آمال شحادة
عقوبات جماعية ضد فلسطينيي المدينة وآلاف من تصاريح السلاح بيد الإسرائيليين ومخاوف يهودية من “رمضان دام”. لم تكتف الحكومة الإسرائيلية بإغلاق بيت عائلة منفذ عملية القدس، الفلسطيني خيري علقم، بل صعد رئيسها بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع حكومته الأسبوعي، الأحد، إجراءات حكومته بهدم بيت علقم، كما هدد بهدم بيت كل منفذ عملية ضد مواطنين وأهداف إسرائيلية، ضمن سلسلة إجراءات انتقامية جماعية ضد الفلسطينيين عموماً وفلسطينيي القدس بشكل خاص، وهي إجراءات تسهم في المزيد من تفريغ القدس من سكانها العرب بعد أن أقر المجلس الوزاري الأمني المصغر سحب الإقامة في القدس، ليس فقط ممن ينفذ العملية وعائلته، بل ومن يدعم العمليات ضد إسرائيل.
افتتح نتنياهو جلسة حكومته الأسبوعية بمزيد من التهديد والإجراءات التي تجاوزت ما قرره المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت)، الذي عقد مساء السبت، في حين يواصل “الكابينت” اجتماعاته ومشاوراته للمصادقة على مزيد من الإجراءات التي تشكل في مجملها عقاباً جماعياً للفلسطينيين، في محاولة لمنع تنفيذ مزيد من العمليات، كما قال بعض الوزراء في تعليقاتهم على قرارات “الكابينت”.
واعتبر نتنياهو، الأحد، أن الإجراءات التي اتخذها “الكابينت” تشكل “خطوات لمحاربة الإرهاب من جهة، وتكبيد منفذي العمليات وداعميهم ثمناً باهظاً من جهة أخرى”.
العقوبات الجماعية التي فرضتها الحكومة الإسرائيلية، بعد مصادقة “الكابينت” عليها، تؤدي إلى سحب حقوق جميع الفلسطينيين من سكان القدس، وفقدان حقهم في الإقامة وجميع المستحقات الاجتماعية والصحية التي يحصلون عليها كمقدسيين.
تصاريح سلاح بالآلاف
سلسلة الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل جاءت من منطلق ما سماه وزراء “الكابينت” الردع لمن يفكر مجرد تفكير بتنفيذ عملية، لكن قرارات أخرى شكلت إعلاناً بهدر دم الفلسطينيين، بعد أن تقرر إصدار رخص حمل سلاح لآلاف الإسرائيليين، بينهم ثلاثة آلاف رخصة سلاح ليهود متدينين متطوعين في منظمة “زاكا”، التي تهتم بالإجراءات الدينية عند وفاة اليهودي.
في هذا الجانب، قال نتنياهو “لدى منظمة (زاكا) ثلاثة آلاف متطوع يوجدون في مختلف أنحاء إسرائيل وتسليحهم مع آلاف آخرين سيزيد بشكل كبير من قدرة الرد، كما حدث عندما حيد مواطنون أبطال مدربون ومسلحون الفتى ابن الـ13 سنة الذي أطلق النار على اثنين”.
الردود الإسرائيلية جاءت متوافقة بين اليمين واليسار والمركز حول ما سماه الإسرائيليون “محاربة الإرهاب”، لكنهم اختلفوا في الوسائل، فاليسار في مركزه حزب “ميرتس”، اعتبر أن “محاربة الإرهاب” من خلال العقوبات الجماعية أو العسكرية لن يأتي بحل، ودعا إلى العمل نحو مسار سياسي ودبلوماسي لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
أما اليمين، وفي مقدمته أحزاب الائتلاف، فوجد أن العقوبات التي أقرها وسيبحث غيرها “الكابينت” ضرورية إلى جانب تعالي الأصوات الداعية إلى عملية عسكرية واسعة في غزة، بعد أن حملوا “حماس” مسؤولية تصعيد الوضع الأمني.
تعزيز الاستيطان
نتنياهو من جهته، في محاولة لمنع تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة عشية وصول وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أعلن أن حكومته غير معنية بالتصعيد، لكن “في حال مواجهة أي سيناريو لتصعيد محتمل “سيكون ردنا أكثر شدة وقوة ودقة”، وراح نتنياهو يحرض على التنظيمات الفلسطينية قائلاً “الجهات الإرهابية تسعى إلى ارتكاب مجازر ضدنا من دون تمييز، لذلك علينا جميعاً التكتل كرجل واحد في حرب لا هوادة فيها ضدهم، وسننتصر عليهم”.
تصريحات نتنياهو وقرارات “الكابينت”، وفق سياسيين وأمنيين سابقين، تشكل إعلان حرب ستكون تداعياتها خطيرة على إسرائيل كما هي على الطرف الآخر، ومع الإعلان عن محاولة اثنين تسلل الحدود من جهة سوريا وإصابة واحد وهرب الثاني بعد إطلاق النيران عليهما من قبل الجيش الإسرائيلي، وقبلها عملية إطلاق نيران في مطعم في منطقة الأغوار القريبة من الحدود مع الأردن، حذر عسكريون وأمنيون من خطر تصعيد أمني على مختلف الجبهات في آن واحد في ظل حكومة يفتقد فيها معظم الوزراء الخبرة العسكرية وحتى السياسية”.
وما بين هذا وذاك، استغل نتنياهو ووزراء حكومته الانشغال الإسرائيلي العام بالوضع الأمني ليقروا مخططات جديدة للبناء الاستيطاني في الضفة، وأعلن نتنياهو في جلسة حكومته أنه سيتم بحث خطوات لتعزيز الاستيطان في الضفة قائلاً “سنوضح للإرهابيين الذين يسعون إلى اقتلاعنا من بلادنا أننا هنا لكي نبقى، وقد أوعزت لرئيس مجلس الأمن القومي بفحص خطوات أخرى تعالت في (الكابينيت) وسيتم استعراضها أمام الجمهور لاحقاً”.
لا تملك الأدوات
أمام التهديدات المتصاعدة من قبل نتنياهو والوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموطرتش، خرجت مجموعة من الضباط السابقين الذين شكلوا تنظيماً خاصاً بهم منذ نحو عامين يسمى “الأمنيون السابقون” بتحذير من خطر تداعيات هذه التهديدات، وبحسب هؤلاء “لا يملك نتنياهو ولا وزراء حكومته، يوآف غلانت وبن غفير وسموطرتش، الأدوات الضرورية أو حتى المختلفة عن تلك التي كانت في حوزة الحكومة السابقة برئاسة يائير لابيد، لمواجهة أي تصعيد أمني أو ردعه في غضون فترة قصيرة قبل اندلاعه”.
وشدد هؤلاء على أن “الامتحان الحقيقي للحكومة سيكون في المدى البعيد، وسيتعين عليها دفع خطوات تسمح بالعمل بشكل مختلف، وتضمن ردعاً أكثر جدية”.
بداية أزمة خطرة
أجمع إسرائيليون من أمنيين وعسكريين وسياسيين، على أن العمليات التي نفذت خلال 48 ساعة تشكل تحدياً من نوع جديد، ليس فقط لحكومة نتنياهو، بل ولأجهزة الاستخبارات وقوات الأمن، خصوصاً أنه لم يحسم بعد ما إذا كانت العمليات نفذت بشكل شخصي أو بتخطيط تنظيمات فلسطينية.
صحيفة “هآرتس” اعتبرت في افتتاحيتها أن “الترقب الآن هو للرد الإسرائيلي، بخاصة في ضوء تشكيل حكومة يمينية متطرفة تضم بين صفوفها وزراء يمين، في مركزهم بن غفير وسموطرتش، ممن يتبنون سياسة الرد الصهيوني المناسب، ولهؤلاء الوزراء وشركائهم في الحكومة توجد الآن القوة والصلاحية لاقتحام كل جدار، وفرض عقوبات جماعية جسيمة، ومنح تراخيص لبناء مستوطنات ثأر، وكذلك لاحتلال الحرم القدسي استعراضاً للسيطرة، ولا بد أن بن غفير سيستغل هذه العمليات كي يسرع تحقيق رؤياه لإقامة حرس قومي يضم نحو 10 آلاف مواطن مسلح، إضافة إلى قوات حرس الحدود، ووضع السلاح في أيدي كل مواطن يرغب في ذلك”.
