دينس روس
مقالات وشهادة
تأملات دبلوماسي أمريكي محنك حول عقود من الانخراط المباشر الذي مهد الطريق لـ “اتفاقيات إبراهيم”، والتي فتحت منذ ذلك الحين سبلاً جديدة لكبح جماح إيران وإنعاش التقدم الإسرائيلي – الفلسطيني.
من الأسئلة التي غالباً ما تُطرح على كاتب هذه السطور هو كيف تساهم “اتفاقيات إبراهيم” في تغيير معالم الشرق الأوسط؟ إنه سؤال محق ومنطقي، لكن هناك سؤال أكثر أهمية يجب طرحه، وهو: كيف تغيرت المنطقة بحيث أصبحت “اتفاقيات إبراهيم” ممكنة؟ وما الذي يعنيه هذا التغيير عن مستقبل المنطقة؟
بالطبع لم يحدث التغيير بين عشية وضحاها. فهناك الكثير من الانتقادات لعملية “اتفاقيات أوسلو” بين إسرائيل و”منظمة التحرير الفلسطينية” ، إلا أن عملية “أوسلو” بدأت في تغيير السياق السائد بالنسبة للدول العربية السنّية. فإذا تمكنت “منظمة التحرير الفلسطينية”، التي تجسد الحركة الوطنية الفلسطينية، من التعامل مع إسرائيل، فإن تعاون هذه الدول مع إسرائيل يصبح مقبولاً أيضاً. وبالفعل، ساهم “مؤتمر مدريد” بإنشاء مجموعات عمل متعددة الأطراف قبل عام من “اتفاقيات أوسلو” في 1992، وشاركت العديد من الدول العربية في الاجتماعات التي ضمت إسرائيليين لإجراء نقاشات بشأن مسائل إقليمية بدءاً من الحد من التسلح وصولاً إلى البيئة والمياه. وعلى الرغم من أن المؤتمر كان مفيداً حتماً، إلا أن “اتفاقيات أوسلو” وفّرت الدافع لإطلاق مناقشات تمهيدية بصورة غير علنية بشأن تعاون ثنائي، وليس متعدد الأطراف، بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. وكوني المفاوض الأمريكي الرئيسي في أوسلو والعمليات العربية-الإسرائيلية، قمتُ بإعداد عدد من الاجتماعات السرية بين مسؤولين إسرائيليين ونظرائهم في دول الخليج خلال تسعينيات القرن الماضي. وتمحورت معظم الاجتماعات الثنائية حول التعاون الأمني واستندت إلى علاقات واتصالات استخباراتية أقامها جهاز “الموساد” الإسرائيلي بمرور الوقت، لكنّ نطاق هذه المناقشات غير العلنية اتسع بشكل واضح.
وكان الأمن أساس هذه المحادثات. فهو عنصر رئيسي ازداد أهمية بعد أن لاحظت دول الخليج العربي أن التصدي للتهديد الذي تطرحه إيران يزداد إلحاحاً. وفي هذا الصدد، اكتشفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس هذه التطورات في عام 2007، عندما قررت إطلاق مبادرة طموحة لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وكان هدفها تقديم المبادرة إلى قادة بلدان «مجلس التعاون الخليجي»، متوقعة منهم بالكامل تبني وتأييد جهودها بشأن القضية الفلسطينية. ولدهشتها، أبدى القادة السعوديون والإماراتيون والبحرينيون والقطريون والكويتيون والعمانيون اهتماماً ضئيلاً بمبادرتها، وبدلاً من ذلك أوضحوا أن لديهم ثلاث أولويات: “إيران ثم إيران ثم إيران” (كما هو موصف في كتابي الصادر عام 2015 بعنوان “العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية من ترومان إلى أوباما: محكوم عليها بالنجاح”). وتشاركت إسرائيل معهم الأولوية ذاتها، فضلاً عن واقع أن تصوّر وجود تهديد استراتيجي جامع وقوي ساهم بتعميق التعاون في المجال الأمني.
