طهران تواصل أحكام الإعدام لترهيب المتظاهرين في ظل تزايد أعداد القتلى والقضاء يستدعي 8 مشاهير. فيما تواترت أنباء عن مقتل أربعة متظاهرين إيرانيين على الأقل يوم الأحد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) حكمت “المحكمة الثورية” في طهران على شخص سادس بالإعدام على خلفية مشاركته في الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ وفاة الشابة مهسا أميني منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، بحسب ما أفادت وكالة “ميزان أونلاين” التابعة للسلطة القضائية.
ودين المتهم بـ”سحب سكين بقصد القتل وبث الرعب وخلق حال من انعدام الأمن في المجتمع خلال أعمال الشغب الأخيرة”، وفق “ميزان أونلاين”. وقضت المحكمة بأنه “محارب” (وتعني عدو الله بالفارسية)، بحسب ما أفادت الوكالة.
وخلال الأيام الأخيرة صدرت خمسة أحكام بالإعدام عن المحكمة الثورية على خلفية قضايا مرتبطة بـ “أعمال شغب” راهنة في محافظة طهران. ويمكن استئناف الأحكام الصادرة بحق جميع هؤلاء المتهمين أمام المحكمة العليا.
وبحسب “رويترز” أفادت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي وجماعات حقوقية بأن حكام إيران من رجال الدين كثفوا قمعهم للاحتجاجات المستمرة المناهضة للحكومة في المنطقة الكردية بالبلاد ونشروا قوات وقتلوا أربعة متظاهرين على الأقل الأحد.
وتشهد إيران منذ الـ 16 من سبتمبر الماضي احتجاجات إثر وفاة مهسا أميني بعد أيام من توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لعدم التزامها قواعد اللباس الصارمة.
وقتل ما لا يقل عن 378 شخصاً بينهم 47 طفلاً في حملة قمع التظاهرات، وفق حصيلة جديدة نشرتها الأحد منظمة “إيران هيومن رايتس” ومقرها أوسلو. وأشارت المنظمة إلى أن هؤلاء القتلى سقطوا في 25 محافظة من أصل 31، من بينهم 123 في سيستان بلوشستان.
حملة قمع في مهاباد
خرجت عشرات المدن الإيرانية من بينها العاصمة طهران في مظاهرات ليلية تضامناً مع مدينة مهاباد الكردية بعد تقارير حذرت من ارتكاب حملات قمع غير مسبوقة من جانب القوات الأمنية الإيرانية.
وفي طهران خرجت عدة أحياء في مظاهرات ليلية مثل عبدل آباد وشريعتي وقلهك وتهرانبارس للتنديد بالقمع وسط هتافات ضد خامنئي، وفقاً لموقع “إيران إنترناشيونال”.
وعبر ناشطون في وقت سابق الأحد عن قلقهم من حملة قمع واسعة تشنها إيران في مدينة مهاباد التي يقطنها أكراد كانت شهدت احتجاجات ضد النظام في الأيام الماضية. وأرسلت تعزيزات أمنية إلى مدينة مهاباد غرب إيران، ونشرت ليلاً صور وملفات صوتية لإطلاق نار كثيف وصراخ.
وكانت مجموعات حقوقية نشرت في وقت سابق لقطات من الاحتجاجات في مهاباد، بما فيها صور لجنازات ضحايا حملة القمع الدامية للتظاهرات.
وقالت “منظمة هنكاو” ومقرها النرويج إن قوات مسلحة أرسلت من أورميا، المدينة الرئيسة في محافظة أذربيجان الغربية، إلى مهاباد، وكتبت المنظمة عبر “تويتر” أن “المناطق السكنية في مهاباد تشهد إطلاق النار بكثرة”.
ونشرت المنظمة لقطات تظهر مروحيات تحلق فوق مهاباد قيل إن على متنها أفراداً من الحرس الثوري أرسلوا لقمع الاحتجاجات. وأشارت إلى أن أصحاب المحال في جميع أنحاء المنطقة سيشاركون في إضراب الأحد احتجاجاً على عنف قوات الأمن.
ونشرت منظمة “إيران هيومن رايتس” كذلك لقطات ليل السبت – الأحد قالت إنها تظهر إطلاق نار في المدينة. وكتب مدير المنظمة محمود أميري مقدم أن السلطات “قطعت التيار الكهربائي ويسمع صوت إطلاق نار من مدافع رشاشة”، وتحدث عن “تقارير غير مؤكدة عن مقتل أو إصابة متظاهرين”.
ونشر مقطع صوتي يسمع فيه صراخ وسط إطلاق نار متواصل. ويشكل الأكراد واحدة من أهم الأقليات العرقية غير الفارسية في إيران ويعتنقون عموماً الإسلام السني في بلد يهيمن عليه الإسلام الشيعي.
واتهمت وكالة “تسنيم” الدولية للأنباء “مثيري الشعب” بنشر الرعب في المدينة من خلال إضرام النار في منازل يملكها عناصر أمن وجنود وإغلاق الطرق. وقالت الوكالة إن معظم هؤلاء تم اعتقالهم ولم يقتل أحد، مشيرة إلى عودة الأمن ونافية الأنباء عن إضراب عام.
ولمدينة مهاباد أهمية خاصة لدى الأكراد، إذ يعتبرونها المدينة الرئيسة في جمهورية مهاباد التي لم تدم طويلاً، وهي دويلة كردية لم يتم الاعتراف بها ونشأت بدعم من الاتحاد السوفياتي عام 1946 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لكنها استمرت أقل من عام قبل أن تستعيد إيران السيطرة عليها.