وحذرت الصحيفة “معروفة جيداً في إسرائيل مسرحيات الاستعراض والتبجح التي تدعي فيها الحكومة الجديدة والوزراء الجدد بثقة أن في أياديهم الحل السحري المطلق لتصفية الإرهاب الفلسطيني، وكأن هذا الإرهاب منقطع عن الواقع الصعب في المناطق، الذي يتواصل منذ نحو 56 سنة، وكل ما هو مطلوب هو تشديد ثقل الكماشة ومدى الوحشية في استخدامها لأجل تحقيق الهدوء، هذا المفهوم الذي ينبع الآن من تطلع الحكومة الجديدة لأن تثبت قوة وزرائها، من شأنه أن يدخل إسرائيل في مواجهة عنيفة وجارفة، نطاقها ونتائجها لا يمكن لنا أن نخمنها إلا بقلق”.
“قلب ظهر المجن”
في سياق بحث الأجهزة الأمنية الوضع الأمني وسبل مواجهته، عبر مسؤولون أمنيون عن قلقهم من أن تكون الذروة في تصعيد الوضع الأمني خلال مارس (آذار) المقبل مع حلول شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي، وقال مسؤول أمني إن جهاز الأمن العام (الشاباك) يعمل تحت إنذار إمكانية وقوع حدث دراماتيكي يقود إلى انتفاضة ثالثة، أو ما قد يسمى “قلب ظهر المجن”، وبحسب بيان للاستخبارات فإن هناك 41 إنذاراً الآن لتنفيذ عملية ضد إسرائيليين مدنيين وجنود وأهداف إسرائيلية”.
وأوضح أمنيون إسرائيليون أن أجهزة الأمن تعتبر شهر رمضان “فترة من شأن التوتر الأمني فيها أن يصل إلى ذروته”، ونقل عن أحدهم قوله “هناك أعواد ثقاب من شأنها أن تشعل ناراً كبرى، كثرة القتلى الفلسطينيين أثناء أعمال الجيش الإسرائيلي، عملية مضادة فتاكة تؤدي إلى موجة عمليات، تصعيد في الحرم القدسي أو عملية تدفيع ثمن وإرهاب من جانب مستوطنين وغير ذلك”.
وأضاف المسؤول الأمني أن “اثنين في الأقل من السيناريوهات التي وضعها جهاز الأمن تحققا منذ الآن في غضون بضعة أيام، عملية للجيش الإسرائيلي في جنين لاعتقال خلية للجهاد الإسلامي خططت لتنفيذ عمليات إطلاق نار إضافية، انتهت بسقوط تسعة قتلى فلسطينيين، بالمقابل، فإن عملية ليل السبت، التي أسقطت سبعة قتلى، وهي العملية الأقسى منذ نحو 15 سنة، توقظ منذ الآن الوضع الفلسطيني والميل إلى التقليد مثلما خرج ابن الـ13 سنة فقط لتنفيذ عملية انتهت بجريحين مصابين بجراح خطيرة”.
استغلال زيارة بلينكن
في الوقت الذي يسعى نتنياهو إلى منع أي تدهور في العلاقات مع الولايات المتحدة عشية زيارة بلينكن للمنطقة، يرى ميخائيل ملشتاين المتخصص في الشؤون الفلسطينية بجامعة تل أبيب، أنه يتوجب على رئيس الحكومة “استغلال زيارة بلينكن إلى المنطقة لإقناع السلطة الفلسطينية بإلغاء وقف التنسيق الأمني، قرار السلطة، الذي هو تصريحي بالأساس تم اتخاذه يوم الخميس احتجاجاً على العملية في جنين”.
واعتبر ملشتاين زيارة نتنياهو إلى الأردن مطلع الأسبوع الماضي، خطوة صحيحة وقال، “يجب بذل الجهود ومحاولة تجنيد دول عربية معتدلة أخرى مثل مصر والمغرب لتهدئة النفوس قبل شهر رمضان”.
المصدر: اندبندنت عربية