لقد شهدت أنا شخصياً على تجربة حصلت في وقت مبكر من بداية إدارة أوباما وأثبتت بشكل واضح تقارب المصالح بين إسرائيل وإحدى الدول الخيلجية. ففي شباط/فبراير 2009، أي في بداية فترتي ولاية أوباما، كنت مسؤولاً في وزارة الخارجية الأمريكية عن المساعدة في رسم السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية تجاه إيران. وفي ذلك الوقت، طلب السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة مقابلتي بشكل غير رسمي للتحدث بشأن المقاربة التي سننتهجها إزاء إيران. ولضمان الطابع غير الرسمي للقاء، طلب ألا نجتمع في مقر وزارة الخارجية أو السفارة بل في جناحه في فندق “ريتز كارلتون”. فوافقتُ وعندما طرقت الباب، استقبلني السفير العتيبة وبجانبه السفير الإسرائيلي لدى واشنطن سالاي ميريدور. وكان هذا الموقف بحد ذاته يحمل رسالة مهمة. فمن دون التفوه بكلمة واحدة، فهمت الرسالة التي أراد السفيران توضيحها وهي أن البلدين يتشاركان وجهة نظر واحدة فيما يتعلق بإيران وعلى الإدارة الأمريكية أن تدرك أنهما يتعاونان، ومن الضروري أن تقدّر طبيعة التهديد والرد بناءً على ذلك.
وساهمت انتفاضات “الربيع العربي” التي اندلعت عام 2011، أو ما أفضّل أن أسميه بـ “الصحوة العربية”، في تغيير المشهد وحسابات العديد من القادة العرب بشأن المكاسب والخسائر التي سيتكبدونها جراء التعاون مع إسرائيل. وعلى الرغم من أن الحرب في سوريا وليبيا – والإطاحة بـ «الإخوان المسلمين» في مصر – أحدثت اضطرابات محلية، إلّا أن “صحوة” الشعوب العربية كانت رمزاً للتحرر من الخوف. فاستياؤها من غياب السلع والخدمات الأساسية ووجود حوكمة فعالة دفع بها إلى الخروج إلى الشوارع للتصدي لمختلف الحكومات العربية. ومجدداً، ولا سيما في الخليج، أقر الجميع بأن على هذه الحكومات إيجاد وسيلة لتلبية الاحتياجات الاقتصادية لشعوبها بشكل أكبر. فعلى سبيل المثال، خصص العاهل السعودي الملك عبدالله أموالاً طائلة لتوفير علاوات لمدة ثلاثة أشهر وتشييد المزيد من المساكن للسعوديين. وكانت تلك الإجراءات بمثابة استجابة على المدى القريب، لكنني بدأت أسمع أيضاً من مختلف القادة في دول الخليج عن ضرورة القيام بالمزيد من الإصلاحات على الأقل على الصعيد الاقتصادي. وقد لا يكون الانتقال إلى الديمقراطية مطروحاً على الطاولة، لكن أصبح من الضروري تحديد القدرة على تقديم المزيد من السلع والخدمات الاقتصادية لمواجهة التحديات الجديدة. وتمنح ثورة المعلومات أهمية لتطوير الاقتصاد الرقمي، مع إمكانية استخدام البيانات الكبرى والابتكار. فالاقتصاديات الرقمية تعني أن الأمن السيبراني أصبح حاجة ملحة. كما أن التغير المناخي أسفر عن موجات جفاف ووضع الأمن المائي والغذائي على المحك. (ولاحقاً مع انتشار فيروس “كورونا”، أصبح الأمن الصحي ضرورة).
وفي كافة هذه المجالات، بإمكان إسرائيل تقديم تقنيات متطورة. فعلى صعيد الأمن المائي والغذائي، تتصدر إسرائيل العالم في مجال الري بالتقطير، واستعمال مياه الصرف الصحي وإعادة تدويرها (معالجة هذه المياه وإعادة استخدام 90٪ منها)، وتجميع مياه الأمطار، وآلات توليد المياه التي تسحب الرطوبة من الغلاف الجوي، التي توفر كل واحدة منها 1500 ليتر من المياه الصالحة للشرب، وتطوير محاصيل مقاومة للجفاف، وما إلى ذلك. وبالمثل، فيما يتعلق بالأمن والدفاع السيبراني، تُعتبر إسرائيل رائدة على مستوى العالم – حيث يتم السعي وراء الحصول على بعض التقنيات مثل “بيغاسوس” (Pegasus) ليس فقط لاستخدامها في اختراق الجماعات الإرهابية والإجرامية، ولكن، للأسف، لاستخدامها أيضاً من قبل بعض الدول لأغراض التحكم والرقابة في الداخل.
ونظراً إلى الإمكانات التي باستطاعة إسرائيل تقديمها للعالم، بدأت دول مثل الإمارات والبحرين في الانتقال من التعاون السري إلى العلني، حيث دعت الإمارات إسرائيل بالفعل لافتتاح ممثلية دبلوماسية في أبوظبي في مكتب “الوكالة الدولية للطاقة المتجددة” عام 2015. وعقب ذلك، بدأت وفود إسرائيلية متنوعة (تجارية ورياضية) بزيارة الإمارات. وبحلول عام 2019، تمت دعوة إسرائيل لإقامة جناحها الخاص في “معرض إكسبو 2020 دبي” – وقد تأجل افتتاح المعرض بسبب انتشار مرض “كوفيد” ولكن تم عرض الدعوة على إسرائيل قبل وقت طويل من الإعلان عن تحقيق إنجازات في مجال تطبيع العلاقات من قبل إدارة ترامب في آب/أغسطس 2020. وخلال هذه الفترة أيضاً، قامت كل من البحرين والمغرب بزيادة الدعوات الموجهة إلى الوفود الإسرائيلية بشكل كبير. وفي حين بقي نطاق التعاون بين إسرائيل والسعودية سرياً إلى حد كبير، إلّا أنه يجدر بالذكر أنه حتى قبل توقيع “اتفاقيات إبراهيم”، كانت 500 شركة إسرائيلية تزاول أعمال تجارية في جميع أنحاء دول الخليج، وفقاً لتصريحات أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين خلال إحاطة إعلامية عام 2019.
وتتمثل النقطة الرئيسية في أن القادة العرب أصبحوا يرون بشكل متزايد أن التعاون مع إسرائيل يصبّ في مصلحتهم. وربما يكون قد بدأ حصرياً في المجال الأمني، بعد أن أصبح التعاون الأمني أكثر أهمية حيث أصبح شركاء أمريكا العرب مقتنعين بشكل متزايد بأن الولايات المتحدة بدأت تنسحب من المنطقة ولم يعد بالإمكان التعويل عليها بشكل أساسي. وكما أخبرني مسؤولون عرب بأن “إسرائيل باقية في المنطقة، بخلاف الولايات المتحدة”- وبالتأكيد بنفس القدر من الأهمية، “إسرائيل تتحرك على أرض الواقع ولا تتحدث عن الأمر”.
ولكن بقدر ما عزّزت المخاوف الأمنية المصلحة المشتركة، فإن البعد الاقتصادي هو الذي أضاف إلى مصالح العرب في علاقاتهم مع إسرائيل. إلا أن هذه المصالح الأمنية والاقتصادية ليست مسألة عابرة، كما أثرت أيضاً في نظرة الإماراتيين والبحرينيين والسعوديين إلى الفلسطينيين. فقد أصبح استيائهم من الفلسطينيين، ولا سيما القيادة الفلسطينية، أمراً مألوفاً. وفي الرحلات التي قمتُ بها إلى السعودية والإمارات، أكّد مسؤولون حكوميون وشخصيات بارزة عدم استعدادهم لحرمان بلادهم من مصالحها الفضلى إكراماً للفلسطينيين. وفي هذا السياق، ظهر بندر بن سلطان، السفير السعودي الذي شغل هذا المنصب لفترة طويلة، لثلاث ليالٍ على شبكة “العربية” في آب/أغسطس 2020 في فيلم وثائقي استذكر فيه كافة الفرص التي فوّتها القادة الفلسطينيون على مرّ التاريخ لتسوية النزاع. وقال بندر إن السعودية كانت محقة في دعم القضية الفلسطينية ولكن ليس بتغطيتها كافة الأخطاء التي ارتكبها القادة الفلسطينيون، مشدداً على أنهم أثبتوا عدم قدرتهم على تسوية النزاع، وأن السعودية لم يعد بإمكانها التضحية بمصالحها الخاصة في ظل التحديات والتهديدات الحقيقية التي تواجهها في المنطقة.
هل يعني ذلك أن القضية الفلسطينية لا تهم الشعوب العربية؟ الإجابة باختصار هي كلا. فهي تبقى قضية عدالة أساسية في نظر الكثير من العرب. فضلاً عن ذلك، فإن السلوك العدائي الراسخ في المجتمع إزاء إسرائيل على مدى أكثر من 70 عاماً لن يختفي ببساطة، خاصةٍ في الأردن ومصر حيث لا تزال عامة الجمهور تكنّ عداء كبيراً لها. أما في الخليج، فالمواقف مختلفة إذ إن شعوب المنطقة أبعد عن النزاع. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه بخلاف الوضع في مصر والأردن حيث 10 في المائة فقط من السكان يؤيدون التعاون مع إسرائيل حتى في ظل عدم التوصل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تناهز هذه النسبة في دول الخليج 40 في المائة. وفي وقت تتبلور فيه فوائد التعاون الاقتصادي بصورة أكثر، يمكن أن نتوقّع ارتفاع هذه النسبة.
لا شك أن حركة «حماس» ستبذل كل ما في وسعها لمحاولة إثارة العنف واستفزاز إسرائيل للردّ في الموضوع الوحيد الذي يتعاطف معه جميع المسلمين. فـ «حماس» وإيران تدركان جيداً أن دخول القوات الإسرائيلية إلى مسجد الأقصى في الحرم الشريف (جبل الهيكل)، سيثير موجة من الغضب العارم في جميع أنحاء الدول العربية تجاه إسرائيل. وخلال شهر رمضان في نيسان/أبريل، حين دخلت الشرطة الإسرائيلية المسجد لمنع مَن في داخله من الاستمرار في إلقاء الحجارة وإطلاق القنابل الحارقة، أثار مشهد الشرطة الإسرائيلية وهي تحاول الدخول عنوة إلى المسجد وانتهاك هذا الحرم المقدس ردّ فعل عاطفياً. ولم يلفت الاستفزاز الذي حرضت عليه «حماس» وأنصارها إلى حد كبير، الاهتمام كما فعل الردّ الإسرائيلي. ونتيجةً لذلك، قدمّت كافة الدول الأطراف في “اتفاقيات إبراهيم” احتجاجات عبر القنوات الدبلوماسية ودعت إسرائيل إلى وقف جميع هذه الأعمال وتجنب تغيير الوضع الراهن في الحرم. وفي نهاية المطاف، كانت الشكاوى والانتقادات للأفعال الإسرائيلية محدودة وغير مستدامة.
ولكن لا يجب أن يكون هناك شك في أن «حماس» وإيران ستحاولان استغلال ما تعتبرانه نقطة ضعف تلك الدول التي تقيم سلاماً مع إسرائيل. وتعتقدان أنه بذلك ستبقى الدول الأطراف في “اتفاقيات إبراهيم” – وتلك مثل المملكة العربية السعودية التي تبدو على وشك القيام بالمزيد بصورة علنية (وغير علنية) – في حالة تأهب على أقل تقدير. أما إسرائيل، ولأسبابها الخاصة، فلديها مصلحة في محاولة نزع فتيل التوترات مع الفلسطينيين وتحسين الواقع اليومي. فإحراز تقدّم سياسي هو خطوة مرغوب فيها، ولكن نظراً إلى الانقسامات في أوساط الفلسطينيين والظروف السياسية في إسرائيل، يبدو احتمال التوصل إلى تسوية سياسية في الوقت الراهن بعيد المنال. وفي مثل هذه الظروف، يجب أن يتمثل ردّ الدول العربية في الإظهار بأن “اتفاقيات إبراهيم” تؤتي ثمارها وأن فوائد صنع السلام واضحة للغاية لجميع الدول التي قامت بالتطبيع. وتروّج الإمارات أساساً للفكرة بأن قيمة التبادل التجاري مع إسرائيل ستبلغ ملياري دولار في العام الحالي، و5 مليارات في العام المقبل، على أن تزداد بشكل ملحوظ خلال العقد المقبل.
