منهل باريش
أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، الأربعاء، حول عزم بلاده تقديم “كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام السوري في هذا الصدد” ووصفه القضاء على قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من أراضيه أنها “حق طبيعي للنظام السوري” مستدركا “لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابية”.
وأتى كلام تشاووش أوغلو في حديث متلفز مع قناة “تي في 100” التركية، نقلت وكالة “الأناضول” الرسمية أهم نقاطه بما فيها الفقرة المتعلقة بدعم أنقرة السياسي للنظام في حال هجومه ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي أو ذراعه السورية المتمثلة بوحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبر العمود الفقري لـ”قسد”. وأوضح رئيس الدبلوماسية التركية أن مفاوضات تجري مع إيران من أجل “إخراج الإرهابيين من المنطقة”. وتأتي المفاوضات مع طهران بعد رفضها العملية التركية في شمال سوريا قبل قمة طهران وخلالها، وجاء الرفض على لسان مرشد الثورة الإسلامية في إيران، علي خامنئي نفسه خلال اللقاء الذي جمعه بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان. وتأمل أنقرة أن تلعب طهران دورا يشجع النظام السوري على السيطرة على المنطقة ويخرج منها المقاتلين الأكراد، وتلجأ تركيا إلى إيران بعد الاعتراض الروسي والأمريكي على عمليتها المزمعة ضد “قسد” إضافة إلى حساسية منطقة تل رفعت لإيران وميلشياتها باعتبار المنطقة قريبة من بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب الشمالي.
ترحيب تشاووش أوغلو باستعادة النظام السوري السيطرة على المناطق التي يحكمها المقاتلون الأكراد، أربك صفوف المعارضة السياسية السورية الموالية لأنقرة، ووضعها في مواقف لا تحسد عليه مطلقا أمام جمهورها في الشمال السوري، ودفع جزءا كبيرا منها إلى تحسس رأسها ومستقبلها.
وانقسمت المعارضة السورية بين غاضبة وصامتة من تصريح المسؤول التركي. واللافت أن الائتلاف الوطني السوري نأى بنفسه بالتعليق على التصريح رغم انعقاد اجتماع الهيئة السياسية في الائتلاف وإصدارها بيانا يوحي بأن “الهيئة” ناقشت كل القضايا الإقليمية عدا تصريح الوزير التركي. واقتصرت ردة فعل الائتلاف الوطني على إعادة تغريدتين لرئيس هيئة التفاوض، بدر جاموس والرئيس السابق للائتلاف، نصر الحريري عبرا عن رفضهما لتصريحات الوزير التركي بطريقة ناعمة.
وكتب جاموس على حسابه الرسمي على منصة “تويتر” أن نظام الأسد هو “الداعم الرئيسي والمباشر للإرهاب في المنطقة بدءاً من حزب العمال الكردستاني الإرهابي وحزب الله والميليشيات الإيرانية المتطرفة، فالعلاقة بينهم وثيقة ومعلنة منذ سنوات” مشيرا إلى أن نظام الأسد “جزء من منظومة الإرهاب في سوريا وهو من قدم لها الدعم والرعاية والسلاح”.
في السياق ذاته، اعتبر الحريري النظام السوري أنه “جذر الإرهاب ومنبعه، استجلب إيران وروسيا وميليشياتهما الإرهابية واحتضن ودعم حزب PKK الإرهابي وتفرعاته السورية وإرهاب داعش والقاعدة” ورأى أن “أي محاولة لإبعاد إيران عن سوريا أو محاربة PKK بالنظام هي كالمستجير من الرمضاء بالنار وسترتد سلباً على الجميع”.
في داخل المعارضة السياسية الرسمية، وجد أعضاء الائتلاف الذين جرى فصلهم في نيسان (أبريل) الماضي الفرصة سانحة لتبيان موقفهم من تصريحات الوزير التركي، ولسان حالهم “إذا كان الائتلاف مرتهنا لتركيا فإننا ناطقون باسم السوريين”. وقال الأعضاء الذين يعبرون عن أنفسهم باسم “تيار الإصلاح” في بيان “تصريحات جاوويش أوغلو حول دعم نظام الأسد سياسياً مؤسفة وغير مقبولة” ولعل المسمى كاف ليشير إلى موقف قوي من تصريحات الوزير التركي، بخلاف الإشارات الناعمة التي أشارها أغلب المعارضين السوريين في تركيا والشمال السوري.
وجاء في البيان “يُعرب الائتلاف الوطني السوري – تيار الإصلاح عن أسفه لتلك التصريحات غير المقبولة من عموم الشعب السوري، ويؤكد أن نظام الأسد هو بؤرة الإرهاب والحاضن الأبرز له، وقد استخدم ورقة الإرهاب لمواجهة انتفاضة الشعب السوري السلمية منذ 2011 واستدعى كافة التنظيمات الإرهابية لإجهاض الحراك الوطني، وما زال شريكاً أساسياً لها”.
ووصف الاستعانة بنظام إرهابي مجرم لمواجهة تنظيمات إرهابية “أمر غير مبرر” مذكرا أن الشعب السوري “واجه بشجاعة كافة الجماعات والميليشيات الإرهابية التي استدعاها النظام لمؤازرته، ومنها تنظيم حزب العمال الكردستاني وأذرعه، وقدَّم في مواجهتها قوافل من الشهداء”.
أما المجلس الإسلامي السوري المعارض فقد دعا الخطباء والوعاظ والمفتون إلى أن تكون خطبة الجمعة حول إرهاب نظام الأسد. وقال المجلس في بيان الخميس، تحت عنوان “لا إرهاب يفوق إرهاب نظام الأسد” وجاء في البيان الذي نشره المجلس على معرفاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي أن “أكبر إرهاب يمارس في سوريا هو إرهاب العصابة المجرمة الحاكمة الطائفية العنصرية” معتبرا أنها “عدوة الله ورسوله” كما هي “عدوة للسوريين وللأمة ولشعوب المنطقة برمتها”.
ووصف المجلس “قسد” بـ “العصابات الإرهابية وهي من أدوات النظام الإرهابي المجرم في حربه على السوريين وجوارهم التركي” وبخصوص دعم أنقرة للنظام في حربه ضد “قسد” حذر من أن “محاربة إرهابهم لا تكون بدعم وتقوية إرهاب على إرهاب آخر”.
وختم المجلس الذي يعتبر المرجعية الإسلامية السنية المعارضة في حديثه الموجه للخطباء “أعانكم الله على قول كلمة الحق ونصرة المظلوم”.
على الصعيد العسكري، تجنبت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة التعليق على تصريحات وزير الخارجية التركي، وكذلك فعلت دائرة التوجيه المعنوي في الوزارة التي طالما علقت على الأوضاع العسكرية في الشمال السوري.
وانقسمت الفصائل السورية المعارضة بين رافض للتصريحات وصامت تماماً. وكما جرت العادة فإن الموقف الأبرز جاء من قائد الفيلق الثالث والجبهة الشامية، أبو احمد نور الذي علق على بيان “المجلس الإسلامي” داعما “لا إرهاب في سوريا يفوق إرهاب عصابة الأسد المجرمة المارقة PKK و PYD عصابات أنتجها نظام بشار المجرم وحربها لا تكون بدعم أو بالتنسيق أو حتى بالتهاون مع مشغلها وصانعها. حاربوا نظام الأسد تنتهوا من مشكلة الميليشيات الانفصالية والإرهابية والظلامية وعصابات المخدرات فهو محركهم ومديرهم”.
ومن جهة أخرى، استهجن قائد حركة التحرير والبناء (تجمع فصائل المنطقة الشرقية في سوريا) العقيد حسين حمادي، التعاون مع نظام الأسد في القضاء على “قسد” إذ كانت هي وأخواتها “من صنع نظام الاستبداد في سوريا، والهدف هو صناعة إرهاب للضغط على الشعب السوري ودول الجوار”. وختم “نحن نعمل ضمن خريطة حدودها الشهداء الأحرار، فلا يمكن تحت أي ظرف كان أو قاعدة سياسية مهما كانت تجعلنا نُخرِج نظام الأسد وإرهاب PYD من قائمة أعدائنا”.
من المستغرب أن تغضب المعارضة السورية الموالية لتركيا من تصريحات الوزير التركي، فمنذ سقوط حلب أو صفقة تسليمها للنظام السوري لم تدرك الاستدارة التركية تجاه القضية السورية ورغم أنها جرت جرا إلى أستانة وقبلت بالمسار الذي قبلته تركيا مرغمة مع روسيا وإيران. ولم تتعظ المعارضة السورية من اتفاق خفض التصعيد الذي أخرس “بنادق الثوار” وأسقط المناطق بيد النظام في الغوطة الشرقية ودرعا وريف حمص الشمالي حتى جاء دور منطقة “خفض التصعيد” الرابعة في إدلب وما حولها والتي قضمها النظام بثلاث مراحل متلاحقة، منعت الفصائل استخدام سلاحها ضد النظام في حين أُطلق بتصفية بعضها البعض في جولات قتال لا تنتهي، حتى انطبق القول الساخر على المعارضة “المفاجئ في الأمر، أنها دائما تتفاجأ” .
المصدر: القدس العربي