وحذرت “منظمة هنكاو” السبت من أن الوضع “خطر” في بلدة ديواندره في إقليم كردستان غرب البلاد حيث قتل ثلاثة مدنيين على الأقل برصاص القوات الحكومية.
وعبرت المنظمة أيضاً الأحد عن قلقها في شأن الوضع بمدن أخرى يسكنها أكراد، مع سماع دوي انفجارات في بوكان وسقز وإطلاق نار في بوكان. ونشرت “هنكاو” أيضاً لقطات قالت إنها من مدينة سنندج وتظهر امرأة يطلق عليها في قاع نهر من قبل قوات الأمن أثناء محاولتها الهرب.
استدعاء مشاهير
واستدعى القضاء الإيراني ثماني شخصيات سينمائية وسياسية ورياضية، اتهموا بنشر محتوى “استفزازي” دعماً لحركة الاحتجاجات في إيران، بحسب ما أعلنت السلطة القضائية.
وقال موقع “ميزان أونلاين” في وقت متأخر السبت، “عقب تعليقات نشرت من دون أدلة على الأحداث الأخيرة، ونشر مواد استفزازية تدعم أعمال الشغب من قبل شخصيات سياسية ومشاهير، تم استدعاء هؤلاء الأشخاص إلى مكتب المدعي العام في طهران السبت للإجابة عن أسئلة السلطات القضائية”.
ومن بين هذه الشخصيات مدرب نادي بيرسيبوليس لكرة القدم يحيى غول محمدي والنائبان الإصلاحيان السابقان محمود صادقي و باروانيه صلاحشوري، وتم استدعاؤهم “لتوضيح موقفهم في شأن نشر محتوى غير موثق أو مسيء”.
وكان غول محمدي وجه انتقادات حادة الأسبوع الماضي إلى لاعبي المنتخب الوطني لـ “عدم رفع صوت الشعب المقموع إلى آذان السلطات”، بعد لقاء المنتخب الإيراني مع الرئيس إبراهيم رئيسي.
من جهتهما أيد النائبان السابقان الحركة الاحتجاجية بشكل علني، خصوصاً عبر موقع “تويتر”، ونددا باستخدام الحكومة القوة ضد المتظاهرين.
وأشار “ميزان أونلاين” إلى أنه تم استدعاء الممثلات إلناز شاكردوست وميترا حجار وباران كوساري وسيما تيرانداز وهينغاميه غازياني لنشرهن “محتوى استفزازي” غير محدد، ولم تعد صفحات غول محمدي وكوساري متاحة على “إنستغرام” منذ الأحد.
معتقلة فرنسية
ومن ناحية أخرى تحدثت عائلة وأقارب مدرسة اللغة الفرنسية والنقابية سيسيل كوهلر، المحتجزة في إيران منذ مايو (أيار) الماضي، للمرة الأولى الأحد لإحدى الصحف الإقليمية، وقالت “من أجلها يجب ألا ننكسر”.
وقال والدها باسكال كوهلر لصحيفة “درنيير نوفيل دالزاس”، “هل نحن على يقين أنها لا تزال على قيد الحياة في الوقت لا نعرف حتى مكان احتجازها؟ مصلحتهم ليست في قتلها، وهي بالتأكيد تعامل أفضل من المعتقلين الإيرانيين على المستوى المادي، لكن هذه المعاملة غير إنسانية”.
ولم تجر عائلتها التي تعيش في سولتز قرب ستراسبورغ في شرق فرنسا، أي اتصال بها منذ اعتقالها. ولم يتمكن أي ممثل قنصلي فرنسي من لقائها، وهو وضع “لا يطاق” للوالدين باسكال وميراي، القلقين على “الحال النفسية” لسيسيل.
وأوقفت سيسيل كوهلر (38 عاماً) مع فرنسي آخر هو جاك باريس، بينما كانت في رحلة إلى إيران، البلد الذي كانت تحلم بزيارته “منذ وقت طويل”.
وقرر أقرباؤها التحدث علناً بعد أن بثت طهران بداية أكتوبر (تشرين الأول) مقطع فيديو قدم على أنه “اعترافات” بأن سيسيل كوهلر كانت تعمل لمصلحة الاستخبارات الفرنسية. وشجبت باريس “التدبير غير اللائق” لهذه الاعترافات، مشيرة للمرة الأولى إلى “رهائن دولة”.
من جهتها، أشارت صحيفة “درنيير نوفيل دالزاس” إلى أن النقابية المسؤولة عن العلاقات الدولية في “القوة العاملة” وخريجة الأدب الحديث، اختارت الاستمرار في التدريس من أجل “البقاء قريبة من الميدان وزملائها وطلابها”.
ودعت وزارة الخارجية الفرنسية بداية نوفمبر الحالي الفرنسيين الذين يمرون عبر إيران إلى “مغادرة البلاد في أسرع وقت، نظراً إلى أخطار الاعتقال التعسفي التي قد يتعرضون إليها”.
كما طالبت منظمة العمل الدولية هذا الأسبوع بالإفراج عن سيسيل كوهلر وجاك باريس “من دون تأخير”، مشددة على أنهما يستطيعان الحصول على “مساعدة قنصلية فورية”.
وقال أقرباء سيسيل إنها “تجسد التفاني”، وهي معلمة “مستعدة دائماً لتعليم الصفوف التي تعتبر صعبة”، وفق مارين زميلتها وصديقتها. وكذلك أشار أنتوني زميلها السابق في السكن إلى أنها “شخص يتمتع ببهجة كبيرة في الحياة”.
المصدر: اندبندنت عربية