرق المتوسط، الذي تم إنشاؤه في البداية لنقل الغاز الطبيعي من العريش في مصر إلى عسقلان في إسرائيل داخل المياه الإقليمية المصرية ثم الإسرائيلية في البحر المتوسط، وكانت دول الاتحاد الأوروبي قد أعلنت دعمها لإنشاء مشروع خط أنابيب في البحر المتوسط لنقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى أوروبا، وحددت موعداً مستهدفاً لاستكماله في عام 2025. كذلك خط الأنابيب الذي يمتد لمسافة 200 كيلومتر لربط حقول الغاز قبالة سواحل إسرائيل وقبرص باليونان، وربما إيطاليا، بتكلفة تصل إلى ستة مليارات يورو.
4- كانت قبرص ومصر قد وقعتا اتفاقاً يمهد الطريق لإنشاء أول خط أنابيب تحت المياه في المتوسط لنقل الغاز الطبيعي من قبرص إلى الأراضي المصرية لإسالته في المحطات المصرية تمهيداً لإعادة تصديره إلى أوروبا. ووفق الاتفاق سيتم نقل الغاز من حقل أفروديت في قبرص إلى مصر، ما يفتح الباب أمام جذب استثمارات للبنية التحتية، فيما وقعت شركة الكهرباء الوطنية الأردنية ووزارة الطاقة مع إسرائيل وشركة “نوبل إنيريجي” اتفاقاً يقضي باستيراد عمان للغاز الإسرائيلي المستخرج من حقل ليفياثان، ومن المقرر أن يبلغ طول خط الأنابيب نحو 64 كيلومتراً.
5- ظل الاتحاد الأوروبي متردداً في دعم خط أنابيب شرق المتوسط وغيره من الخطوط بسبب التكلفة، ولأنه سيربط أوروبا بالوقود الأحفوري لفترة طويلة، بما يتعارض مع خططه للتوسع في الطاقة الجديدة، إضافة للاعتراضات التركية بسبب مطالبتها بالمياه الاقتصادية للمنطقة، سواء باسمها أو باسم قبرص التركية.
الخلاصة:
في المجمل، فإن الاتفاق الثلاثي سيكون جزءاً من كل في إطار البحث الأوروبي عن البدائل المهمة لتعويض الغاز الروسي، ولن يكون وحده هو الأساس، وهو ما تدركه روسيا جيداً وتراهن عليه بالفعل، ولهذا لم تبد أية تحفظات على ما يجري في صورة واضحة، وإن كانت روسيا تتابع وتقارن وتراهن في المدى الطويل على مصالحها الكبرى مع أوروبا في حال انتهاء الحرب الروسية – الأوكرانية، وحسم الخيارات العسكرية والاتجاه إلى الحلول السياسية بعد أن تكون قد استوفت مخططها الرئيس.
وعند مقارنة جميع مشروعات شرق المتوسط (إسرائيل ومصر وقبرص وتركيا وغيرها) فإن هذه الدول لا يمكنها أن تزود دول أوروبا بأكثر من 3 مليارات قدم مكعب يومياً تمثل نسبة 10 في المئة فقط مقارنة بالغاز الروسي. والمعنى أنه من الصعوبة سد حاجة أوروبا بالكامل من الغاز، لكن تبقى مصر قادرة على سد جزء من تلك الحاجة، على اعتبار أن لديها مصادر ضخمة للغاز، وهناك أيضاً اكتشافات جديدة، وأنها طرف مساهم مهم في جزء من الحاجة الدولية للطاقة خلال السنوات المقبلة، على الرغم من القناعة الكاملة بأن أوروبا لن تستغني عن روسيا.
يبقى التأكيد على أن تلك الاتفاقية ستكون بداية لوضع مصر كمقر إقليمي لتصدير الغاز، وأن الأمر قد يستغرق عامين قبل تحقيق زيادة كبيرة في الصادرات. ويقيناً فإن أطراف الاتفاق الثلاثي ترتبط بتحالفات هيكلية سياسية واستراتيجية كبرى مع الولايات المتحدة بالأساس، وهو ما ستظل تحافظ على مرتكزاته ومقوماته في المديين المتوسط والطويل المدى.
المصدر: اندبندنت عربية