علي محمد شريف
حين يصف طاغية محتلّ لبلد ومختطف لإرادة شعب مستعبد ومغلوبٍ على أمره، الملايين من الوطنيين الثائرين على فساده وطغيانه بالجراثيم، يغدو استخدامه للسلاح الكيماويّ ولكافة أنواع الأسلحة المحرمة والمحظورة دولياً أمراً عاديّاً ومقبولاً في عرفه، بل ويستحقّ الإطراء والإشادة من شركائه والمتواطئين معه بل ومن القوى الكبرى الحريصة على بقائه، إذ إنّ المناهضين لحكمه الاستبداديّ والمطالبين بالحرية والعدالة والكرامة، في نظر زعيم المافيا الكبتاغوني، مجرد حشرات ينبغي القضاء عليها والتخلص منها إلى الأبد، كي يأمن مقامه وتستقرّ أحواله ومن في زمرته من صفوة الحيوانات المتجانسة معه.
إنّ رؤية دارس طبّ العيون في بريطانيا وربيب سدنتها وفهمه لعلم لكيمياء واستخداماته لا يتعدّيا صناعة الهيروين والكبتاغون والسارين والكلور والنابالم والقنابل الفوسفورية وبقية الأسلحة البيولوجية والجرثومية، فالكيمياء وفق عقيدة المجرم بشار البهرزي علم تقتصر وظيفته على اغتيال العقل وتدمير صحة الإنسان، وقتل وإبادة الجنس البشريّ، وهو سبيل لتكديس الثروة وتأبيد السلطة والإمعان في الطغيان، ولا بأس إن أصبح هذا االوريث المعتوه في نظر العالم أنموذجاً لأقذر مجرمي الحرب وملكاً للمخدرات، فهذا الوحش البشري جدير بهذه النعوت بالفعل، وهو أيضاً ليس أكثر من زعيم لمافيا تتجاوز شروره وأفعاله المدمّرة الحدود الجغرافية للبلد الي يحتلّها، وتمتدّ إقليمياً ودوليّاً لتهدّد حياة المجتمعات وأمنها وسلمها في جهات الأرض الأربع.
بينما تجاوز الأسد خطوط أوباما الحمراء واستخدم غاز السارين في الغوطة الشرقية فقتل في هذه المجزرة أكثر من ألف وخمسمائة من المدنيين الآمنين معظمهم من الأطفال اكتفت السيّدة أميركا بتقريع المجرم وتهديده وبوجوب مصادرة أداة الجريمة، أي مخزونه من السلاح الكيماوي، وهو ما لم ينفذ على الحقيقة، فقد عاد الأسد، المطمئنّ لردود فعل أميركا والمجتمع الدولي اللطيفة على فظائعه، إلى استخدام هذا السلاح الفتاك ضدّ المدن والقرى السوريّة مئات المرّات في حرب إبادة لم تشهدها البشرية عبر تاريخها.
اللافت أنّ خطابات رأس النظام المجرم المشبعة بالبذاءة والتحريض الطائفي والتهديد لم تكن فقط بين خاصّته وشركائه أو بين أشباهه ونظائره من الضالعين في الإجرام، بل كانت منبرية وعلنية تتدوالها وسائل الإعلام، كذلك فإن جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية التي يرتكبها تبثّ مباشرة عبر الفضائيّات، وتوثّقها جهات ومنظمات محلية ودوليّة مسؤولة، مع ذلك لم يصدر عن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي سوى القلق والإدانات اللفظية المفرغة من محتواها، وغير المقرونة بإجراءات حقيقية رادعة، كذلك فإنّ مجلس الأمن الدوليّ لم يتحرك لنجدة شعب سوريّة وحمايته من آلة مافيا الأسد العسكرية المتوحشة وأسلحة الدمار الشامل التي تسببت في قتل وتهجير الملايين من البشر. كلّ ما سبق دفع السوريين للاعتقاد بأنّ القوى الكبرى والعديد من الدول الإقليمية لا تتجاهل مأساتهم وتتغاضى عن مجازر نظام المافيا الأسديّ وجرائمه الشنيعة بحقهم وحسب، بل هي متواطئة معه وشريكة فيما حلّ بهم من قتل وتنكيل وتدمير.
الطغاة لا يحتملون فكرة الحريّة لأنهم عبيد منقادين لنزعاتهم الحيوانية، وأسرى لأوهامهم وتصوراتهم المشوّهة عن الحياة والناس، الطغاة وحوش لا تتقن سوى لغة العنف والقتل والتدمير لكلّ ما هو إنسانيّ وجميل. إنهم مطلق الشرّ وأداة الظلم والظلاميّة على الشعوب وعلى مظاهر الحياة كافة.
لم يعد ثمّة أمل للسوريّ في عدالة تتنطع لتحقيقها الأمم المتحدة ومحاكمها الموقرة، ومجلس أمنها المزعوم، كما أنّ القوانين والتشريعات الدولية باتت مجرّد تراث فقهي في متحف مهجور، لقد تجاوز السوريّ على أحزانه وأجّل مراسم عزائه إلى ما بعد الثأر لإنسانه من ضعفه، ومن كلّ من شارك في قتله والتنكيل بمعتقليه واغتصاب حرائره وتدمير وطنه وتهجيره، ومن كل من خذله وساوم على دمه وتاجر بألمه.
لعلّ اليقين الوحيد المتبقي هو في عدالة مصدرها السماء وأداتها عقل السوريّ وزنده الموسوم بقوّة الحقّ، إنّ يوم الحزن آت لا محالة وستتبعه مواسم للأعراس والفرح.
المصدر: إشراق