جاد الأمين
يواصل أهالي جبل السماق في ريف إدلب الذي يقطنه أبناء طائفة الموحدين الدروز حياتهم بحذر بعد جريمتي قتل الشهر الماضي عقب زيارة قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني للجبل ضمن مساعي ترويج الشكل الجديد للهيئة. ففي 20 آب الماضي قتل”تركي بياس” وهو رجل سبعيني وزوجته هدى زكي زيبار، في قرية كفتين على يد مجهولين، في جريمة أثارت مخاوف من بقي من الدروز في جبل السماق، رغم إعلان “الهيئة” القبض على المجرمين.
هذه الجريمة سبقتها عمليات قتل أخرى، حيث قتل الشاب “حكمت هداد” من قرية كوكو في الأول من شهر آب 2022، أثناء رعي الأغنام، وكذلك قتل “منصور حجيز” وزوجته، في آذار 2021، بذات القرية.
“جهاز الأمن العام” التابع لـ “هيئة تحرير الشام” في إدلب، قال إنه ألقى القبض على المتورطين بقتل الرجل وزوجته، “وهما أبو بكر الأوزبكي، وعبدالله الأوزبكي”، مشيراً إلى أنهما “ينتميان إلى مجموعة من المقاتلين الأوزبك الموجودين في سوريا، ولهم صلات بتنظيم الدولة، وكشفت الهيئة كذلك، أنهم “اغتالوا في وقت سابق “حكمت هداد” الذي قتل مطلع آب 2022، في جبل السماق”.
كتائب الأوزبك هي واحدة من المجموعات التي قدم عناصرها من آسيا الوسطى، وأسسها “أبو محمد الأوزبكي” في سوريا عام 2013، وينتشرون اليوم كمجموعات صغيرة مستقلة في ريف اللاذقية، لكن معظمهم منضو تحت راية الحزب الإسلامي التركستاني، الذي يعتبر جماعة سلفية جهادية أويغورية تتبع للقيادة المركزية التي أُسست في أفغانستان عام 1993 ومارست نشاطها داخل الصين في إقليم شينجيانغ تحت مسمى “حركة تركستان الشرقية الإسلامية” والتي لها نشاطات أيضاً في إقليم وزيرستان شمالي باكستان.
فما هي قصة هذه الجرائم؟ وأين يوجد دروز إدلب حالياً؟ وما الذي تعرضوا له خلال 11 عاماً من الحرب؟
يوجد في إدلب 18 قرية درزية 15 منها تنتمي للدرزية بشكل كامل و3 تضم سنة ودروزاً في المنطقة المسماة (جبل السماق)، وتعتمد في مصادر رزقها كسائر أهالي محافظة إدلب على الزراعة وتحويلات المغتربين والعمل كسائقين على شاحنات نقل البضائع، ثم الوظائف الحكومية والمهن الحرة.
موقف أهالي جبل السماق من الثورة السورية
مع اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، التزم دروز إدلب الحياد، وكانت لهم مشاركات “فردية” إلى جانب المتظاهرين. وجمعتهم علاقات جيدة مع قادة في الجيش الحر.
يقول الباحث والسياسي عبد المجيد شريف، وهو أحد أهالي جبل السماق: “ظهرت في قرانا كما في كل أرجاء سوريا ثلاثة أصوات متباينة، الأول اعتبرها ثورة وطنية على نظام مستبد وتضامن معها وآمن بنصرها، والثاني اعتبرها صراعاً سنياً ضد العلويين وآمن بحتمية فشلها مقتنعاً بقوة النظام السوري وقساوة بطشه وصوت ثالث متربص أو رمادي.”
ويضيف شريف: “بعد فترة، جاء العميد عصام زهر الدين وهو درزي من السويداء جالباً مالاً وسلاحاً، فرفضه الجميع متمسكين بالعلاقة الجيدة مع مجتمعنا المحيط”- (عصام زهر الدين ضابط في جيش النظام متهم بارتكاب مجازر وجرائم حرب، لقي حتفه بانفجار لغم في أكتوبر 2017 بمدينة دير الزور).
وفي هذا الإطار يقول الكاتب السوري ماهر شرف الدين: “عندما اندلعت الثورة السورية في 2011، وجد نظام الأسد صعوبة في إيجاد ضباط دروز كبار في الجيش لتعويمهم ووضعهم في واجهة الأحداث، ولم يكن أمامه سوى تعويم العميد عصام زهر الدين، الذي كان آنذاك برتبة عقيد وكان على وشك التسريح.”
وأضاف عبد المجيد شريف: “بعد ظهور تنظيم الدولة تعرض دروز المنطقة لضغوط كبيرة وحصلت حوادث خطف ولم يعد أحد من المخطوفين إلا في حالة واحدة، وفي محاولة اختطاف من إحدى دوريات داعش لشخصين منا حاول آخرون تخليصهم ونجحوا وقتلوا عنصراً منهم وهرب المتهم بقتله إلى النظام وحلت القضية بأن دفعنا لهم 15 بندقية، وبعد فترة اجتمعت الفصائل في الشمال وأرسلوا مندوباً يخيرنا بين إعلان الإسلام والتخلي عن العقائد الدرزية أو القتل فقبلنا إعلان الإسلام.”
مجزرة قلب لوزة
في 10 يونيو من عام 2015 وقعت مجزرة في قرية قلب لوزة، شكلت حدثاً رئيسياً ومفصلياً لأهالي جبل السماق، وحصل ذلك عندما حاول قائد تونسي في جبهة النصرة، مصادرة منزل أحد سكان القرية الذين اتهموا بالعمل لصالح النظام، وإثر احتجاج القرويين فتح عناصر المجموعة النار على المحتجين، بعد أن اتهمهم القائد التونسي بـ “التجديف (السخرية من معتقدات الإسلام)”، ما أدى لمقتل نحو 20 شخصاً بينهم مسنون وطفل.
بعد ذلك أصدرت “جبهة النصرة” بياناً استنكرت فيه الحادثة ووصفتها بـ”الخطأ غير المبرر”، وتوعدت بمحاكمة العناصر المتورطين. وفي مقابل ذلك يقول شريف، “رغم إصدار الجبهة بياناً اعترفت فيه بمسؤوليتها عن الجريمة، لكنها لم تحاسب المرتكبين، ولم تدفع تعويضات واكتفت بطرد التونسي من صفوفها”.
انتهاكات جبهة النصرة ومن ثم هيئة تحرير الشام
تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن هيئة تحرير الشام منعت ممارسة الدروز لشعائرهم الدينية واستبدلت مراكز العبادة الخاصة بهم بالجوامع الخاصة بالمسلمين. ووثقت الشبكة 53 حالة خطف، بينهم 3 أطفال وسيدة تعرض لها أبناء القرى ذات الغالبية الدرزية في محافظة إدلب منذ مطلع عام 2012 وحتى آب من عام 2022، وتوزعت المسؤولية عن عمليات الخطف هذه على النحو التالي:
تنظيم الدولة: 16 عملية خطف
هيئة تحرير الشام: 23 عملية خطف
تنظيمات متشددة أخرى: 14 عملية خطف
الوضع الراهن
وتقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن نسبة السكان من القرى الدرزية المتبقية في قراهم تقدر بنحو 20% من أصل سكانها غالبيتهم العظمى من كبار السن، حيث شهدت تلك القرى أكبر موجة نزوح قدرت بنحو 50% من السكان مطلع عام 2012 وحتى عام 2014 بسبب العمليات العسكرية والقصف الذي كانت تشهده إدلب عامة، وبعد سيطرة تنظيمات إسلامية متشددة على المنطقة.
وبحسب شريف، فالدروز “ممنوعون من حمل السلاح وعند وقوع جريمة قتل لا يتم إطلاعهم على نتائج التحقيق”. ويضيف: “في قريتنا 4 مدارس بقيت مشغولة بالنازحين حتى منتصف العام الدراسي الفائت وتحت إلحاحنا أفرغت إحداها والآن يقولون إنهم أفرغوا مدرسة ثانية وعينوا لها معلمين، وبما أننا لم نُسأل ولم نُدع للمشاركة في إدارة المدرستين فإننا لا نعرف كيف يتم التعليم فيهما، ولا نستطيع إرسال أطفالنا إلى مؤسسة تعليمية مجهولة من قبلنا، كذلك لا يوجد بيننا موظفون في حكومة الإنقاذ ولا الحكومة المؤقتة ولا المنظمات”.
هيئة تحرير الشام المسيطرة على المنطقة تقول إنها تسعى لتنمية المنطقة وتقاضي المسؤولين عن أي جريمة أو حادثة سرقة، حيث زار أبو محمد الجولاني قائد الهيئة جبل السماق، والتقى خلال يونيو/حزيران 2022، مع وجهاء من الجبل خلال افتتاح بئر مياه للمنطقة وتبرأ من العناصر الذين ارتكبوا مجزرة قلب لوزة ومن الممارسات السابقة، مؤكداً أنه تمت معاقبة المسؤولين.
