تل ليف رام
لم تكن السنة المنصرمة سنة أمنية عادية، فالتغيير لا يفحص فقط بسبب تحقق التهديد بمواجهة عسكرية حقيقية وباستخدام القوة، بل أيضاً بالوتيرة التي تقع فيها الأحداث. في بعض ساحات المواجهة، تسارعت وتيرة التغيير مقارنة بالسنوات السابقة، ويبدو أن احتمال تصعيد آخر في ساحة الضفة آخذ بالارتفاع.
لكن في الشمال، حيال “حزب الله” أيضاً، يسير حسن نصر الله، بعد سنوات من معادلات الرد والتفاهمات غير المكتوبة مع إسرائيل على شفا محاولة تثبيت معادلات جديدة بتعزيز التواجد على الحدود، ومعركة هادئة على الحرية الجوية لإسرائيل وأساس حول الحدود البحرية وبدء الإنتاج من حقل كريش.
خطاب التصريحات كفيل بتغيير الواقع، وستقف السنة الجديدة، كما يقدر جهاز الأمن، في مركز بين التوترات في هاتين الساحتين، أكثر من قطاع غزة الذي تصدر جدول الأعمال الأمني في إسرائيل في السنوات الأخيرة.
ثمة تصعيد آخر في الضفة قد يحرف معظم انتباه الجيش ويقف باحتمالية عالية على رأس جدول الأعمال الذي سيعنى به رئيس الأركان الوافد هرتسي هليفي.
المعركة ضد تموضع إيران، والصواريخ الدقيقة، والاتفاق النووي، والأحلاف الأمنية الجديدة، وربما الأهم تعزيز الجاهزية لحرب متعددة الجبهات بقيادة المحور الشيعي لإيران و”حزب الله”، هي تلك التي سعى جهاز الأمن للتصدي لها ووضعها على رأس جدول الأعمال. لكن الساحة الفلسطينية، مثل مرات عديدة، تصبح هي جاذبة الوقت والانتباه والجاهزية المركزية مقابل تحديات أخرى. إذا ما كان هذا الدور في السنوات الأخيرة محفوظاً لقطاع غزة، يعتقد الجيش الإسرائيلي بأن الضفة الغربية هي القصة هذه المرة.
لإسرائيل إنجازات عديدة في المعركة بينها وبين إيران؛ من ضرب قدرات في سوريا، وحتى ضربات تنسب للموساد بمسؤولين كبار على الأراضي الإيرانية، وإحباط محاولات عمليات على أراضي إسرائيل وفي الخارج. تعد الحملة الأخيرة في قطاع غزة هذه السنة ناجحة، إذ إضافة إلى أن جهاز الأمن راض عن جلوس حماس على الجدار، فثمة احتمال للاستقرار في الجنوب السنة القادمة أيضاً. لكن الميول الأمنية المتغيرة غير مقتصرة على آثار نتائج ونجاحات في طريقة استخدام القوة في الهجوم والدفاع، فقد جرى داخل إسرائيل في السنة الأخيرة وتيرة سريعة جداً من التغييرات، في الميول السلبية أيضاً.
عدد التغييرات ذات الإمكانية الاستراتيجية والعملياتية التي وقعت هذه السنة في المنطقة وتؤثر على إسرائيل عدد لا بـأس به. التغييرات بعامة لا تجري في وقت واحد، وتتبلور إلى انفجار استراتيجي عالمي يؤثر على دول عديدة في العالم، ويخلق كتلاً جديدة وأزمة اقتصادية عالمية. لكن هذا ما حصل هذه السنة عندما أعلنت روسيا الحرب على أوكرانيا واجتاحت أراضيها.
من ناحية إسرائيل، هذا عنصر مصمم كبير ومؤثر، ومن السابق لأوانه تقدير آثاره على المستقبل. لكن واضح بأنه “يربط الروس بإيران – في أوجه تعاون في التجارة والطاقة وبالطبع في السلاح. ونتيجة لذلك، فإن الصناعة العسكرية الإيرانية تستغل الحرب في أوكرانيا كمختبر تعلم للوسائل القتالية، لاستخلاص الدروس ولتطوير سلاح وعقائد قتالية.
في ضوء تعزز أوجه التعاون المضادة، تسعى إسرائيل لمحاولة السير بين القطرات، بحثاً عن التوازنات في موقف واضح إلى جانب الولايات المتحدة ودول الغرب، لكن أيضاً في محاولة لعدم إغضاب الروس. تحاول إسرائيل وجهاز أمنها تقليص آثار الحرب في أوروبا على ميول عملياتية واستراتيجية في الشرق الأوسط بسبب التوتر مع الروس وتعزز تحالفهم مع الإيرانيين. ولكن كلما مر الوقت، تتعزز هذه الميول، ويكاد لا يكون لإسرائيل نفسها تأثير على هذا التطور الذي أصله في المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا.
مقابل هذا المتغير الهائل، الذي لم يكن العالم الغربي جاهزاً له عندما قرر بوتين اجتياح أوكرانيا (رغم المؤشرات العديدة التي نثرها)، فحين يدور الحديث عن واقع أمني، تحدثت التغييرات أحياناً على مدى سنين. لكن نرى في قسم منها تحولات كبرى في صورة الوضع الاستراتيجي. يدور الحديث عن تغيير متسارع ليس ثابتاً. قد لا يكون لبعض التغييرات السريعة تعبير عملياتي فوري، لكنه يتطلب من إسرائيل إجراء ملاءمات عملياتية في الاستعدادات للحرب التالية.
لقد رأى جهاز الأمن في حملة “حارس الأسوار” قبل نحو سنة ونصف، نقطة موقف من إيران بتعزيز وتوثيق الأهداف المشتركة في المحور مع “حزب الله”، وميلشيات شيعية في العراق واليمن، ومرتزقة ومنظمات إرهاب فلسطينية، وذلك كجزء من المحور الشيعي رغم المعتقدات الدينية المختلفة (منظمات الإرهاب الفلسطينية مثلاً، سُنية).
هذه مسيرة طويلة المدى، لكن الجيش يرى أنه ميل يتعزز ويتعاظم. الجانب الآخر يبني تعاونات ليست فقط في الأيديولوجيا ونقل الوسائل القتالية، بل أيضاً في توثيق العلاقات العملياتية وبناء الخطط والأفكار للحرب ضد إسرائيل في ساحات عديدة ومتنوعة، في ظل التدهور التدريجي للوضع بقيادة الإيرانيين.
المصدر: معاريف/القدس العربي