أدى الجمود في الملف السوري إلى طرح العديد من المشاريع السياسية من قبل الدول التي تريد فرض رؤيتها على المشهد السياسي السوري، أو تحقيق أي مكتسبات ممكنة من الأزمة التي تجاوزت العشر سنوات وتعقدت أكثر مما هو متوقع.
وقالت مصادر مطلعة لموقع “تلفزيون سوريا” إن ضغوطاً مكثفة تجري على المعارضة السورية لقبول مشروع “خطوة مقابل خطوة” في المحادثات السياسية مع النظام السوري لإنهاء الأزمة السورية، مضيفة أن هناك تباينات واسعة في رؤية الدول للحل السوري متمثلة في ثلاثة مشاريع تقودها أميركا وأوروبا، والأردن، وتركيا، كل منها على حدة.
ومع تراجع الاهتمام الأميركي والأوروبي بالملف السوري، خصوصاً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تصدرت الأزمة الأوكرانية المشهد الدولي وانصبت كل الجهود لصالحها.
ورغم أن انسداد العملية السياسية السورية يسبق الغزو الروسي لأوكرانيا، فإنها زادت من عدم اكتراث العالم بالملف السوري في ظل المحافظة على وضعه الراهن، ومساعي النظام لإعادة تعويم نفسه بمساعدة روسيا وإيران ودول عربية تمد يد العون له في ذلك.
وفي ظل الوضع الراهن، وفشل النظام السوري في العودة إلى الجامعة العربية بسبب الرفض القَطري الجذري، وما رافقه من رفض سعودي، هناك 3 مشاريع سياسية مطروحة على الطاولة حالياً، وسط ضغوط من أطراف مختلفة على المعارضة للقبول برؤيتها للحل في سوريا.
مشروع أميركي أوروبي
وقال مصدر مطلع لموقع “تلفزيون سوريا” إن هناك ضغوطا أميركية وأوروبية على المعارضة السورية للقبول بمشروع “خطوة مقابل خطوة”، رغم رفض المعارضة السورية للمقترح.
ويمثل المشروع الذي يحشد له المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن مخاطر جمة على الملف السوري، خصوصاً مع عدم تطبيق النظام السوري لأي من مقررات جنيف أو الجولات السياسية التي عقدت فيها خلال السنوات الماضية.
ويتضمن المشروع الذي سيتم العمل عليه باسم مبدأ “خطوة مقابل خطوة” ضمن أربعة جوانب هي: الجانب الإنساني، تطبيق القرار الأممي 2254، محاربة الإرهاب، انسحاب قوات الدول الأجنبية من سوريا.
وتكمن المشكلة الأساسية لدى المعارضة في ترويج بيدرسن لمقاربة “خطوة مقابل خطوة” التي يعتبرها الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية تمييعاً للقرار الأممي 2254 والذي تبنى عليه “خريطة الطريق للانتقال السياسي” في سوريا.
وتوصف خطوة بيدرسن – التي يبدو أنها تأخذ دعماً حقيقياً من واشنطن ودول أوروبية – بأنها اتخاذ مجموعة من الإجراءات من الدول المنفتحة تجاه سوريا. على أن يقوم النظام السوري بخطوات مقابلة، وهكذا إلى أن تتحلحل المسألة.
ولم تستطع كل جهود بيدرسن وما عقده من مباحثات وجولات تفاوضية بين النظام والمعارضة من إحداث أي تغيير في مختلف الملفات، إلى جانب تقسيم سوريا بشكل غير رسمي بين أطراف الصراع، وصفها بيدرسن بأنها “جمود استراتيجي”، يسعى مؤخراً لتحريكه عبر الضغوط الأميركية.
مشروع أردني
في مقابل المشروع الذي يبدو أنه بقيادة أميركية أوروبية، خرجت المملكة الأردنية بمبادرة جديدة لحل الملف السوري، زعمت أنه مشروع عربي، إلا أنه من المرجح أنه ليس كذلك، وفق المصدر المطلع.
وأشار المصدر إلى أن المملكة ستطرح مبادرتها الجديدة على طاولة القمة العربية التي ستعقد في الجزائر بداية تشرين الثاني المقبل، في ظل تخوفات الأردن الأمنية من استمرار عمليات تهريب المخدرات والأسلحة من مناطق سيطرة النظام السوري إلى أراضيه.
والمبادرة أعلن عنها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في تصريحات لصحيفة “ناشيونال” الإماراتية، قال فيها إن بلاده تحشد من أجل “دعم دولي وإقليمي لعملية سياسية يقودها العرب”، لإنهاء الحرب في سوريا، موضحاً أن العملية ستشمل السعودية ودولاً عربية أخرى.
كما أعرب الصفدي عن تفاؤله في نجاح تلك المبادرة بالقول: “أستطيع القول بصراحة بأن الجميع يريد أن يرى نهاية للأزمة السورية، والجميع منفتح على آلية من شأنها أن تحقق هذا الهدف”، وفق زعمه.