وحتماً يتخطى السياق الدول التي تطبّع العلاقات مع إسرائيل ليطال المنطقة بكاملها ومساريْن مختلفين بشكل واضح. ورغم التدرجات بينهما، يضمّ أحد المسارين في الشرق الأوسط اليوم عدداً من الحكومات العربية السنية التي تتعاون مع إسرائيل سواءً بشكل علني أو سري؛ فهي لا تسعى إلى معالجة التهديدات الأمنية المشتركة فحسب، بل إلى بناء اقتصاديات حديثة وقادرة على الصمود أيضاً. (من الواضح أن الدول الغنية بالنفط لديها وسائل أكثر للنجاح، لكنها تعمل أيضاً بنشاط لتغيير طبيعة التعليم والواقع الاجتماعي في بلدانها). أما المسار الثاني، فهو إيران، و”محور المقاومة”، كما يصفه قادتها، لكنه في الواقع محور بؤس. فالدول التي يكون فيها للإيرانيين نفوذاً مهيمناً، تبدو دولاً فاشلة أو على طريق الفشل أو مشلولة – مجرد انظر إلى لبنان وسوريا واليمن والعراق للحصول على أدلة. ولا تساهم إيران سوى في استدامة النزاعات فيها – لأنها تحتاج إلى صراع لتبرير نوع الميليشيات الخاص بها. فهي تضمن القضاء على أي بارقة أمل أو إمكانية تحسين الوضع. كما أن إيديولوجيتها تبرر التمسك بالسلطة والأمور الأخرى التي تشابهها – فلا عجب أن الأشخاص الوحيدين الذين يتبنون الأيديولوجية في إيران هم مَن في السلطة.
وبالتالي، تتمثل إحدى الطرق لمنافسة المحور الإيراني في القدرة على إخماد تهديداته وتسليط الضوء على الثمن الذي يفرضه على الخاضعين له في كل مكان. وقليلون هم من يقبلون بالنموذج الإيراني ولأسباب وجيهة. ومع مرور الوقت، ستتوسع الدول الأطراف في “اتفاقيات إبراهيم” وتقدّم أملاً بشرق أوسط مختلف تماماً. ويمكن للفلسطينيين أيضاً الاستفادة من التوسّع إذا كانت الدول العربية التي تتواصل مع إسرائيل مستعدة للطلب من هذه الأخيرة اتخاذ خطوات محددة باتجاه الفلسطينيين. على سبيل المثال، إذا أظهر السعوديون استعداداً لفتح مكتب تجاري في تل أبيب، وهي خطوة ذات أهمية سياسية، فيمكنهم الطلب من إسرائيل وقف عمليات البناء شرق الحاجز الأمني - مما يعني أن إسرائيل ستبني على مساحة قدرها 8 في المائة من أراضي الضفة الغربية ولكن ليس على 92 في المائة منها. وفي المقابل، يمكن للفلسطينيين، الذين يدركون أنهم لن يتمكنوا من وقف عملية التطبيع، أن يطلبوا من الدول العربية التي تتواصل مع إسرائيل المساعدة على تلبية الاحتياجات العملية للفلسطينيين. وفي هذا السياق، ونظراً إلى حاجتهم الكبيرة للمياه، يمكنهم أن يطلبوا من السعوديين الاستثمار في البنية التحتية المائية في الضفة الغربية – الأمر الذي قد يتطلب من السعوديين العمل مباشرة مع إسرائيل ليكونوا قادرين على القيام بذلك. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى نتيجة تعود بالفائدة على جميع الأطراف.
باختصار، تتمثل الفكرة الأساسية في أن التواصل العربي مع إسرائيل قد يساعد فعلياً إما على كسر الجمود بين الإسرائيليين والفلسطينيين أو على الأقل تخفيف حدة النزاع وتغيير ظروفه. بعبارة أخرى، تمثل “اتفاقيات إبراهيم” وتوسعها مساراً نحو شرق أوسط واعد، سواء أكان يلبي الحاجة إلى منافسة إيران أو تحسين الآفاق للإسرائيليين والفلسطينيين. ومن مصلحة أمريكا البالغة الأهمية أن تبذل كل ما في وسعها للترويج للاتفاقيات لكي تعمّق نطاق التعاون بين دول المنطقة وتوسّع الفوائد للدول المشاركة فيها حالياً.
دينس روس هو مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المتميز في معهد واشنطن. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع “كارافان” التابع لـ “معهد هوفر”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا