رياض قهوجي
كثرت في الأيام الأخيرة الأخبار والتقارير الغربية عن الدعم العسكري الذي تقدمه إيران لروسيا. فبعد أن زودت طهران القوات الروسية بمئات الطائرات المسيّرة الهجومية والانتحارية، تتحضر إيران، بحسب التقارير الغربية، لتقديم ما يقارب ألف صاروخ باليستي وجوال لروسيا لتعزيز قدرة الأخيرة على الاستمرار في استهداف البنية التحتية والعسكرية لأوكرانيا. ويبدو أن الدعم العسكري الإيراني مهم جداً لروسيا التي عجزت عن تأمين السيطرة الجوية في حربها بسبب ضعف جاهزية قواتها الجوية وامتلاك أوكرانيا دفاعات جوية جيدة وفرتها لها دول حلف “الناتو”. فمن دون القدرة على شن غارات جوية فعالة، تعتمد روسيا على الصواريخ الدقيقة البعيدة المدى في القصف الاستراتيجي على أوكرانيا. لكن مخزون روسيا من الصواريخ الجوالة والطائرات المسيّرة بدأ ينفذ بحسب تقارير الاستخبارات الغربية، وبالتالي فهي بحاجة لمن يزودها بهذه الصواريخ.
يبدو أن الصين لم توافق على تلبية حاجات روسيا من أسلحة دقيقة لتجنب إغضاب الأوروبيين في وقت تحاول فيه الحفاظ على علاقات اقتصادية جيده معهم. كما أن شروط الصينيين قد لا تناسب موسكو التي باتت أضعف من رفض شروط بكين. لكنْ، لدى روسيا رصيد كبير لدى إيران. فهي من أنقذ قوات “الحرس الثوري” من الهزيمة في سوريا وساعدتها على حماية نظام بشار الأسد من السقوط أمام هجمات المعارضة.
والتدخل الروسي في سوريا جاء بعد الزيارات التي قام بها رئيس “الحرس الثوري” الإيراني السابق قاسم سليماني لموسكو حيث تحدثت تقارير عن اجتماعات له مع الرئيس فلاديمير بوتين. كما أن روسيا ساعدت إيران كثيراً في المفاوضات النووية وفي مجلس الأمن حيث استخدمت الفيتو لمنع صدور أي قرارات إدانة ضد طهران.
ليست طهران اليوم في موقف يسمح لها برفض أي طلب من موسكو، وبخاصة توفير الدعم العسكري. فمن مصلحة إيران أن تنتصر روسيا في حربها ضد أوكرانيا كون ذلك سيضعف من مكانة الغرب ويثبت قوة الحليف الاستراتيجي لمحور الممانعة. لكنها في الوقت ذاته تخاطر بخسارة أصدقائها في القارة الأوروبية، بخاصة ممن كانوا يضغطون على واشنطن للسير باتفاق نووي جديد. ولقد بدأت معالم الغضب الأوروبي تظهر بوضوح في دول مثل ألمانيا وبريطانيا والسويد. وزادت الانتفاضة النسائية ضد النظام الإيراني من الطين بلّة بالنسبة الى طهران. فوزراء الخارجية لدول عديدة غربية هم من النساء اللواتي يعتبرن حماية حقوق وحرية المرأة من المواضيع الأساسية في أجندتهن السياسية وبالتالي هن بصدد فرض عقوبات على النظام الإيراني لقمعه للمحتجين والمتظاهرين في الجامعات والمدن الإيرانية.
تزويد إيران روسيا الأسلحة يعني أن طهران قد اختارت أن تكون طرفاً في حرب عقائدية بين القومية الأوروبية والقومية الروسية، وفي نزاع بين القوى الليبرالية والأنظمة الشمولية. بل إن الدول الغربية تنفق المليارات لدعم أوكرانيا عسكرياً وبالتالي لن تتغاضى عن إقدام إيران على محاولة تقويض ما تقوم به بتزويدها روسيا بالأسلحة النوعية. والدول الأوروبية التي كانت لسنوات تعارض أي عمل عسكري ضد إيران وتشكك بالتقارير الإسرائيلية والعربية عن الخطر الذي تشكله برامج إيران للصواريخ الباليستية والجوالة والطائرات المسيّرة، باتت اليوم مقتنعة بوجود تهديد من الأسلحة الإيرانية للقارة الأوروبية. فتصريحات الساسة والمسؤولين الأوروبيين وتعليقات وسائل إعلامهم هي خير دليل على التغيير في المواقف والقلق من قدرات إيران العسكرية وضرورة العمل على إزالة هذا التهديد.
الموقف الأميركي من إيران يبدو ملتبساً حتى اللحظة. فمن جهة أعلنت واشنطن توقف المحادثات حول الملف النووي الإيراني وأنها لا تتوقع استئنافها قريباً وتدين عمليات القمع ضد المتظاهرين وقررت فرض عقوبات على بعض الكيانات والجهات المسؤولة عنها. كما أنها تتهم إيران بتسليح روسيا ما يعقد جهودها في أوكرانيا، بخاصة بعد إنفاقها المليارات في دعمها عسكرياً. لكن من ناحية أخرى، فواشنطن تعتمد المقاربة الدبلوماسية بمساعدة وتشجيع فرنسيين في معالجة بعض الملفات الإقليمية. فتشكيل الحكومة العراقية وتوقيع اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل ما كان ليتم لولا التفاهم مع الميليشيات الحليفة لإيران في العراق ولبنان.
وستزداد الأمور تعقيداً على واشنطن قريباً مع فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الإسرائيلية وتوقع تشكيل حكومة يمينية بقيادة بنيامين نتنياهو في وقت يسير البرنامج النووي قدماً بسرعة مقلقة للعديد من المراقبين في إسرائيل والغرب. وإذا ما خسر الديموقراطيون الأغلبية في الكونغرس أو مجلس الشيوخ أو كليهما فإن إدارة بايدن ستخسر سيطرتها على السياسة الخارجية وستضطر للتنسيق أكثر مع القوى الأميركية المحافظة والمتشددة ضد إيران. وبالتالي، ستؤدي التغيرات الحاصلة والمتوقعة في إسرائيل وأميركا الى تغيير أسلوب تعاطي واشنطن مع طهران، وستجعل موضوع تنامي قدرات إيران العسكرية والنووية أولوية يجب التعامل معها.
مع الغضب الأوروبي من إيران وصعود القوى اليمينية المتشددة في إسرائيل وأميركا فإن المنطقة قد تواجه تصعيداً سريعاً وغير متوقع، بخاصة اذا ما استمرت طهران بتزويد روسيا أسلحة نوعية تؤثر في مجرى الحرب في أوكرانيا. تدريبات سلاح الجو الإسرائيلي على شن غارات بعيدة المدى تحاكي هجوماً على أهداف إيرانية متعددة لم تتوقف. بل تطورت أخيراً لتشمل تدريبات على سيناريوات تتضمن إطلاق صواريخ باليستية من داخل إسرائيل وصواريخ جوالة من غواصات إسرائيلية على أهداف إيرانية. قد يوفر الغضب الأوروبي وفوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية الفرصة الأفضل لإسرائيل لضرب منشآت إيران النووية ومصانع الصواريخ والمسيّرات. فهي لن تقلق من رد فعل الرأي العام الغربي، وستثق بدعم عسكري أميركي – غربي لها في مواجهة المحور الروسي – الإيراني.
لكن ما قد يمنع خطوة إسرائيلية كهذه هو تداعيات حرب كهذه على أسعار النفط وإمدادات الغاز لأوروبا عبر مضيقي هرمز وباب المندب ومنصات الغاز الإسرائيلية. فطهران تدرك حجم أزمة الطاقة التي تواجهها أوروبا وأميركا وتعول على هذا الأمر لحمايتها من أي خطوات عسكرية نتيجة دعمها روسيا بالسلاح وتسريع عمليات تخصيب اليورانيوم.
فطهران معتادة على ممارسة سياسة حافة الهاوية ونفذتها بنجاح عبر السنوات الماضية، وتعتمد على بعض الانقسامات في صفوف القيادات في الغرب، حيث غالبيتها تفضل حماية المصالح الاقتصادية على مواضيع الحريات والمبادئ الليبرالية، ويتجلى هذا الأمر اليوم في مقاربة السياسة الفرنسية وإدارة بايدن لملفي لبنان والعراق. لكن مع أبعاد حرب أوكرانيا بالنسبة الى أوروبا واقتناع الغرب بخطر سلاح إيران وتقدم برنامجها النووي وصعود قوى اليمين، هل تصيب حسابات إيران مرة أخرى أم تجد نفسها أمام معادلة جديدة؟ حسابات الربح والخسارة باتت كبيرة ومصيرية لقوى عديدة مؤثرة وبالتالي ستجد دول نفسها مضطرة لأخذ قرارات تكون أقل الشرين، وأحلاهما مر. إنه وقت التزام الحذر وتوقع كل شيء.
المصدر: النهار العربي