أما ماهر شرف الدين، فيقول في فيديو نشره على قناته على يوتيوب إن “الجولاني بذلك يحاول تصدير نفسه كحامٍ للأقليات لأنه يترك التركستان يعتدون على دروز إدلب ثم يأتي لتجميل صورته”.
ويرى فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن “تنظيمات إسلامية متطرفة في إدلب مارست أنماطاً مختلفة من الانتهاكات بحق مدنيين من أبناء الطائفة الدرزية، ولعب المقاتلون الأجانب المنتمون لهذه التنظيمات دوراً أساسياً في ذلك. كالترهيب والاغتيالات الغامضة وعمليات سلب من الطرقات، ويقومون بذلك بدوافع تطرف دينية”.
وفي الوقت ذاته ينكر المتهم الأول “الحزب الإسلامي التركستاني”، اعتداء عناصر تابعين له على أهالي القرى والبلدات في منطقة جبل السماق، حيث أصدر بياناً نشره على موقعه نأى من خلاله بنفسه عن أي “مشكلات داخلية” كما وصفها.
التمثيل السياسي قبل وبعد الثورة
يرى حافظ قرقوط، وهو سياسي سوري ينحدر من السويداء، أن “النظام همّش دروز إدلب قبل الثورة سياسياً حالهم حال كل أهالي إدلب التي تعرضت للإقصاء التام، وخلال الثورة حاول زجّهم بالأعمال العسكرية ضد أهل إدلب وتوريطهم في قتال أهل بلدهم”.
أما ماهر شرف الدين، فيعود لمرحلة ماقبل حكم البعث، فيقول: “قبل وصول حافظ الأسد إلى الحكم، وصل الضبّاط الدروز إلى منصب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، بل إن الذي كان يشغل هذا المنصب يوم انقلاب الثامن من آذار كان الفريق عبد الكريم زهر الدين، وكان يتولّى وزارة الدفاع أيضاً. وقد تم اعتقاله وتسريحه بعد الانقلاب”.
ويشرح شرف الدين أن تولّي الضباط الدروز تلك المناصب العليا في الجيش، جاء كنوع من العرفان الوطني لدورهم القيادي في الثورة السورية الكبرى. فمنصب وزير الدفاع كان من نصيب الدروز خمس مرات قبل حكم “البعث”، بينما لم يحصل أي ضابط درزي على أي منصب كبير بعد ذلك، خاصة بعد الانقلاب الفاشل الذي قاده الرائد سليم حاطوم سنة 1966، وإعدامه سنة 1967، ثم تسريح الضباط الدروز من الجيش.
وفي مرحلة بعد اندلاع الثورة يرى قرقوط، أنه لا يمكن النظر بإيجابية كبيرة إلى موقف المعارضة السورية من دروز إدلب، فمنذ بداية الثورة لم تسد الثغرات التي يمكن أن يستغلها النظام أو المتطرفون تجاه القضية السورية، إلى أن حصلت مجزرة عام 2015، وحينها صدر بيان عن الائتلاف وبيانات من بعض الفصائل، لكن دون تدخل أو دعم حقيقي لتلك المناطق، مبرراً ذلك بأن المعارضة تخشى لو تكلمت بشؤون الأقليات أن تتهم بالطائفية ولذلك لم تتخذ مواقف واضحة لدعم الدروز.
ويوافقه ماهر شرف الدين حول أن التمثيل السياسي للدروز عموماً ودروز إدلب خصوصاً، في أجسام المعارضة كان شكلياً دون أي تأثير.
مطالب وتوصيات
حافظ قرقوط، يرى أن المطلوب إظهار ملف وجود دروز إدلب إلى العلن وإلى المؤسسات الدولية كملف حقيقي خشية تعرضهم للتهجير بالتضييق عليهم، ويرى أن العلاقة بين السكان السنة والدروز في إدلب أكثر من ممتازة ويطرح تساؤلاً حول “ممن يجب أن نحمي دروز إدلب، من أي فصيل أو من الغرباء من خارج سوريا؟”.
أما عبد المجيد شريف فيؤكد أن أي “حل لا يفيد إذا بقي تقييمنا أو تقييم معظمنا ككفار”، حيث يرى أن انتخاب المجالس المحلية من قبل السكان دون وصاية من أحد، واحترام الملكية وفق الأصول القانونية واحترام حق الأقليات بالتصرف بأموالهم وتوثيق عمليات البيع والشراء والهبة أصولا ككل الناس، من شأنه أن يساهم برفع مستوى حصولهم على حقوقهم التي تحتاج “مشاركة ممثل عن الدروز في الدعاوى القضائية التي تخص قرى الجبل”. ومشاركة في عملية التعليم لطلاب هذه المناطق.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا