وليد شقير
تشكيك لبناني بالمراهنة على توسط ماكرون مع إيران و”حزب الله” لإنهاء الفراغ الرئاسي. هل ستبقي نتائج القمة الأميركية الفرنسية التي انعقدت الخميس في الأول من ديسمبر (كانون الأول) على آمال بعض الأوساط اللبنانية بأن تلعب باريس دوراً مع إيران من أجل التوصل إلى تسوية ما حول تسريع إجراء انتخابات الرئاسة في لبنان لإنهاء الفراغ الذي دخل أسبوعه الخامس؟
هذه الأوساط وبعضها يدور في فلك “حزب الله” وحلفائه في قوى (8 آذار)، كانت روجت بأن لبنان على جدول البحث بين الرئيسين جو بايدن وإيمانويل ماكرون، على رغم زحمة العناوين التي شملتها المباحثات، وأن هناك أملاً لسعي باريس بالتفاهم مع الإدارة الأميركية إلى التوسط بين واشنطن وطهران من أجل استئناف مفاوضات فيينا على النووي الإيراني، وأن تتناول عدداً من الأزمات الإقليمية.
ذهب بعضهم (على عادة اللبنانيين) بالغرق في المراهنات على التدخلات الخارجية لمعالجة أزماتهم، إلى حد توقع أن تتدخل باريس لدى السعودية كي تدعم لدى حلفائها في لبنان مرشح “حزب الله” للرئاسة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، فيما لم يستبعد بعضهم الآخر أن تقترح عليها دعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، وكل ذلك يبقى في إطار التحليلات التي لا تستند حتى الآن إلى أي معطيات صلبة يمكن الركون إلى صحتها.
اجتماع عمان
الربط بين محادثات الرئيسين الأميركي والفرنسي وبين دور فرنسي في اقتراح مخارج لانسداد أفق انتخاب رئيس الجمهورية اللبناني، يعود إلى أن ماكرون سيكون في طليعة المشاركين في عمان بين 20 و22 ديسمبر (كانون الأول) الجاري في مؤتمر “التعاون والشراكة” الذي ينعقد برئاسة مشتركة من قبله ومن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وتحضره دول الجوار العراقي في المنطقة. وهذا المؤتمر كان تأسس في أغسطس (آب) الماضي في بغداد بحضور كل من العراق والكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن ومصر وإيران وتركيا وفرنسا، إضافة إلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.
وتتيح فعاليات المؤتمر الذي تأسس بمبادرة من ماكرون ورئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي دعم العراق، وفي أغسطس الماضي لم يدع لبنان إلى مؤتمر بغداد، كما لم يدع إلى مؤتمر عمان، ويغلب الاعتقاد أن يكون الاجتماع الذي يتناول التعاون الإقليمي، وإعادة الإعمار في العراق مجالاً للبحث على هامش فعالياته بعناوين إقليمية منها أزمة لبنان.
مدعاة التساؤل عما إذا كانت التكهنات حول اغتنام فرصة انعقاده يمكن أن تطلق جهوداً جديدة مع طهران تستعجل ملء الشغور الرئاسي، قابلة لترجمتها فعلاً، أن الرئيسين بايدن وماكرون تناولا في واشنطن الموقف من طهران بلهجة عالية ومتشددة إزاء ملفها النووي ودورها الإقليمي، فضلاً عن تضامنهما مع التحركات المعارضة للنظام الإيراني، بحيث يشكك عديد من المراقبين بإمكان تجاوب الجانب الإيراني مع أي جهود.
وفي وقت كانت تسربت أنباء عن أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سيحضر مؤتمر عمان، فإن مراقبين تساءلوا عما إذا كان حضوره سيبقى قائماً بعد استدعاء طهران السفير الفرنسي للاحتجاج على موقف بلاده المتعاطف مع التحركات الاحتجاجية في المدن الإيرانية، خصوصاً أن باريس استنكرت ذلك الاستدعاء وبقيت على موقفها المستنكر للقمع الذي تمارسه طهران ضد المحتجين، فضلاً عن غضبها من استمرار احتجاز سبعة فرنسيين من قبل السلطات الإيرانية، بينما تتصدر فرنسا دول أوروبا التي دفعت من أجل إصدار عقوبات من الاتحاد الأوروبي على رموز القمع في إيران.
بايدن وماكرون
في كل الأحوال فإن باريس أعلنت أن الرئيس ماكرون سيزور لبنان بعد اجتماع عمان لبضع ساعات لتفقد جنود الكتيبة الفرنسية العاملة في عداد قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان (يونيفيل)، وهو تقليد اتبعته باريس لمعايدة هؤلاء الجنود عشية عيدي الميلاد ورأس السنة، إما من قبل رؤساء الجمهورية أو بإيفاد وزير الدفاع أو وزير الخارجية، لكن ماكرون لن يبيت في لبنان، ولم يعرف إذا كان سيلتقي أياً من القادة فيه، وربما يكون الأمر متوقفاً على ما إذا كان في جعبته ما يستدعي أي لقاءات معهم.
بالعودة إلى التوقعات من قمة واشنطن بين بايدن وماكرون لم يصدر عنها أية إشارات عما إذا كان الرئيسان تناولا تفاصيل الأزمة اللبنانية، إلا أن البيان المشترك تناول لبنان بجملتين مختصرتين في فقرة تحت عنوان “الشرق الأوسط” شملت الوضع في سوريا، وأفرد الجزء الأكبر منها للوضع في إيران، وهو عنوان يأتي في الترتيب الخامس من سائر العناوين الـ16 التي تضمنها البيان. ونص ما يتعلق بلبنان على الآتي، “يرحب الرئيسان بالإنجاز التاريخي المتمثل بإبرام اتفاقية الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، فرنسا والولايات المتحدة مصممتان على مواصلة الجهود المشتركة لحث قادة لبنان على انتخاب رئيس والمضي قدماً في الإصلاحات الحاسمة”.
وفي المؤتمر الصحافي المشترك اكتفى بايدن بالقول، إنه شكر فرنسا على جهودها في التوصل إلى الاتفاق التاريخي بين لبنان وإسرائيل، فيما رد ماكرون ممتدحاً “إنجاز إدارة بايدن العمل الأساسي من أجل لبنان العزيز جداً على قلوبنا، الذي كان بحاجة لهذا الاتفاق، إضافة إلى المواضيع الأخرى التي تهمنا وتعنينا وتدخل ضمن أجندة لبنان للأسابيع والأشهر المقبلة”.
احتجاجات إيران
لكن البيان المشترك نص على الآتي بالنسبة إلى إيران، “يعرب الرئيسان عن احترامهما للشعب الإيراني، لا سيما النساء والشباب الذين يتظاهرون بشجاعة للمطالبة بحرية ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي التزمتها إيران بنفسها وتنتهكها الآن”.
وأكد أن الرئيسين “مصممان على ضمان عدم تمكن إيران يوماً من تطوير سلاح نووي أو امتلاكه، وتواصل فرنسا والولايات المتحدة العمل مع شركاء دوليين آخرين للتصدي للتصعيد النووي الإيراني وتعاون طهران غير الكافي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك القضايا الجادة والمعلقة الخاصة بالتزامات إيران القانونية بموجب اتفاقات الضمانات التي تقتضيها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، بما في ذلك نقلها الصواريخ والطائرات من دون طيار إلى جهات فاعلة من غير الدول”.
وأشار البيان المشترك إلى أن هذه الأسلحة (التي تنقلها إيران) “تهدد شركاء الخليج الرئيسين والاستقرار والأمن في المنطقة وتتعارض مع القانون الدولي، وهي تسهم الآن في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وستعمل فرنسا والولايات المتحدة مع الشركاء لتعزيز التعاون في شأن إنفاذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة ومواجهة هذه الأنشطة، وستبذلان جهوداً مشتركة تهدف إلى زيادة تعزيز الإطار الدولي الذي يحد من انتشار الصواريخ الإيرانية وتقنيات المركبات الجوية من دون طيار في المنطقة وخارجها وتعزيز الجهود العملية لمواجهة هذا الانتشار”.
تزايد المطالب من طهران
أثقل البيان المشترك الأميركي الفرنسي المطالب الغربية من طهران، إذ لوح مجدداً بطرح مسألة نقلها الطائرات المسيرة إلى روسيا لتستخدمها في حربها بأوكرانيا على مجلس الأمن، وأوكرانيا هي الميدان الرئيس للصراع مع موسكو الذي يشكل الأولوية على الصعيد الدولي للغرب عموماً في سياق الانقسام الدولي الحاد منذ اندلاع الحرب فيها، فضلاً عن انضمام فرنسا بشكل حاسم إلى الموقف الأميركي المتشدد حيال طهران، بعد أن كانت في السابق بمثابة الوسيط بينها وبين واشنطن، سواء في الملف النووي أو في شأن القضايا الإقليمية، فقد أضيف أخيراً التضامن الفرنسي مع الحركة الاحتجاجية الداخلية، الأمر الذي يزيد من تحفظ القيادة الإيرانية حيال باريس.
وهذا يبرر طرح السؤال عما إذا كان ماكرون قادراً على لعب دور الوسيط معها بعد أن أثارت قمة بايدن- ماكرون حفيظة طهران، والشكوك في شأن قدرة الجانب الفرنسي على لعب دور الوسيط مع طهران، تشمل حتماً أزمة لبنان والسعي إلى إنهاء الفراغ الرئاسي فيه، كما أن الجانب الأميركي لا يتوقف عن فرض مزيد من العقوبات على المسؤولين الإيرانيين وكذلك على قياديين من “حزب الله” كما فعلت وزارة الخزانة الأميركية في الأول من ديسمبر (كانون الأول)، حين وضعت ثلاثة قياديين ومؤسستين ماليتين على لائحة “أوفاك” بتهمة العمل على تأمين التمويل للحزب.
في وقت شكلت نتائج قمة واشنطن مؤشراً لدى البعض إلى صعوبة توقع دور فرنسي وسيط حول أزمة الشغور الرئاسي في لبنان، إلا أن بعض الأوساط غير البعيدة عن “حزب الله” يشير إلى أن طهران تسعى إلى تفكيك تصاعد الضغوط عليها بإرسال إشارات إلى الدول الغربية حول استعدادها من أجل فتح باب لاستئناف التفاوض على الملف النووي في فيينا، وترى هذه الأوساط أن الإعلان في الثالث من ديسمبر عن اتصال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بمفوض السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي من أجل البحث في تجديد مفاوضات فيينا، ربما يأتي في سياق السعي الإيراني لإحداث خرق في الملف النووي لعل ذلك يخفف الضغوط الغربية والأميركية عليها.
وتشير بعض الأوساط إلى أن الوساطة في مرحلة التوتر الحالية انتقلت إلى دول تلعب عادة هذا الدور مع طهران و”حزب الله”، منها سلطنة عمان في شأن الملف النووي، وقطر في هذا الملف، وفي ما يتعلق بأزمة انتخاب الرئيس في لبنان.
المصدر: اندبندنت عربية