عبدالرحيم خليفة
صدر حديثًا للكاتب الصحفي والناقد، محمد منصور، في طبعة ثانية ومزيدة، كتاب (أدب الرحلات النبيلة) عن دار موزاييك للدراسات والنشر في اسطنبول/ تركيا.
الكتاب الذي صدر في طبعته الأولى في عام 2010 يكتسب أهمية خاصة في طبعته الجديدة، نهاية 2022، لجهة ربط معانيه، وإهداءه، وإضافة بابه الأخير، عن محمد خليفة، بالثورة السورية العظيمة، والتي جاءت مقدمته تحت عنوان: (من فيتنام إلى سورية)التي يقول فيها: “إنه يعود إلى هذا الكتاب بعد أكثر من عشر سنوات على صدور طبعته الأولى، وبعد عقد عاصف تغير فيه شكلُ العالمِ ومحاورُه وتحالفاتُه، لأضيف عليه شهاداتٍ وفصولًا، ولأجلوَ مواقفَ وعبرا….” وفي الإهداء الذي خصه إلى صديقه، وزميله، المغيب منذ صيف 2013 على يد تنظيم داعش (عبيدة بطل) الذي [آمن بالحرية]، وصار [أيقونةَ انتظارِها وانتصارِها]، إضافة للفصل التاسع، المزيد، الذي لم يكن في الطبعة الأولى عن الكاتب الصحفي الراحل محمد خليفة، في لفتة طيبة وكريمة وتوثيقية، تحت عنوان: من السويد إلى لبنان، مذكرة احتجاج نصرة للثورة السورية.
وهي رحلة الكاتب الصحفي والباحث محمد خليفة باسم (الهيئة العامة للثورة السورية) لتقديم مذكرة احتجاج إلى رئيس وزراء لبنان، في حينها، نجيب ميقاتي، على المعاملة المشينة للضباط المنشقين، وعموم المواطنين السوريين الهاربين من جحيم الأسد.
وكان محمد منصور قد اعتبر محمدُ خليفة “أستاذًا من أساتذة الحرية”، كما كتب على صفحته على الفيسبوك عند إعلانِه عن صدور كتابه.
في مدخل الكتاب_ الدراسة التي كتبها المؤلف في 10_ 08_ 2010 يُفصِّل عن هذا النوع من الأدب وغيره موضحًا المنطلقاتِ التي “هي الرغبة في تصوير المآسي والمجازر والحروب تارة، ورصد لحظات التحول المصيرية التي تمر بها الجغرافيا ويعبرها تاريخ الشعوب…” أما عن الأهداف، فهي “التعبيرُ الطوعي النبيل عن الموقف الذي يمثل الضمير الحي لهذا الكاتبِ أو الأديب، بعبارة أخرى: إنه التعبيرُ عن الضمير الحي للإنسانية التي فطرها اللهُ على التعاطف مع الحق، والانحياز للحقيقة…”
“الرحلات النبيلة” جاءت على التوالي:
1- أنطون تشيخوف في جزيرة سخالين: رحلة شاقة لتفقد ظروف السجناء والمنفيين.!
وهي الرحلة التطوعية التي قام بها الأديب العالمي في نهاية القرنِ التاسعَ عشرَ، ودونها في كتابه (جزيرة سخالين)، وهو “مؤلفٌ إنسانيٌّ يفيض بالخواطر عن الإنسان والألم والكفاح والقسوة والتخاذل والشجاعة”، وأحدثت رحلته حينها صدى واسعًا…
2- غراهام غرين في أدغال أفريقيا: مدن عاجزة عن إخفاء الحقيقة.
وهي رحلة الروائي الإنجليزي المعروف في عام 1935 إلى مجاهل أفريقيا التي دونها في (رحلة بلا خرائط) بنبرة احتجاجية.
3-أندريه جيد في الكونغو: صدمة الواقع وخيبة الحلم الشيوعي.
وهو الأديب الفرنسي الحائز على جائزة نوبل للآداب، وصاحبُ كتابي (الرحلة إلى الكونغو) 1927، ثم(العودة إلى تشاد) 1928 اللذين يعدان إدانة للاستعمار والرأسمالية، التي لم تكن خيبته من الشيوعية بأقل منهما بعدما زار الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين.
وما يجدر ذكرُه أن هذا الفصل أيضًا لم يكن في الطبعة الأولى، وأضيف في الطبعة الثانية.
4-جورج برناردشو في الاتحاد السوفياتي: سخرية لاذعة من تناقضات الشيوعة.
وهي رحلة الكاتب الإيرلندي الساخر في أربعينات القرن الماضي إلى الاتحاد السوفياتي التي جعلها “جزءًا أصيلًا من السعي نحو الحقيقة والدفاع عن العدالة”.
5- كاتب ياسين في فيتنام: مرافعة دفاع عن عدالة القضية الفيتنامية.
وهو الكاتب والروائي الجزائري المعروف الذي كتب مسرحيته (الرجل ذو الحذاء المطاطي) بين عامي 1967_ 1970 من “وحي المعاناة اليومية في أرض المعركة، ورسم أجمل تجليات أدب التحرر الإنساني الذي ينشد للحرية”.
6- جان جينيه في صبرا وشاتيلا بعد المذبحة: هنا أدرك بذاءة الحب…وبذاءة الموت.!
وهي رحلة الكاتب المسرحي الفرنسي، الثمانيني، إلى بيروت، الذي دخل المخيمين ورأى “آثار المجزرة وهي ماتزال حارةً وطازجةً، وماثلةً وقائعُها للعيان.” معتبرًا أن “الذاكرة المتحضرة” “تنعم بالنسيان” “حين يكون الدم المراق عربيًّا”.
7- ألبرتو مورافيا في شبه الجزيرة العربية: النفط والحياة الجديدة.
الكاتب والروائي الإيطالي الذي تمخضت رحلته لشبه الجزيرة العربية عن فيلم من خمس حلقات وخمس ساعات عبَّر فيه عن “تفهمه الإنساني العميق لخصوصية هؤلاء البشر، في موقف نزيه يستقرئ الواقع بعيدًا عن الرؤى السابقة والأكاذيب”.
8- ماركز يروي رحلة ميغيل السرية إلى تشيلي.
وهو العمل الذي يمكن أن يطلق عليه اسمُ الرواية التسجيلية عن رحلة ميغيل ليتين المحفوفة بالمغامرة والمخاطر لبلده تشيلي “ليقبض على النبض الخفي لبؤس الحياة الذي تحاول الديكتاتورية إخفاءه”.
على الغلاف الأخير للكتاب، 132 صفحة من القطع الوسط، كلمةٌ مختصرةٌ وقيمةٌ جدًّا، تعريفية بالكاتب والكتاب، للصحفي والكاتب حسام الدين محمد جاء فيها:
(يخوض منصور، هو أيضًا، “رحلة نبيلة”، تأخذنا مع هؤلاء الكتاب إلى كافة اتجاهات الأرض، ثم ترجعنا إلى صُلْبِ الموضوع، فننظر إلى مرآة أنفسنا، ونشاهد موقعنا في العالم لنرى إن كنا بشرًا أو وحوشًا).
الكتاب في فكرته الجميلة والنبيلة هو صورةٌ عن كاتبه وانحيازاته الإنسانية، ويوضح بشكل جلي شخصيتَه واحترامَه لقيم الحق، وإعلاء قيمة الإنسان، ومساندة العدالة التي مافتئ البشر ينشدونها، كما جاء في نهاية مدخل الكتاب التي أشرنا إليها آنفًا.
الكتاب الشيق في أسلوبه، وفي متعته وفائدته، لا يغني هذا العرض البسيط عن قراءته؛ لأنه يُعدُّ وجهًا آخرَ نبيلًا لرحلات وأسفار شخصياته وقيمهم الأصيلة.
المصدر: الشراع