تمر هذه الأيام ذكرى نكبة فلسطين، النكبة الكبرى في تاريخ العرب والمنطقة، يوم قُيِّد للإسرائيليين أن يعلنوا دولتهم المصطنعة على أرض فلسطين العربية الإسلامية، فكانت الفجيعة الكبرى، وسط عجز عربي وإسلامي، ومباركة دولية، من أجل إقامة دويلة لليهود على أرض فلسطين، ولكننا اليوم ونحن نعيش هذه الذكرى الفاجعة، لا يمكن إلا أن نقترب ونقارن تلك الحال، بنكبة أخرى لا يبدو أنها، أقل مضاضة، وألمًا ونتائج مأساوية من نكبة فلسطين، حيث نشهد جميعًا، التغريبة السورية الأكبر، والتخلي والخذلان الإقليمي والدولي، الأشد والأدهى. وما تركته من ظروف صعبة يعيشها الشعب السوري يومًا إثر يوم، وكسرة بعد كسرة. جيرون توجهت إلى بعض الكتاب الفلسطينيين والسوريين وسألتهم هل يجدون من علاقة بين النكبتين، وهل النكبة السورية باتت أشد وطأة من نكبة فلسطين أو توازيها؟ وما العلاقة التي يجدونها بين النكبتين؟
الكاتب السوري الكبير فاضل السباعي قال لجيرون ” كانت النكبة الفلسطينية شديدة على أمتنا، لتجاوزها ما كنا نعانيه من توغّل الاستعمار في أراضينا، حتى الاستيطاني منه الذي استعبد الناس ولم يُلجئهم إلى ترك البيوت والتوجّه إلى ما وراء الحدود. وجاءت النكبة السورية اليوم بجديدها، الذي هدم البيوت على رؤوس ساكنيها وألجأهم إلى النزوح وإلى افتراش الأرصفة والعيش في المخيمات والملاجئ البعيدة.”. وعن العلاقة بين النكبتين يقول السباعي “الفلسطينية، التي ابتدأت بقرار التقسيم خريف 1947، كان وراءها أميركا والغرب ولم يتوانَ حتى الاتحاد السوفياتي عن الضلوع. ووراء النكبة السورية اليوم، الغرب أيضًا، المتواطئ بصمته، وكأنه يدفع “بقيصر روسيا” الجديد ليكون في المقدمة، يتظاهرون برفع الصوت احتجاجًا، ثمّ يهادنون. ومن مفارقات الزمان أنّا لم نقرأ في التاريخ أنّ شعبًا هُجّر نصفه، يركبون الأهوال في توجّههم إلى المنافي والفيافي، مثلما يقع في سورية: عشرة ملايين نسمة، رقم مذهل، ويُرحّل اليوم آخرون إلى شمال الوطن، لا يُعرف حاضرهم ولا المصير! ويكمن وراء هاتين النكبتين تخطيط مبيّت لتحجيم أمتنا العربية والأمم الإسلامية، فقد “جاء الدور” بعد القضاء على امبراطورية السوفيات، ومن بعده يأتي الدور على أمّة الصين.”. وأضاف السباعي ” وأخيرًا جاء شيخ الضاحية “ليحرّر” في الجنوب، وما لبث بعد “ارتفاع شعبيته” أن ترك وتوجّه إلى بلادي: من هنا أريد أن أحرّر القدس! وما زلنا نُضيّع فلسطين. شبرًا فشبرًا.”
أما الكاتب الفلسطيني أيمن أبو هاشم فقد أكد لجيرون أن ” هناك ترابط وتشابه وثيق بين النكبتين رغم اختلاف السياق التاريخي لكل منها، وما حدث في النكبة الفلسطينية من عملية اقتلاع وتشريد وتغيير ديمغرافي، وهي جرائم مشهودة ارتكبها الكيان الصهيوني بهدف تهويد الأرض الفلسطينية، تتكرر اليوم وبصورة مأساوية أكبر وأشمل في حقائق النكبة السورية وتجلياتها الكارثية، والمفارقة المؤلمة والصادمة أن نكبة السوريين تتم على يد النظام ونتيجة جرائمه المروعة بحق الشعب المفترض أنه الحامي والمدافع عن حقوقه ومصالحه، بل إن أساليب وسياسات النظام في تحقق النكبة السورية تحاكي وتذكر في آن نفس المنطق الصهيوني الذي أدى بممارساته العدوانية في إحداث النكبة الفلسطينية قبل سبعين عامًا” وأضاف أبو هاشم ” بل إن نظام الأسد تفوق في الوحشية والتنكيل على نظيره الاسرائيلي، ولم يوفر ببطشه حتى اللاجئين الفلسطينيين في سورية، الذين شهدوا على يديه نكبتهم الثانية ونالوا نصيبهم الفادح من نكبة إخوتهم السوريين، أما الوجه الآخر للترابط بين النكبتين فيتمثل في وحدة خلاص المنكوبين الفلسطينيين والسوريين من الأطراف، التي سببت لهم كل هذه المعاناة المهولة، ووحدة معركة الحرية التي تجمع بينهما ضد قوى الاستبداد والاحتلال والطغيان”.
الباحث السوري الدكتور زكريا ملاحفجي أكد لجيرون أن ” النكبة الفلسطينية والنكبة السورية تختلف بطرفي الصراع لكنها تتشابه في النتائج من ملايين اللاجئين وضياع الوطن عبر غرباء وافدين مدججين بالسلاح وقرارات دولية بقيت حبرًا على ورق والانكسار قبل ذلك هو عربيًا عبر واقع عربي منقسم غير قادر على اتخاذ موقف حازم تجاه تلك النكبات العربية، وضياع الهوية وقضم أراض عربية لصالح أجنبي محتل يسعى لتغيير البنية الديمغرافية ومجتمع دولي عاجز من أن يضع حدًا للإجرام المرتكب بحق الإنسانية”. وعن المقارنة بين النكبتين قال ملاحفجي “الموازنة بين النكبة بكمية الإجرام ليس معيارًا صحيحًا فمن قتل نفسًا كأنما قتل الناس جميعًا.
إن من يتابع المشهد السوري والنكبة السورية التي يراها الكون كله وبالبث المباشر فإنه يجدها صورة متشابهة عن النكبة الفلسطينية التي وقعت عام 1948 والتي ترويها الكتب أو تحكيها ألسن الآباء والأجداد الذين عايشوها. قد تختلف أطراف الصراع لكنها تتشابه في النتائج من ملايين اللاجئين وضياع الوطن عبر غرباء وافدين مدججين بالسلاح وقرارات دولية بقيت حبرًا على ورق، والانكسار قبل ذلك هو عربيًا عبر واقع عربي منقسم غير قادر على اتخاذ موقف حازم تجاه تلك النكبات العربية وضياع الهوية وقضم أراض عربية لصالح أجنبي محتل يسعى لتغيير البنية الديمغرافية، فالنكبة لم تعد في فلسطين وحدها، والصراع الوجودي لم يعد حكرًا على فلسطين وأرضها وهويتها ففي سورية تجاوزت السبع سنوات وفي فلسطين تجاوزت السبعة عقود من التهجير واللجوء وبقي القرار ١٩٤ بحق العودة هو الذاكرة في أذهان الفلسطينيين والحال نفسه أمام مجتمع دولي عاجز من أن يضع حدًا للإجرام المرتكب بحق الانسانية ويختلف سلوكه عن عناوينه وقوانينه”.
الكاتب الفلسطيني عبد الله أبو راشد اعتبر أن ” الوضع السوري في مجرياته وأحداثه والجهات الباغية التي عملت على تدمير سورية وتهجير وقتل الشعب السوري، هي أقسى مما جرى في نكبة فلسطين. لأنها صراع ما بين الإخوة الأعداء ونظام ظالم يريدها مزرعة خاصة ووراثية وأبدية. بينما نكبة فلسطين كانت بفعل الغزوة الصهيونية وبدعم غربي واضح. وتواطؤ عربي رسمي مشهود. لكل منهما خصوصية ومرجعية، أسباب ومجريات ومتغيرات وتحولات ظروف. في كلا الحالتين النظام العالمي الرأسمالي الجشع بمختلف تنوعاته وأجنداته، يقف وراء ما جرى في فلسطين وسورية على حد سواء وفق لعبة الأمم والتقاسم الوظيفي للمصالح.” ثم قال ” يلعب النظام الرسمي العربي دوره الفاعل في نكبة فلسطين وسورية خدمة لأجندات أعجمية واضحة الدول وحسبة المصالح. وما نلحظه من مواقف العبيد العرب وخنوعهم التام ودفع الجزية والأتاوات والتصريحات التي تفيد الصهاينة من تجار النفط العربي، أكبر دلالة على أدوارهم المخزية في حدوث نكبة فلسطين وسورية. والمقاربة تحتاج لعشرات المقالات ولا يمكن اختزالها”.
المصدر : جيرون
أشار موقع "أكسيوس" الأميركيّ إلى أن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين قد يعود إلى واشنطن الليلة، ولا توقعات بالإعلان عن أي اتفاق...
Read more