وبعد أيام قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، إن “الأردن يريد حلاً يحفظ وحدة سوريا أرضاً وشعباً ويضمن العودة الطوعية والآمنة للاجئين”، بحسب وكالة الأنباء الأردنية “بترا”.
ولفت إلى دور قوات الجيش الأردني في التصدي لتهريب المخدرات والتي يأتي معظمها عبر الحدود السورية، مؤكداً أن “حدود المملكة آمنة بجهود النشامى في الجيش العربي، والأجهزة الأمنية اليقظة والمحترفة”.
لا إجماع عربيا على تعويم الأسد
وبخصوص مبادرة الأردن قال المصدر: إنه “من المستبعد أن يكون هناك قبول عربي بالمبادرة، خصوصاً إن تحدثنا عن السعودية التي أطلقت تصريحات نارية على لسان مندوبها الدائم في الأمم المتحدة عبد الله العلمي هاجم فيها النظام السوري، وندد بجرائمه”.
كما أن “الفيتو” الذي استخدمته دول عربية لمنع عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية يؤكد أن المشروع الأردني يواجه العديد من العراقيل العربية بما فيها الموقف القطري الثابت، ومواقف كل من السعودية ومصر.
ومن المرجح أن مشروع الأردن الحالي، لا يختلف عن المشروع الذي قدمه الملك عبد الله الثاني للبيت الأبيض لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية عام 2021. حيث تستهدف المقاربة الأردنية “تغيير سلوك النظام تدريجياً، مقابل الحوافز التي سيتم تحديدها بعناية لإفادة الشعب السوري، وتمكين بيئة مؤاتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين”، والذي يعني تقديم تنازلات من قبل المعارضة مقابل تجاوب النظام مع الحل السياسي، وخاصة في ملفات حساسة مثل ملف المعتقلين.
مشروع تركي
على صعيد آخر، يبدو أن تركيا تغرد في سرب آخر بعيداً عن مشروع خطوة مقابل خطوة، ومشروع الأردن، حيث إن أنقرة المقبلة على انتخابات مصيرية رئاسية وبرلمانية في 2023، بصدد إجراء مقاربة جديدة بنظرتها لسياستها الخارجية تجاه الملف السوري، خصوصاً مع وجود 3.7 ملايين سوري على أراضيها.
وقال المصدر لموقع “تلفزيون سوريا”، إن “تركيا تسعى لتقديم خريطة طريق جديدة بدعم روسي مع النظام السوري منفرداً، وهذا ما يظهر من تخفيف اللهجة التركية الرسمية تجاه النظام”.
ويوم الخميس الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه قد يلتقي مع رئيس النظام السوري بشار الأسد عندما يكون الوقت مناسباً وإنه لن يستبعد ذلك.
وأكّد أردوغان أن هناك محادثات تجري بالفعل حالياً مع النظام السوري على مستوى منخفض، بحسب وكالة رويترز.
وأضاف أردوغان: “مثل هذا الاجتماع ليس على جدول الأعمال حالياً. لكن لا يمكنني أن أقول إنه من المستحيل مقابلة الأسد”، ومن الملحوظ أنها المرة الأولى التي يسمى فيها بشار الأسد بالرئيس السوري.
تحركات بدعم روسي
وفي تشرين الأول الجاري، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن موسكو تحافظ على اتصالات “نشطة للغاية” لعقد اجتماع دبلوماسي بين النظام السوري وتركيا.
وفي تصريحات نقلتها وكالة “تاس” الروسية، قال نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف إن “الجانب الروسي يشارك بنشاط في حوار مع الشركاء بشأن اقتراح توفير منصة لاجتماع وزيري خارجية النظام السوري وتركيا”، واصفاً الاتصالات بشأن هذا الموضوع بأنها “نشطة للغاية”.
وفي أيلول الماضي، نقلت وكالة “رويترز” عن أربعة مصادر قالت إن رئيس المخابرات التركية حقان فيدان عقد اجتماعات متعددة مع نظيره السوري “علي مملوك” في دمشق في الأسابيع الأخيرة، في مؤشر على جهود تبذلها روسيا للتقريب بين تركيا والنظام السوري بعد القطيعة التي أحدثتها حرب الأخير على السوريين منذ 2011.
في الوقت الذي لم تتوضح تماماً ما هي معالم المشروع التركي الذي تود أنقرة أن تفرضه في الواقع السوري، حيث لم يظهر منه سوى تصريحات تؤكد وجود مباحثات استخباراتية وإمكانية تحولها إلى دبلوماسية على مستوى وزراء الخارجية وبحث تطويرها إلى تطبيع علاقات يهدف في نهاية الأمر إلى إعادة اللاجئين بشكل آمن إلى سوريا وتقديم ضمانات مع تغيير النظام لسلوكه، واستعادة النظام السوري للمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، بحسب الرؤية التركية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا