أمين العاصي
وضعت التظاهرات الشعبية الحاشدة، التي شهدها الشمال السوري يومي الخميس والجمعة الماضيين، احتجاجاً على كلام وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو حول ضرورة المصالحة بين المعارضة ونظام بشار الأسد، الشارع المعارض في موقف متقدم على الهيئات السياسية المعارضة، التي بدت مرتبكة إزاء الطرح التركي.
وأعاد هذا التطور طرح تساؤلات عن مدى تمثيل هذه الهيئات للشارع الثوري، التي يرى البعض أنها لم تستطع اللحاق به، بعدما باتت خارج البلاد ومرتبطة بأطراف خارجية.
تظاهرات في 35 مدينة وبلدة
وعمّت المناطق التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة على امتداد الشمال السوري، تظاهرات كبيرة الجمعة في نحو 35 مدينة وبلدة، احتجاجاً على كلام جاووش أوغلو. ودعا المتظاهرون إلى فتح الجبهات العسكرية ومواصلة القتال ضد النظام، مؤكدين من خلال اللافتات التي رُفعت أن الشارع المعارض وضع المصالحة مع النظام وراء ظهره بعد تهجير أكثر من نصف السوريين، ومقتل واعتقال عشرات الآلاف على يد قوات النظام وأجهزته الأمنية.
هذا الأمر دفع الخارجية التركية لإصدار بيان أكدت فيه أنها تسعى “لحل للنزاع في سورية يتماشى مع تطلعات الشعب السوري”، مشددة على التزامها بالقرار الأممي 2254. تبع ذلك تأكيد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أن بلاده “لم ولن تترك البشر الذين يئنون من ظلم النظام السوري، وحزب الاتحاد الديمقراطي، وحيدين”. وقال في تغريدة إن “تركيا تصون إنسانيتها وصداقتها وجيرتها”.
وأكدت تظاهرات الشمال الحاشدة أن الشارع المعارض يرفض بالمطلق أي اتفاقات خارج القرارات الدولية، خصوصاً القرار 2254 الذي رسم خريطة حل للقضية السورية يرفضها النظام الذي يعرقل منذ عام 2012 أي مسعى دولي للتوصل لحلول سياسية.
مخاوف من “صفقات” إقليمية أو دولية
كما تشي التظاهرات بتخوف الشارع المعارض من أي “صفقات” إقليمية أو دولية خارج المظلة الأممية، تُضطر هيئات المعارضة للانخراط فيها، ومن شأنها إعادة تأهيل نظام بشار الأسد، خصوصاً أن المتغيرات الدولية قد تفرض على الأتراك تعاطياً مختلفاً مع الملف السوري.
وفي السياق، قال المحلل السياسي وائل علوان، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “تظاهرات الجمعة في الشمال حالة وطنية”، مشيراً إلى أنها “ستسهم بشكل مباشر في إيضاح الموقف التركي”، مضيفاً: “هذا الحراك الشعبي يطلب توضيحاً لتصريحات جاووش أوغلو.
في المقابل، بدا الائتلاف الوطني السوري، مرتبكاً إزاء كلام جاووش أوغلو غير المتوقع، وهو المتهم بالتماهي الكامل مع الرؤية التركية للحل في سورية، لتتوسع الهوّة بين الائتلاف والشارع المعارض الذي يرفض الاستمرار في العملية السياسية مع النظام لأنها أثبتت فشلها.
وكانت أنقرة قد دفعت المعارضة للانخراط في مسار أستانة التفاوضي منذ عام 2017 والذي أدى إلى خسارة فصائل المعارضة جلّ المناطق التي كانت تسيطر عليها في محيط العاصمة دمشق، وفي ريفي حمص وحماة.
وأثبتت تظاهرات الجمعة ان الهيئات السياسية التي تتصدر المشهد المعارض لم تعد تمثل الشارع الثوري لأنها “عبارة عن كيانات أسستها الدول المتدخلة في الشأن السوري، ولم يفرزها الشارع السوري، ولا كانت نتاجاً للحراك الثوري”، وفق الناشط السياسي معتز ناصر الموجود في الشمال السوري.
الكيانات عبارة عن فرامل للثورة
وتابع ناصر في حديث مع “العربي الجديد” أن “هذه الكيانات غير المتجانسة فعلياً وواقعياً، هي عبارة عن فرامل للثورة، ومحاولة لتدجينها وامتطائها، وتحرك هذه الكيانات يكون بناء على مصالح الدول المشكّلة لها”.
ويعتقد ناصر أن هيئات المعارضة “لا تملك حضوراً لدى السوريين في شمال البلاد، ولدى الشارع السوري المعارض على وجه العموم، فهي منذ تشكيلها منفصلة تماماً عن واقع الثورة، وأهدافها، وعنفوانها”.
واكتفى الائتلاف والذي يعد من أبرز العناوين السياسية للمعارضة، ببيان، أشار فيه إلى أنه “أجرى العديد من التواصلات مع الجهات التركية الرسمية حول تصريحات وزير الخارجية التركي، وأكدوا دعمهم الكامل لتطلعات الشعب السوري المشروعة وتنفيذ القرار 2254”.
كما أكد التزامه بـ”الحل السياسي وتخليص البلاد من النظام المجرم ومحاسبته وتحقيق تطلعات الشعب السوري”، مشيرا إلى أن “تظاهرات الشعب السوري الحر في الشمال (الجمعة) أظهرت أن الثورة ما زالت مشتعلة في نفوس الأحرار”، وفق البيان.
الحل عبر القرارات الأممية
من جهته، أكد رئيس هيئة التفاوض (تضم أغلب منصات المعارضة السورية)، بدر جاموس، أن “الحل في سورية ينطلق من القرارات الأممية وعلى رأسها القرار 2254 وتحقيق الانتقال السياسي”، مضيفاً في بيان: لن يكون هناك حل سياسي ما دام لا يتوافق مع الإرادة الدولية وقرارات مجلس الأمن ويحقق تطلعات الشعب السوري.
وأشار المحلل السياسي في مركز “الحوار السوري” ياسين جمول، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “مَن يراهن على أن السوريين في القفص هو مخطئ”، مضيفاً: “الناس في الداخل هم أصحاب الدم وأولياء الشهداء والمعتقلين والمصابين”.
ورأى أن المعارضة السياسية “لم تستطع اللحاق بهم”، مضيفاً: “لو أن المعارضة كانت في الداخل قولاً وفعلاً لوجدنا منهم غير الذي كان؛ فالشارع يغلي بملفات عدة لا يشعر بها إلا مَن كان يعيش مع الناس بأوجاعهم على الحقيقة”.
واعتبر جمول أن “خروج المعارضة من الداخل السوري جعلها في عراء، وبدلاً من الاستقواء بالناس حاضنة الثورة، كان استقواء كل طيف بجهة ارتهن إليها، فمن الطبيعي حينها أن تتأخر المعارضة حتى ترى ما يُقال ممن تستقوي بهم”.
وبيّن ان “حسابات السوريين في الداخل مختلفة”، مضيفاً أن “خطوط الثورة عندهم أوضح من كل الخطوط، وإن سكتوا وتجاوزوا عن تصريحات مسؤولين أو أفعالهم، فلا يمكن أن يتجاوزوا عن الخط الأحمر الذي يرونه خيانة لدماء الشهداء وآلام المعتقلين والمصابين”.
المصدر: العربي الجديد