طوت القوات الروسية -على ما يبدو- مرحلة الانسحاب الجزئي أو إعادة الانتشار التي اضطرت إلى تنفيذها في دير الزور السورية استجابة لتداعيات الحرب التي تقودها ضد أوكرانيا منذ شهر شباط (فبراير) الماضي. وبعد أشهر من الغموض حول حقيقة انسحاب القوات الروسية ومدى هذا الانسحاب وحجم القوات المنسحبة، بدأت قوات روسية وأخرى موالية لها في سورية بالعودة تدريجياً إلى بعض المناطق والمواقع التي كانت انسحبت منها في السابق من دون إعلان رسمي.
وذكرت مصادر ميدانية سورية معارضة أن قوات روسية وميليشيات تابعة لها أو تدور في فلكها، بدأت خلال الأيام الماضية تنفيذ خطة لإعادة الانتشار والتموضع في قرى وبلدات ريف دير الزور الشرقي، بعدما كانت هذه القوات والميليشيات قد انسحبت من هذه القرى والبلدات منذ نحو شهرين، وسلمتها للميليشيات الإيرانية التي باتت نتيجة الانسحاب الروسي تهيمن على المنطقة بشكل كامل.
وأوضحت المصادر أن ميليشا “المختار” الموالية لروسيا تلعب دوراً محورياً في خطة العودة، إذ ارسلت قيادة القوات الروسية مجموعتين مسلحتين تتبعان لميليشيا “المختار” المحلية برفقة دورية من الشرطة العسكرية الروسية إلى بلدة القورية في ريف دير الزور الشرقي، لإقامة حاجز عند مدخل البلدة وتفتيش كل السيارات التي تدخل إليها. وأكدت المصادر أن القوات المنتشرة طلبت من ميليشيا “الحشد الشيعي” العراقية وميليشيا “كتائب سيد الشهداء” إخلاء مواقعهما والانسحاب باتجاه ما يسمى بـ “مزار عين علي” والنقاط العسكرية المتقدمة التابعة لهما في بادية البلدة.
ولم تتضح أسباب قرار موسكو العودة إلى ريف دير الزور الشرقي وهل أن هذه العودة مرتبطة بخطة أوسع لإعادة نشر القوات الروسية في مختلف المناطق السورية بهدف مواجهة التطورات التي تجري على المسرح السوري، لا سيما ما يتعلق بتهديد أنقرة بتنفيذ عمل عسكري ضد “قوات سوريا الديموقراطية”، أو في ما يخص تصاعد التوتر بين القوات الروسية والقوات الأميركية الذي كان بلغ ذروته مع قيام الطيران الروسي، قبل نحو شهر، باستهداف مواقع داخل منطقة التنف التي تتخذها القوات الأميركية مقراً رئيسياً لها في المنطقة الشرقية من سوريا، أم أن هذه الخطة تستهدف توجيه رسالة مباشرة إلى الميليشيات الإيرانية التي على ما يبدو تجاوزت الخطوط الحمر الروسية وقامت باستغلال الانسحاب الروسي لتوسيع نفوذها في المنطقة أكثر مما هو مسموح لها القيام به.
ونقل موقع “sy24″، وهو موقع إخباري في سوريا عن مصادر محلية أن ميليشيا “المختار” الروسية تهدف للسيطرة على معابر التهريب غير الشرعية، والتي تربط مناطق سيطرة النظام بمناطق سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” على الضفة المقابلة لنهر الفرات، والتي يتم فيها تهريب المحروقات والطحين إلى بلدة القورية مقابل تهريب المخدرات والسلاح والبشر وبعض المواد الغذائية إلى مناطق “قسد”.
وأكدت المصادر، أن السبب الرئيسي لسيطرة الميليشيات الروسية على معابر التهريب النهرية غير الشرعية مع مناطق “قسد” يعود الى “ضعف السيولة النقدية لدى القوات الروسية بسبب الآثار المباشرة لحربها مع أوكرانيا، وعدم قدرتها على تأمين رواتب وتكاليف الميليشيات المسلحة الموالية لها في سوريا”، ما دفعها لبسط سيطرتها على المعابر النهرية في بلدة القورية والاستفادة من عمليات التهريب التي تجري فيها لدفع رواتب منتسبيها المحليين.
وأفادت مصادر إعلامية أخرى بجلب ميليشيا “المختار” أنابيب بلاستيكية كبيرة مع مضخات ذات قدرة قوية، بهدف تمديدها عبر نهر الفرات باتجاه مناطق سيطرة “قسد” على الضفة المقابلة لتسهيل عمليات نقل النفط الخام عبرها، عقب استهداف قوات التحالف الدولي ومجلس دير الزور العسكري صهاريج النفط والمحروقات في أكثر من مناسبة وتدميرها لمنع تهريبه إلى النظام.
وتسيطر الميليشيات الإيرانية والفرقة الرابعة في جيش النظام على معظم معابر التهريب غير الشرعية مع مناطق سيطرة “قسد” في ريف دير الزور الشرقي، في الوقت الذي تراجع فيه دور القوات الروسية والميليشيات الموالية لها في المنطقة، وبالذات عقب انسحاب هذه الميليشيات من بلدة حطلة في ريف دير الزور الشمالي بشكل شبه كامل، مع بقاء بعض عناصر الشرطة العسكرية الروسية داخل مركز المصالحات الروسية في البلدة.
وبدأ اسم ميليشيا “المختار” الموالية لروسيا يظهر أخيراً على الساحة العسكرية في المنطقة، بعد الدور الكبير الذي بذله قادتها في تجنيد أبناء مدينة دير الزور والريف المحيط بها للقتال الى جانب القوات الروسية في كل من ليبيا وأوكرانيا، مقابل رواتب شهرية تتراوح بين 2000 و 3000 دولار أميركي، ناهيك بتكريم القيادة الروسية قائد الميليشيا جمعة المختار في أكثر من مناسبة.
وفي منتصف الشهر الماضي عيَّنَت القوات الروسية المدعو جمعة سعيد الناصر المعروف بـ”جمعة الأشرم” القيادي في ميليشيا “المختار” التابعة للمخابرات الجوية السورية، قائداً للميليشيات التابعة لفرع المخابرات الجوية في المنطقة الشرقية.
وقد حصل الأشرم سابقاً على تكريمٍ من جنرالات روس في دير الزور.
وفي اواخر شهر أيار (مايو) الماضي، كشفت وزارة الدفاع الأميركية عن سحب روسيا عدداً من قواتها العسكرية من سوريا عبر تكتيك “تدريجي” شمل آلاف العسكريين وأسلحة استراتيجية، في تطور مرتبط بتطورات الحرب الأوكرانية – الروسية التي أرهقت موسكو بتكلفتها العسكرية والاقتصادية.
المصدر: النهار العربي